التاريخ : الخميس 21 سبتمبر 2006 . القسم : رسالة الأسبوع
من الألم.. إلى العمل
رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين، سيدِنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، وبعدُ!!
فمَا أكثرَ الجِراحَ المؤلمةَ التي تُصيبُ أمةَ الإسلامِ في أعزِّ ما تعتزُّ به، وهو دينُها وعقيدتُها ومقدساتُها، فبالأمسِ القريبِ تجرَّأت تلك الصحيفة الدانمركية على صاحبِ الشرفِ السامِي والمقامِ العالِي خِيرةِ خلقِ اللهِ سيدِنا محمدٍ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- برسومِ الجهلِ الشنيعِ والحقدِ المَقيتِ، وما كادَ هذا الجُرحُ تَخِفُّ آلامُهُ وتذهبُ آثارُهُ حتى جاءَ جُرْحٌ آخرُ، أعمقُ غَورًا، وأشدُّ ألمًا، بهذا القولِ الشائنِ من بابا روما "بنديكت السادس عشر"، عنِ اللهِ تعالَى، وعن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
ولم تكن هذه الأقوال غريبة على مَن يعرفُ ماضي البابا وحاضرَه، فهو ينتمي إلى اليمينِ المحافظِ، ومِن ثمَّ فهَوَاه مع المحافِظِين الجدُدِ في الولاياتِ المتحدةِ، الذينَ خطَفُوها والذين يعادون الأمة العربية والإسلامية، فهو يقدِّمُ لهم- بمثلِ هذه الافتراءاتِ- دعمًا سياسيًّا من جهةٍ، وقربانًا روحيًّا من جهةٍ أخرى وجميلاً، يعرفونَه له ويردونه بمزيدٍ من الرعايةِ للكنيسةِ الكاثوليكيةِ الأقلِّ عددًا والأضعفِ أثرًا هناك، وهو- أيضًا- يسعَى للتقرُّبِ إلى اليهودِ؛ استمرارًا لجهودٍ سابقةٍ بذلَها إبَّانَ سلَفِهِ الراحلِ، وكأنَّه يعتذرُ ضمنيًّا عن جرائمِ النازِيِّ.
ولا شكَّ أن ما صدَرَ عن البابا لا يستحقُّ ردًّا- أصلاً- لِفَجاجتِهِ وتَهَافُتِهِ، ومعَ ذلكَ فقدْ أشعلَ نارَ الفتنةِ، وفجَّرَ بركانَ الغضبِ في أمةِ الإسلامِ الحيِّةِ الغيورةِ، ونَسَفَ مساعيَ الحوارِ بينَ الثقافاتِ والدياناتِ، وأكدَ مقولةَ "صراعِ الحضاراتِ"؛ مما يُنذِرُ بتداعياتٍ خطيرةٍ وعواقبَ وخيمةٍ على السلم العالمي والتعايش بين الشعوب.
أما أنتِ يا أمةَ الإسلامِ.. فماذا أغرَى بكِ الجُهَّال والحاقدين وجرَّأهم على مقدساتِكِ؟!
إنَّهُ هذا الواقعُ المريرُ من الضعفِ والتخلُّفِ والتمزُّقِ، فوجَبَ إذًا على كلِّ ذي قلبٍ مكلومٍ وغيظٍ مكتومٍ أن يهُبَّ معبِّرًا عن غضبتِهِ في طريقِ البناءِ الصحيحِ والإصلاحِ الجادِّ والعملِ المنتجِ الحكيمِ، بعيدًا عنِ الفَوراتِ اللحظيةِ والتصرفاتِ العشوائيةِ.
هذا ما ندعُو إليه أمةَ الإسلامِ عمومًا والشبابَ منها خصوصًا؛ لأنَّ الشبابَ- كما قالَ الإمامُ البنَّا (رحمَهُ اللهُ)- "قديمًا وحديثًا في كلِّ أمةٍ عمادُ نهضتِها، وفي كلِّ نهضةٍ سرُّ قوتِها، وفي كلِّ فكرةٍ حامِلُ رايتِها"؛ وذلك لما يتمتَّع به الشبابُ من قلبٍ زكيٍّ، وفؤادٍ نقيٍّ، وشعورٍ قويٍّ، وعزمٍ فتيٍّ.
فحاوِلوا يا شبابُ أن ترتَقوا بحالِكم وترتفعوا بمستواكم؛ لترتفعَ بكُم أمتُكُم، وتستعيدَ عافيتَها وعزَّتَها وكرامتَها ومهابَتَها ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: من الآية 8)، ولن تتحقَّقَ لكم هذه الرفعةُ يا شبابُ إلا بما أرشدَكُم إليهِ ربُّكم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: من الآية 11)، فعليكم بهاتَين الوسيلتَين "العلمِ والإيمانِ".
أما وسيلةُ العلمِ.. فقد واتَتْكم فرصتُها ببدءِ العامِ الدراسيِّ الجديدِ، وأنتم تعرفون مكانةَ العلمِ في دينِنا، ويكفي أن نتذكَّرَ أنَّ الكلماتِ الأولى من الوحيِ الخاتمِ الخالدِ ذكَرت أهمَّ وسيلتَين للتعلم "القراءة والكتابة" وذلك في قولِه تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ (العلق: 1-4) وجاء هذا الشرطُ للتعلُّم ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ليكون هذا العلمُ موجَّهًا إلى ما فيهِ خيرُ البشريةِ وصلاحُها ونهضتُها وسلامُها،