التاريخ : الخميس 01 يونيو 2006 . القسم : رسالة الأسبوع

الحضارة الغربية.. إلى أين؟!


 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد!!

فمما لا شكَّ فيه أن الأحداثَ الجِسامَ التي تمر بها أمتُنا تدفعنا دائمًا إلى التأملِ في حالِها ومآلِها، وما عانته من صروفِ الأيامِ ومكْرِ الليالي، فكان زمانٌ استمسكت فيه بدينِها، فإذا بها أمةٌ شامخةٌ، يقف جنديٌّ من جنودِها أمام الجيوشِ الطاغيةِ المتجبِّرةِ لأكبر قوى الأرض في وقتها ليقول: "إن الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جَوْر الأديانِ إلى عدلِ الإسلام، ومِن ضيقِ الدنيا إلى سعةِ الدنيا والآخرة"، وإذا بخليفتها يخاطب السحابةَ المارَّة في السماء واثقًا: "أمطري حيثُ شئتِ، فسوف يأتيني خراجُك"، ويُقحِم قائدٌ من قادتها فرسَه في ماء المحيط الأطلسي؛ حيث تنتهي رقعةُ الأرض أمام عينيه، فيقول: والله لو علمتُ أن وراءَك أرضًا يُكفَر فيها بالله تعالى لغزوتُها في سبيل الله".

 

فتُطوى لهم الأرضُ، وتلينُ أمامهم الصعابُ، فيقوم حكمُ العدل حيث حلُّوا، فلا يُستعبد في أرضهم حرٌّ، ولا يُظلَم إنسانٌ.. يقف رسولُهم- صلى الله عليه وسلم- لجنازة يهودي تمر أمامه قائلاً: "أوَليست نفسًا؟!" ويأمر خليفتُهم الفاروقُ- رضي الله عنه- نصرانيًّا من أهل مصر بالقصاص من ابنِ أميرِها، قائلاً: "اضرب ابنَ الأكرمِين"، بل ومِن أميرِها:، قائلاً: "إن ابنَه ما ضربك إلا بسلطان أبيه"، ثم يقول قولته الخالدة: "يا عمرو.. متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!".

 

حضارة إنسانية

فلا يكاد يمضي جيلٌ أو جيلان حتى يكون الإسلام بوتقةً حضاريةً عبقريةَ البناء، تنصهر فيها عطاءاتُ العالم، فيكون من أئمة الحديث النبوي البخاري ومسلم النيسابوري وأبو داود السجستاني والنسائي.. سواءً بسواءٍ كابن حنبل العربي الشيباني، ويكون من مفسري القرآن فيهم الطبري والقرطبي، سواءً بسواءٍ كابن كثير العربي القرشي، ثم يكون من أطبائهم وفلاسفتهم الرازي والصابي وابن رشد الأندلسي، شعارهم ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية 13)، وهتافهم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".

 

ثم يدور الزمن دورتَه، و"لكل شيء إذا ما تم نقصان" فتكالبت على الأمة عوامل الضعف من داخلها، وتضافرت عوامل الضغط من خارجها، واهتزَّت مكانةُ الإسلام في نفوس أبنائها وقادتها، فتآكلت قواها، وانحلَّت مقاومتها، وتمكَّن منها أعداؤها، فصدق فيها قول الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَّظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوْكُمْ أَوْ يُعِيْدُوكُمْ فِيْ مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ (الكهف: 20).

 

حرب صليبية
 الصورة غير متاحة

وأَنْشَبَ الاستعمارُ الغربي فيها مخالبَه، من تركستان الشرقية والفلبين وأندونيسيا شرقًا، إلى الأندلس ومراكش غربًا, ومن أواسط أوروبا شمالاً إلى أفريقية جنوب الصحراء، في هجمةٍ جائرةٍ أُبيد فيها ملايين المسلمين، ونُهبت خيراتُ بلادهم نهبًا منظَّمًا، ودُمِّرت أخلاق أبنائها عن قصدٍ وعمدٍ، وحِيل بينهم وبين أسباب القوة وعوامل النهوض، واستمع الإيطاليون إلى نشيدهم يُهدَر بعد غزوهم ليبيا:" أماه لا تبكي، بل اضحكي وتأملي، أنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا، لأبذل دمي في سحق الأمة (الملعونة!!) ولأحارب الإسلام، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن".

 

واستمع الإنجليز إلى كبيرِهم جلادستون يقول بملء فيه: "يجب إعدام القرآن"، ورأوا قائدَهم اللورد اللنبي يدخل القدسَ في الحرب العالمية الأولى صارخًا: "اليوم انتهت الحروب الصليبية"، وركل الجنرال الفرنسي غورو قبر صلاح الدين- وهو داخل سورية- قائلاً: "ها قد عُدنا يا صلاح الدين"!! ثم رأى العالمُ كله حديثًا ما فعلَه الصربُ والكرواتُ بمسلمي البوسنة.. خمسون ألف