التاريخ : الخميس 02 نوفمبر 2006 . القسم : رسالة الأسبوع
وقفة متأنية مع الأمة بعد وداع رمضان
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد!!
فقد عاشت الأمةُ الإسلاميةُ في رحاب رمضان أيامًا طيبةً عظيمةً، وأحسًّ المسلمون بالحرية، بطاعتهم لله عز وجل، وذاقوا طعمَ الإيمانِ، وحلاوةَ الطاعةِ، وصفُّوا أقدامَهم في بيوتِ الله، يقومون الليلَ، ويصومون النهارَ، فارتقَوا فوق الدنيا التي أذلَّت الناس، لقد ارتفعوا عن الدنيا؛ استجابةً لأمرِ الله عزَّ وجلَّ، وأصبحوا لا تأسِرُهم لقمةُ العيشِ، التي أذلَّت الأمةَ وضيَّعتها، والاستعمارُ دائمًا يدخلُ على الأمم من هذا الباب، ويستذلُّها بهذا الأسلوب.
إن المؤمن الصائم القائم العابد، الصابر المحتسب، الذي يحرص على التزكية والتطهير لنفسه ولحياته.. هو الذي يهزمُ أعداءَ الله وينتصرُ عليهم؛ ولذلك فإننا في حاجة بعد رمضان إلى تغييرٍ حقيقيٍّ؛ حتى يغيِّرَ اللهُ ما بنا، ويتنزَّلَ علينا نصرُه وتأييدُه، وصدق الله العظيم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
إن أعداءَ اللهِ يحاصرون إخوانَنا في فلسطين، يُجِيْعُونهم ليذلُّوهم وليستسلموا لهم، ولكنْ هيهات!! فالمسلمون يستعلون بإسلامهم وصيامهم على كل هذه المضايقات مهما تنوَّعت، وإن الأمة يجب أن تستيقظ، وأن تحطِّمَ هذه الأغلالَ، كما فعل أهلُ بدر مع أعداء الإنسانية، وعلى أهلِ فلسطين أن يقتدوا بهم، فهذا هو طريق النصر على الصهاينة المعتدين.
ولكي تحقِّق الأمةُ هذه المعاني لا بد لها من الاستفادة مما مارسته في رمضان، من تلاوة القرآن، ومن العودة إلى أثر القرآن وروح القرآن.. إن الإيمان بالله هو صانعُ العجائب، ومحقِّقُ المعجزات، ألم نقرأ في القرآن قصةَ سَحَرة فرعون؟! لقد تحوَّلوا في يوم واحد- بالإيمان الذي قلَبَ الموازين- من سحَرة، كلُّ همِّهم المال، وآمالُهم معلَّقةٌ بعِزَّة فرعون.. إلى مؤمنين ثابتين على إيمانهم، وأمسَوا شهداءَ أبرارًا، وما ذاك إلا من صُنع الإيمان!!
فمن عرَف الله وسارَ في الطريق إليه فقد عرف كلَّ شيء، ومن ضلَّ الطريقَ إلى الله فقد غامَر بحياته، وخسِرَ الدنيا والآخرة.. وذلك هو الخسرانُ المبينُ.
بالإيمانِ وحده يتحوَّل الإنسانُ في المجتمع إلى عنصر رحمة، إلى عنصر سلام، إلى عنصر طمأنينة، وعلوِّ نفسٍ، وشرفِ خلقٍ، ونضارةِ سيرةٍ، والأملُ كبير في أن هذه المعاني التي اكتسبناها في رمضان لا تذبُل بعد رمضان، ويجب أن نقدِّر أن أثرَ هذه المعاني على الأمة وعلى واقعها- حين تلتزم بها- أثرٌ عظيمٌ.
إن المسلمين يَعتبرون شهرَ رمضان شهرَ الفتوحات والانتصارات على أعداءِ الله وأعداءِ الإنسانية، ولذلك فرمضان يُحيي في المسلمين فريضةَ الجهاد في سبيل الله، ويزكِّي فينا حبَّ الله وحبَّ رسوله وحبَّ الأمة المسلمة، بل حبَّ البشرية كلها، ولذلك فنحن ننظر إلى كلِّ وطنٍ مغتصَب ومغلوبٍ نظرتَنا إلى جزءٍ من كياننا، نتمنَّى أن تُتاح لنا الفرصةُ للدفاع عنه.
الاستعمار والتبشير
ولنتأمل ما يجرى في قارة أفريقيا وموقف الاستعمار الخطير، والموقف المحيِّر لحكام المسلمين.. الموقف الذي ليس له نظيرٌ في التاريخ القديم أو الحديث!!
يقول الرئيس الأمريكي بوش "لن أنسى السودان أبدًا، وإن نسيتُه فأنتم من ورائي" هذه عبارةٌ أطلقها بوش لأعضاء اليمين المحافظ بالكونجرس الأمريكي، وبحضور صديقِه المنصِّر الشهير "فرانكلين جراهام".
ماذا تحمل هذه العبارة؟! تحمل في طيَّاتها ما رُفِع في شعار المؤسسات التنصيرية منذ عِقدين من الزمان أو يزيد، من دعوة لتنصير القارة الأفريقية بكاملها.. إن هذا العمل الخبيث له محاور، من أهمها:
1- كسر الحاجز أمام المنصِّرين.
2- صنع فجوة كبيرة بين شمال القارة وجنوبها، شمال القارة ممثلاً في الكتلة العربية من مصر وحتى المغرب العربي، والحاجز الأساسي هنا هو السودان، الذي يمثل الرابط المهم بين الشمال والجنوب.
واليوم يعاني الصومال من التمزُّق والفتن والقلاقل، والكيان الصهيوني يعمل عمله الخبيث في هذا التمزيق وتلك المفاسد والفتن، وتسليط الجار على جاره، وها هي الحبشةُ تشنُّ الحربَ على الصومال.. في استهتار وفوضى.. وحكامُ المسلمين- للأسف- لا وجودَ لهم للإنقاذ، رغم أن في أيديهم الكثير لو أرادوا أن يعملوا شيئًا، فمتى يفيق الحكام والموقف في أفريقيا وفي غيرها أصبح ينذر بكارثة لا يعلم مداها إلا الله؟!
نداء!!
يقول الإمام الشهيد حسن البنا: "أيها الإخوان.. هل أنتم على استعداد أن تَتعَبوا ليستريح الناس، وأن تجوعوا ليشبع الناس، وأن تسهروا لينام الناس، وأخيرًا لتموتوا لتحيا أمتكم؟!"
هي دعوةٌ صريحةٌ وتكليفٌ واضحٌ للإخوان، أن يعملوا عملاً دائمًا نافعًا في سبيل خدمة المجتمع، وأن يكونوا الجنود المجهولين، الذين يَكثُرون عند الفزع، ويَختفون عند الطمع، يكلِّفهم الإمام الشهيد بالعمل للناس جميعًا، على اختلاف معتقداتهم وألوانهم وأوطانهم، إلى آخر لحظةٍ من لحظات العمر، وإلى آخر خطوةٍ من خطواتِ الحياة.. إنه يؤكد قيمةَ العمل والحضّ عليه، وأي عمل يقوم به المسلم لا بدَّ أن يقصد به وجهَ الله، فلا بدَّ أن نداوم على العمل في كل زمان ومكان، والعمل لا ينقطع لحظةً، فلا يأسَ مع الحياة.
إن العقيدة الحقَّة هي التي تدفع إلى العمل الصالح، ومن هنا تعمر الأرض حقًّا، وتُشيَّد الحضارات والمدنيات.. إن طاقةَ حبِّ العمل تدفعنا إلى الإنشاء والتعمير، والانسياح في الأرض، كما أن الإسلام يحذر المؤمنَ من التوقف وعدم الحركة والعطاء، فقد جاء في الأثر "من تساوَى يوماه فهو مغبون" ومن اشتاق إلى الجنة سارَعَ في الخيرات، ومن أشفَق من النار انتهى عن الشهوات، كما يحذرنا الإسلام من التراجع عن فعل الخير، ويخبرنا أن من سار على ذلك فالموت خيرٌ له.
أيها الإخوان..
أوصيكم في كل مكان أن تقولوا الحقَّ كاملاً، بصرف النظر عمن تخاطبون، وأن تأمروا بالمعروف وتنهَوا عن المنكر، وأن تُلزموا أنفسَكم بما تقولون وما تدعون إليه، وأن تصدُقوا في أداء هذه الأمانات، وأن تُخلِصوا لدعوتكم، وأن تكون دعوتُكم بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصلت: 33 -35) ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.