التاريخ : الخميس 27 يوليو 2006 . القسم : رسالة الأسبوع
عداوة متأصلة.. وحقد دفين
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومَن والاه وبعد،
فإن التاريخَ يشهدُ في مختلفِ مراحلِهِ على وحشيةِ أعداء الإسلامِ وبشاعةِ جرائمهم في حقِّ المسلمينَ بل والإنسانية جمعاء، على الرغم من الشعارات البراقة التي ترددها الألسنةُ لكن نراها تُمتهن على أرضِ الواقعِ في كلِّ لحظةٍ.
وما أمرُ مذابح بيت المقدس والأندلس والجزائر والبوسنة والهرسك وتورا بورا وبغداد وغيرها مما ارتكبته اليدُ الصليبيةُ الباغيةُ منا ببعيد وما مذابحُ الصهيونية شريكة الصليبية في الإثم مما يمكن أن يطمره التاريخُ؛ تشهد على ذلك مذابح دير ياسين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا وعناقيد الغضب وأمطار الصيف وغيرها.
إنها جرائم مخزية نكراء يتبرأ منها كل من ينتمي إلى الإنسانية الكريمة وتجعل من يتصفُ منهم بالعدالة والإنصاف يطأطئ الرأس خجلاً وحياءً.
والحقُّ أنه وإن كان قد نال المسلمين النصيبُ الأوفى والكيلُ المعلى من تلك الجرائم على مر القرون، فإنها لم تكن قاصرةً على المسلمين؛ فبأس الصليبيين كان بينهم شديدًا، والحروب بينهم استمرت قرونًا وفي الحربين العالميتين مات منهم على أيديهم عشرات الملايين من البشر، كما أن بأسهم على غيرهم كان أشد، فقد فتح الله عليهم أرضًا جديدةً في الأمريكتين وأستراليا، وبدل أن يشكروا نعمة الله وجهوا نقمتهم لإفناء الشعوب الأصلية لتلك البلاد، وإبان الحرب العالمية الثانية اتخذ الرئيس الأمريكي- ببرود أعصاب غريب- قرارًا بإسقاط قنبلتين نوويتين على اليابان التي كان على وشك إعلان التسليم ليموت في ثوانٍ معدودةٍ عشرات الألوف من البشر، وتبقى معاناة الأحياء إلى أمد غير منظور، وفي حروب الهند الصينية وجنوب شرق آسيا؛ في كوريا وفيتنام وكمبوديا ولاوس وقع ما لا يحصى من الجرائم. وهكذا تكشف الأحداث العالمية والمجريات الدولية قسوتهم وغلظة قلوبهم، مما يؤكّدُ أنهم سفّاكو الدماء ووحوش التعصب وعبيد القسوة. ورغم ما تحمله العهود والمواثيق الدولية من مبادئ سامية فإنها لم تفلح يومًا في أن توقف ارتكاب المذابح تلو المذابح..
حكمنا فكان العدل فينا سجيةً فلما حكمتم سال بالدم أبطَحُ
وما عجبٌ هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح
ما سبب تلك الجرائم؟
فماذا الذي يجعل أولئك المجرمين يخرجون عن الفطرة الإنسانية التي فطرها الله محبةً للخير والسلام؛ تشمئز لسفك الدماء، وتسعى لنصرة المظلوم، لتهوي بهم جرائمهم إلى درك سحيق ويتفوقون في ممارساتهم على وحوش الغاب الضارية؟
إن السبب الرئيس هو انخلاع مبادئهم وعقائدهم، ونظمهم وسياساتهم من كل التزام أخلاقي تجاه الغير، سواء كان مبعث ذلك الالتزام الدين أو القانون أو الخلق أو العرف، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، أي غاية وكل غاية؛ ولو كانت محرمةً أو من شأنها أن تجلب الضرر على شعوب الأرض، وأي وسيلة وكل وسيلة تحقق لهم غايتهم، فالمجال مفتوح لاستغلال الوسائل كلها، بدءًا من شن الحروب القذرة واستخدام أشد الأسلحة فتكًا وانتهاءً بإبرام العهود والمواثيق الدولية الإنسانية والتشدق بالكلمات المعسولة الرنانة، لتكون محاولة لخداع الشعوب؛ سعيًا لتحقيق غاية السيطرة والهيمنة على العالم.
عداوة خاصة للإسلام والمسلمين
وفوق ذلك السبب العام الذي ذكرناه هناك عداوة خاصة للإسلام والمسلمين؛ عداوة متأصلة وحقد دفين وتعصب مقيت دفع أولئك الحاقدين المتعصبين إلى شن الحروب تلو الحروب وقد تنامت تلك العداوة في الآونة الأخيرة حتى أصبحت ظاهرةً مَرَضية سموها «الإسلامو فوبيا» ضرب على وترها تجار الحروب ومشعلو نار الفتن.
وقد غذت وقائع التاريخ أحقادهم ضد المسلمين، فالإسلام هو الذي أزال سلطانهم عن أرجاء الأرض وخلَّص شعوبها من الاستبداد والطغيان والسجود لغير الله، فاندفعت الشعوب تعتنقه عن رغبةٍ وحبٍّ، ونبذت ما سواه من ضلالات، وقد حاولوا استئصاله بالغزو العسكري ففشلوا، فشفعوا الغزو العسكري بالغزو الفكري يشككون في قيم الإسلام ومناهجه، وبذلوا في ذلك ولا يزالون جهودًا مضنيةً فنجحوا في بعض الأمور ومنها تنحيةُ الإسلام عن قيادة المجتمعات، لكنهم فشلوا في انتزاع بذرة الإسلام من الأرض، ولذا نراها تنبت كل يوم شجرةً طيبةً جديدةً، وقد غدا الإسلامُ حديثَ الشرق والغرب، وأقبلت مختلف الشعوب تقرأ عنه وتحاول أن تفهم سر هذا الدين العظيم الذي تناصبه قوى الشر جميعًا العداوةَ، وتكن له البغضاء.
ومما ساهم في تغذية العداء ضد الإسلام والمسلمين تلك الصورة التي رسمها كثيرٌ من الكتاب والمستشرقين والمنصّرين التي تصور الإسلام على أنه شرعة لمجموعة من المتوحشين والقتلة الهمجيين ممن لا يستحقون الحياة، وأن دينهم هو الذي يدعوهم إلى هذا السلوك، من ثم تتم الإساءة لدينهم ونبيهم- صلى الله عليه وسلم-، وما نشرته الصحيفة الدنماركية قبل أشهر ثم تبعتها فيه صحف غربية أخرى إلا أحد مظاهر تلك الثقافة الرائجة في الغرب.
لا نخشى على الإسلام.. ولكن على المسلمين
إننا لا نخشى على الإسلام أن يندثر أو يزول، فقد تكفَّل الله بحفظ كتابه، وطالما بقي القرآن فهو رسالة الإسلام، ولكنا نخشى على المسلمين عاقبة تقصيرهم في حق الله وفي نصرة دينهم، ونخشى عليهم بسبب موالاتهم لأعدائهم، خاصة وقد بدت البغضاء من أفواههم ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، فالرئيس الأمريكي بوش الابن يتوعد بحرب صليبية ووزيرة خارجيته تبرر العدوان الهمجي على لبنان بأنه مخاض لمولد شرق أوسط جديد تكون فيه (الغلبة لنا)، أي لقوى الهيمنة الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية، وفد نست أو جهلت أن الله غالب على أمره، وأن جند الله هم الغالبون.
إن المسلمين حين هاجروا من مكة إلى المدينة أظهروا تعاطفهم مع اليهود وأبدوا لهم المودة، لأن أسلافهم مروا مع نبي الله موسى- عليه السلام- بمعاناة تشبه ما مر بالمسلمين، ولكن هذا لم يكن شعورًا متبادلاً من جهة اليهود فقد كانوا يكنون للإسلام والمسلمين الحقد والكراهية والبغض والعداوة، وكانوا يجتهدون في جلب المفسدة للمسلمين، ويتمنون لهم المشقة فنزلت الآيات الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: 118-120) ، وحددت منهج التعامل مع اليهود وغيرهم ممن يأتي بعدهم ويعمل على شاكلتهم:
• الحذر ممَّا يقولون وعدم الركون إلى ما يطلقون من وعود.
• الاعتماد على الله فهو حسب المؤمنين ونعم الوكيل.
• الصبر (بمعنى المقاومة) انتظارًا للنصر والفرج اللذين وعد الله بهما المؤمنين.
والنتيجة الأكيدة هي أن مخططات الأعداء سوف تفشل في الإضرار بالمسلمين متى التزموا بهذا المنهج﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: من الآية120).
وعجيب بعد ما أخبرتنا به هذه الآيات الكريمات عن أعدائنا وسلوكهم تجاه المسلمين أن يتم تجاهل المنهجية التي حددتها الآيات في التعامل مع الأعداء، بل تنقلب بعض حكوماتنا لتكون سلمًا لأعدائنا، حربًا على إخواننا في فلسطين ولبنان، تلقي اللوم على المقاومة ولا تتحدث عن الجرائم الصهيونية، تزين الانهزامية بغلاف كاذب من الصبر، وتلبس الاستسلام ثوب الحكمة والعقل، وتصف المقاومة المشروعة بالتهور، وقرأنا تصريحات لرئيس مجلس وزراء مصر أمام شباب الجامعات يقول فيها: "إن المقاومة المسلحة لن تجدي والمواجهات العسكرية لن توصل لحل ولا يمكن استعادة حق لدى إسرائيل بقوة السلاح"! كيف لرئيس مجلس وزراء مصر أن يدلي بهذا الحديث المثبط للهمم الداعي للهزيمة المشجع على التخاذل أمام شباب مصر؟ وما الذي يجدي إذن أمام العربدة الصهيونية؟ وكيف يسترد العرب والمسلمون حقوقهم المنهوبة ومقدساتهم المغتصبة من الكيان الصهيوني؟ بل كيف نحافظ علي كرامتنا وشرفنا؟ ها هي المقاومة فى جنوب لبنان وفلسطين توجه للمحتل الصهيونى الغاصب- العدو الذي لا يقهر حسب زعمه- ضربات مؤلمة وموجعة وتهز نظريته الأمنية، وتصيب اقتصاده تراجعًا وانكماشًا.
بحقائق الإيمان نجيب: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة:14) والثمرة كما نعلم: "نصر أو شهادة" ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ (التوبة:52) فإن قيل إنهم يتفوقون في العدة والعتاد، كان الرد: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية249) ، وإن قيل إنكم مغامرون متهورون لا تجيدون حساب المواقف، فتلك مقولة المنافقين ومرضى القلوب: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال:49).
إن العواقب الحميدة تكون لمن لجأ إلى كنف العزة الربانية، وقد فوضت المقاومة وكل مَن يناصرها الأمر إلى الله وتوكلت عليه، وهو مولاها فنعم المولى ونعم النصير.