التاريخ : الخميس 03 أغسطس 2006 . القسم : رسالة الأسبوع
جريمة قانا ودروس الصمود والنصر
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
بسمِ الله، والحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله ومَن والاه، وبعد..
فسوف تظلُّ صرخاتُ الأطفالِ الصَّرعى في مجزرةِ قانا، تلك الصرخاتُ المكتومةُ التي لم تصلْ إلى مسامعِ أحدٍ، وأجسادُهُم الغضَّةُ التي مزَّقَتْهَا صواريخُ العصاباتِ الصهيونية فتسربلتْ بالدم، وقسماتُ البراءةِ التي اغتالتْهَا يدُ الغدرِ على وجوهِهم الشاحبةِ التي أضناها الحصارُ والجوعُ والخوفُ، وأشلاؤُهم التي عانَى رجالُ الإنقاذِ في لملمةِ بقاياها، فأفلَحُوا حينًا، وأَخفقُوا آخر، وبقاياهم التي طَمَرَتْهَا أنقاضُ المبنَى المتهدِّم في ظلمةِ ليلٍ عربيٍّ حالكٍ.. ستظل صرخاتُهم وأنَّاتُهم وأشباحُهم وأشلاؤُهم تُطاردُ كلَّ ضميرٍ إنسانيٍّ حُرٍّ، وتُنغصُ هنيءَ عيشِهِ في نومِهِ وصَحوِهِ، لتُضافَ إلى السجلِّ الأسودِ للعدوِّ الصهيونيِّ الأمريكيِّ تجاهَ أُمتِنا في ديرِ ياسين وكفرِ قاسم، وقبية وبحرِ البقرِ وصابرا وشاتيلا وقانا 1996م وجنين، وغزة، وأسرانا الذين دُفنوا أحياءً في سيناءَ، وغيرُها كثيرٌ.
لم تكُنْ مذبحةُ قانا 2006م عملاً استثنائيًّا في تاريخِ الصراعِ الصهيوني المدعومِ أمريكيًّا ضدَّ أُمتِنَا، كل ما هنالك أنَّ قرابةَ ستين شهيدًا- معظمُهُم من الأطفالِ والنساءِ- سوف يُضافون إلى أكثرَ من ثمانمائةِ شهيدٍ وثلاثةِ آلافِ جريحٍ في العدوانِ الأخيرِ على لبنان، وإلى ضحايا فلسطينَ منذُ بدايةِ الانتفاضةِ المباركةِ هناك سنة 2000م فقط وهم قرابة 4500 شهيدٍ، خُمسُهُم من الأطفالِ والصبيةِ دونَ الثامنة عشرة، وأكثرُ من 4700 جريحٍ يتزايدون كلَّ يومٍ، فضلاً عن عشراتِ الألوف من المهجَّرين، إضافةً إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين بلغ عددُهُم خمسةَ ملايين موزَّعين على بلادِ العالم، وسوف تُضافُ منازلُ أهلِنا التي دمَّرَها الغزاةُ في قانا وبنت جبيل ومارون الرأس وعيتا الشعب وسهل البقاع وضاحية بيروت الجنوبية إلى ما يزيد عن 71.000 منزل في فلسطينَ دمَّرَها تدميرًا كليًّا أو جزئيًّا منذُ عام 2000م!!
وكُلُّ هذه الدماءِ والآلامِ لم تَرْوِ بني صهيون وحلفاءَهم في أمريكا، وما زالوا يتحرَّقون شوقًا إلى مزيدٍ من الدمِ العربيِّ والإسلاميِّ لعله يُطفئ في دواخِلِهم أحقادَ سنينَ وقُرونٍ.
ولم يغضبْ حاكمٌ!!
والمؤلم حقًّا في تلك الملحمةِ الدائرةِ على قدمٍ وساقٍ في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها أنها لم تُؤرِّقْ ضميرَ حاكمٍ عربيٍّ، ولم ينتفضْ غضبًا لها مسئولٌ مسلمٌ، إلا مَن رَحِمَ ربِّي، بعد أن ودَّعت شرايينُهم- منذُ أمدٍ بعيدٍ- سخونةَ الدمِ وفورةَ الغضبِ وثورةَ الرجولةِ، وباتُوا لا همَّ لهم إلا حفظُ كراسيهم، ونهبُ ثرواتِ شعوبِهم، وزيادةُ أرصدةِ بنوكهم؛ ليهنأَ بها مَن بعدَهم.. أبناؤهم ثم أحفادُهُم.
إنها الشهادة
وعزاؤنا نحنُ أن تلكَ التضحياتِ لم تذهب هَدَرًا، وأنها تركتْ في عدوِّهم جُرْحًا داميًا، وألمًا ماضيًا ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ (النساء: من الآية 104)، وأنها أذلَّتْ كبرياءَهُ، ومرَّغَتْ في الوحلِ غطرسَتَهُ وادِّعاءَه، وأعادتْ لأمتِنا شيئًا من عزَّتِهَا المفقودةِ وكرامتِها المنشودة، وأنها- قبل ذلك وبعده- لم تكُنْ نتاجَ نخوةٍ كاذبةٍ، أو عصبيةٍ زائفةٍ، بل ذهبتْ علاماتٍ في طريقِ الشهادةِ المخضَّبِ بالدمِ ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم