التاريخ : الخميس 09 نوفمبر 2006 . القسم : رسالة الأسبوع

إعداد الأمة لمواجهة الأخطار


 

رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد!!

 

ومًا بعد يوم تتصاعد التحدياتُ أمام أمتِنا، وتتزايدُ المخاطرُ من حولِها، فتخرجُ من معاناةٍ إلى معاناةٍ، ومن أزمة إلى أزمة، ومن كارثة إلى جائحة.

 

- فها هو الكيانُ الصهيونيُّ الغاصب يزداد شراسةً يومًا بعد يوم، يطبق الحصار على إخواننا في فلسطين بدعم أمريكي مباشر، يهلك الحرث والنسل، ويَعيث في الأرض الفساد، يقتل الأبناء، ويهدم البيوت والمنشآت، ويقضي على البُنَى التحتية، يُداهم ويَعتقل، يُقتِّل ويُشرِّد، وها هو يواجه النساء في "بيت حانون" ليصل بانتهاكاته إلى المنتهى.

 

- وفي العراق تزداد مخاطر الفرقة المشئومة؛ حيث جعل الاحتلالُ أهلها شِيَعًا، يستضعف طائفةً منهم، يذبِّح الأبناء والعلماء، وينهب الثروات، ويصنع طائفةً من الأتباع.. من أبناء جلدتنا.. وممن يتسمَّون بأسمائنا.. ويتكلمون بألسنتنا.. ولكنهم بطانةُ سوءٍ لأعدائنا!! يُفرِّقون الجموع، ويقذفون ببلدهم إلى هاوية المجهول!!

 

- وفي السودان تزداد المؤامراتُ التي حِيكت وما زالت تحاك لتفتيت السودان؛ بهدف فصل الجنوب الذي يشكِّل ربع مساحة السودان الحالية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ويعقبه غرب السودان (دارفور) من خلال التدخل الدولي الذي تتصاعد نبرة الحديث عنه، وربما يتبعه شرق السودان الذي بدأ التحضير له.

 

- وفي أفغانستان تحاول الولاياتُ المتحدة توطيدَ أركانها فيها؛ للهيمنة على هذه المنطقة اقتصاديًّا وسياسيًّا، والتواجد على حدود إيران، وتقليص الوجود الصيني والروسي في المنطقة، وإيجاد موطئ قدم لها في نفط بحر قزوين وآسيا الوسطى؛ بهدف تأمين مصالحها الاقتصادية لصالح شركات البترول الأمريكية.

 

أما على المستوى الداخلي فترزح معظمُ شعوبِنا العربيةِ والإسلاميةِ تحت وطأة الديكتاتوريات، التي وجدت لها ظهيرًا ودعمًا من أعدائنا، الذين يسعَون إلى إفقار الأمة وتجهيلها وإضعافها.. سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وعلميًّا وتقنيًّا.

 

لقد التقت إرداةُ أولئك الحكام في عالمنا العربي والإسلامي للبقاءِ فوق الكراسي طويلاً، والركونِ إلى المُتَعِ والشهواتِ كثيرًا، ونهبِ خيرات الشعوب وثرواتها.. مع إرادةِ القُوى الاستعمارية الغربية- وفي مقدمتها الولاياتُ المتحدة الأمريكية- السيطرةَ على أمتنا، ونهْبَ ثرواتها، وإضعافَ شوكتها؛ لنجد أنفسَنا أمام حِلف جديد، التقَت مصالحُه وتوحَّدت أهدافُه.

 

* لقد أفرز هذا التحالف بين الديكتاتورية المحلية والطغيان الخارجي أمةً متخلِّفةً على المستوى العلمي، لا تملك مقدَّراتها، تتسوَّل طعامَها وكساءَها، وتعيش عالةً على منجزات غيرها، فتتسع الهُوَّة الرقمية والعلمية بيننا وبين غيرِنا من الأمم، فها هو نصيبُ المواطنِ العربيِّ من البحث العلمي لا يتخطَّى ثلاثة دولارات، وبالمقابل يقفز معدل الإنفاق على البحث العلمي للفرد في الدول الغربية إلى 409 دولارات في بلد مثل ألمانيا، و601 دولار في اليابان، و681 دولارًا للمواطن الأمريكي.

 

* لقد أفرز هذ التحالف مزيدًا من المعتقلات والسجون التي يُزَجُّ فيها بالأحرار وأصحاب المبادئ والأخلاق الكريمة، في مواجهة ديكتاتورياتٍ تخلَّت عن كل قيمةٍ وخُلُقٍ، بل وتخلَّت عن حيائها.

 

* لقد أفرز هذا التحالف مزيدًا من الحرب ضد ثوابت الإسلام وقِيَمِه، حتى ظهر في بلداننا العربية مَن يُحارب الحجابَ بقوة السلطة، ويَحظُر الدعوةَ إلى الله تعالى بقوة القانون، ويَخنُق الأنفاسَ بقوة السلطان، ويَكبِت الحريات بقوة البلطجة.

 

* لقد أفرز هذ التحالف تغييبًا لتاريخ أمتنا، وتذويبًا للانتماء في نفوس الشباب، وأفقدهم هويتَهم وارتباطَهم بدينهم وأمتهم وأوطانهم.

 

* لقد أفرز هذا التحالفُ جيلاً من الشباب يفقِدُ الثقةَ في الحاضرِ، وينظرُ إلى المستقبل بمزيدٍ من الخوف والترقُّب والريبة.

 

في مواجهة التحديات

هذه التحديات التي تطالعنا صباحَ مساءَ، والتي تهدِّد وجودَنا كشعوبٍ، وتهدِّد بقاءَنا كأمة، وتهدِّد عقيدتَنا وشريعتَنا.. تحتاج من الأمةِ أن تتضافَرَ جهودُها، وأن تتعاظَمَ تضحياتُها، وأن تتواصَلَ جهودُها في سبيل مواجهة هذه المخاطر.

 

إننا بحاجةٍ إلى تراصِّ الصفوفِ وتوحُّد المخلصين من أبناء الأمة لمواجهة الطغيان الخارجي والديكتاتوريات المحلية وفضِّ هذا الحلف، الذي أذلَّ شعوبَنا، وأضعَفَ أمتَنا، وخذَلَ أوطانَنا.
إن طبيعة ديننا تَؤزُّنا أزًّا، وتدفعنا دفعًا إلى إعلاء الهمة، وتصليب العزم، واستعادة الثقة، ووجوب التحرك لإنقاذ أمتنا، ومواجهة التحديات والمخاطر، دون يأسٍ أو خوفٍ ودون تردُّدٍ في حمل الأمانة، فشرعُنا ودينُنا حرَّم علينا اليأسَ والقنوطَ، ونهانا عن التخاذلِ والفرارِ من التبعات والمهامِّ الثقيلةِ، فالله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139)، ويقول سبحانه: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ (يوسف: من الآية 110).

 

نعم.. إننا بشَرٌ، نَحزن لما يحدث لأمتنا، ونأسَى لما يصيبُ إخوانَنا، ولكنَّ هذا الحزنَ وذلك الأسَى لا سبيلَ له إلا أن يدفعَنا إلى دائرة الركون إلى جنبِ الله، والثقةِ في نصره، والتوكلِ عليه، والعملِ الجادِّ المتواصلِ لإنقاذِ السفينةِ ومواجهةِ الصعابِ، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: 78)، ويقول تعالى: ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ (الحجر: من الآية 56)، ويقول سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214).

 

ومعطيات الواقع أيضًا

وإذا كانت طبيعةُ ديننا تحضُّنا على العمل الدائب والسعيِ المستمرِّ لمواجهة الأخطار والتصدي لها، وإذا كانت البشاراتُ تأتينا من السماء بعاقبةِ البذل والعطاء والتصدي لهذه المخاطر.. فإن الواقع أيضًا يحمل البشارات، ويقدِّم الحافز للشعوب؛ لتهمَّ بأداء الواجب، وتحمُّل المسئوليات دون تردُّد أو تخاذل.

 

* ها هي حرب لبنان أثبتَت للجميع أن للشعوب إراداتٍ استطاعت أن تصمد في الميدان، وأن توجِّهَ ضرباتٍ موجِعةً إلى العدوِّ الذي زعم أنه لا يُقهر، وأن تعمل على إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد.

 

* وها هي دولةٌ مثل إيران استطاعت أن تكسرَ الحصارَ وتواجِهَ التحديات، وتخرج عن المسارِ الموهوم الذي رسمته الولاياتُ المتحدة لدول المنطقة.

 

* بل ها هي كوريا الشمالية تخرج عن المسارِ نفسه، الذي تحاول الولاياتُ المتحدة إيهامَ العالم أنها ترسمه ولا ينبغي لأحد أن يتجاوزَه.

 

* ها هم إخونُنا في حماس يصمدون أمام التحديات التي تحيطهم من كل جانب وتطوقهم من كل اتجاه، ها هم يحملون السلاحَ في وجْهِ عدوِّهم، ويخرجون في سبيل الدفاع عن أوطانهم، رجالاً ونساءً وأطفالاً، يقدِّمون التضحيات ولا يبالون بالموت.

 

* ها هو الوعي يزدادُ يومًا بعد يومٍ بهذا الواقع بين أبناء الأمة، بل بين أجيال الشباب التي نالت من الجهود ما نالت؛ تجهيلاً بدينها وتاريخها وهويتها وانتمائها، إلا أن الواقع يشهد مزيدًا من الوعي بين الشباب، بقيمهم ودينهم وانتمائهم لأمتهم.

 

منطلقات عملية

إننا إزاءَ هذه البشارات الإلهية والواقعية ليس أمامنا سوى العملِ الجادِّ والمتواصلِ، فالوقت ليس في مصلحةِ شعوبِنا ولا في مصلحةِ أمتنا:

 

- إننا بحاجة إلى إعداد جيل من الشباب، يعرفون ربَّهم، ويُدركون حجمَ التحديات، ويفهمون رسالتهم، ويتلمَّسون طريقَهم، ويضطلعون بمهامِّهم، يُحسنون عَرض دينهم ودعوتهم، ويُحسنون العمل من أجل أمتهم؛ دعوةً وفهمًا، سعيًا وبناءً، تفوُّقًا وتميزًا، إخلاصًا وكياسةً، طُهرًا وقدوةً.

 

- إننا بحاجة إلى إيقاظ أمتنا وشعوبنا من غفوتها، وتذكيرها بخطورة ما يحدث في محيطها ومن حولها وما يُحاك لها، دون ادِّخارٍ لجهدٍ ودون تباطؤ في سعي.

 

- إننا بحاجة إلى التعاون مع جميع المخلصين لسدِّ الهوَّةِ العلمية والتقنية بيننا وبين سائر الأمم، من خلال مساعٍ أهليةٍ، ومن خلالِ ممارسةِ الضغوط على الحكومات لرفع المخصصات المالية للأبحاث العلمية والتقنية التي تصبُّ في صالح الأمة.

 

إننا بحاجة إلى الوقوف صفًّا واحدًا ضد الممارسات القمعية والديكتاتورية للحكومات في بلداننا، وحضِّ هذه الحكومات على الاحتكام إلى شعوبها، والانحياز إلى أمتها، بدلاً من الانحياز إلى المتربصين بنا الدوائرَ من أعدائنا، ولْتدركْ الحكوماتُ أن السنَدَ الحقيقيَّ لن يكون إلا من خلال الاستمساك بثوابتنا وعقيدتنا وشريعتنا، ومن خلال الانحياز إلى الشعوب.
هذا هو الطريق الذي لا بديلَ عنه، فإما أن نتحرَّك لنُصرة أمتنا ومواجهةِ الأخطارِ التي تحيطُ بنا، وإما أن تكون الدائرة علينا شعبًا بعد شعب ووطنًا بعد وطن.

 

وصلَّى اللهُ على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلَّم.. والحمد لله رب العالمين.