التاريخ : الخميس 05 ابريل 2007 . القسم : رسالة الأسبوع
مؤتمر القمة العربية.. هل من جديد؟
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.. وبعد:
فلقد انعقدَ مؤتمرُ القمةِ العربيةِ التاسع عشر منذ أيام قلائل، وقد صاحب الإعلان عن انعقاده الحديث عن آمال وطموحات حول إيجاد حل ومخرج لبعض القضايا الهامة والمشكلات التي تعاني منها وتعيشها شعوب المنطقة؛ حيث قضية فلسطين والصراع العربي الإسلامي الصهيوني وقضية العراق والاحتلال الأمريكي لأرضه وشعبه، ولبنان والاضطرابات التي يعاني منها، وما يقع أيضًا من احتكاكات بين أمريكا وحلفائها وبين إيران، وقد تزامن مع ذلك الإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وتناقل المسئولون في الدول العربية قبل انعقاد القمة أيضًا العديد من التصريحات والتحليلات للمبادرة العربية التي وافق عليها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002م لحل الأزمة الفلسطينية والتي رفضتها الدولة الصهيونية في وقتها وما زالت ترفضها حتى الآن وبعد انعقاد القمة العربية في الرياض، وقد سبق القمة بأيام قلائل- وفي توقيت لا يخفى على أحد معناه ودلالته- زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للعديد من دول المنطقة واجتماعاتها مع وزراء خارجية هذه الدول، ومع بعض رؤسائها، وكذلك مسئولي الأجهزة الأمنية فيها.
وجرى كل ذلك في الوقت الذي تعاني شعوب المنطقة في العديد من دولها من ظلم وضغط واضطراب بسبب سوء الأحوال فيها (سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا)، والتي نتجت عن سوء الإدارة واستبداد الحكام وغياب الحريات وضياع حقوق الإنسان وتفشي الجهل والفقر والمرض؛ الأمر الذي أدَّى إلى حالةٍ من الضعف والعجز والتخلف والتردي أغرت الأعداء بهذه الأمة، وكادت أن تمكَّن لهم من إحكام قبضتهم على دول المنطقة، ولا شك أن هذا كله يضاعف المسئولية على عاتق الشعوب ويثقل كاهل أصحاب الرأي والمصلحين، ويؤكد على دورهم في مقاومة كل أنواع العدوان والسيطرة والهيمنة إلى أن تنال الشعوب حقوقها وتسترد حريتها وتشارك بقوة في صنع الحياة وتقرير المصير.
ولقد تنادي الملوك والرؤساء العرب واجتمعوا في قمة الرياض وصدرت عن المؤتمر قرارات وتوصيات، وبدا المشهد كعادته منذ أكثر من خمسين عامًا بمقابلات حارة ثم اجتماعات ومناقشات وإعلان لتلك القرارات والتوصيات، وبدون تحديد كيفية وآليات للتطبيق وإعمال لما تمَّ التوافق أو الاتفاق عليه وودع الكل بعضه بعضًا، ورفضت الدولة الصهيونية كل ما صدر عن القمة، وأعلنت الدول الكبرى مواقفها من نتائج القمة وتحفَّظت الإدارة الأمريكية على بعض الكلمات والمداخلات أثناء انعقاد القمة، ورغم كل هذا الكم من الكلام والجدل والاتفاق والاختلاف والتصريح والتلميح، فإننا يمكن أن نلخص القمة ونتائجها فيما يلي:
أولاً: أعلنت القمة عن استمرار تمسكها بالمبادرة العربية التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002م والتي كان أهم ما فيها المطالبة بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والانسحاب إلى حدود عام 1967م، والتوصل إلى حلٍّ عادلٍ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين (وليس حق العودة) مقابل الاعتراف بالدولة الصهيونية (والقدس الغربية عاصمة لها بالطبع)، ولكن الدولة الصهيونية أعلنت فورًا وبدون تردد رفضها لذلك بكل قوة وكررت ما سبق أن أعلنه الصهاينة، وما عُرف باسم اللاءات الثلاثة: لا للانسحاب إلى حدود 1967م، لا لتقسيم القدس، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم الأصلية فلسطين.. فماذا بقى إذا لهذه المبادرة خاصةً إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الكيان الصهيوني في موقفها بالكامل ودون تحفظ؟ وبناء على ذلك، فالخلاصة أنَّ الحالَ كما هو منذ البداية، خاصةً منذ قمة بيروت لم يتغير، بل إنه حدث بعدها اجتياح مقر السلطة الفلسطينية وانتهى الأمر بقتل ياسر عرفات؟
ثانيًا: بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية فإن القمة قد أعلنت مباركتها لهذه الحكومة وتمنت لها التوفيق!! ولكن لم تتخذ القمة أي قرار ولا توصية بشأن مساندة الفلسطينيين اقتصاديًّا على الأقل بفرض حصص محددة من الأموال لكسر الحصار الذي ضرب على الشعب الفلسطيني من قِبل الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية والاتحاد الأوربي ولم تستطع الرباعية الدولية أن تفعل شيئًا في ذلك، ولم تفكر الرباعية العربية في أن تفعل شيئًا؟ إذا فالفلسطينيون ما زالوا محاصرين اقتصاديًّا عقابًّا لهم على ممارستهم الديمقراطية التي يروج الغرب بأنه راعيها والمبشر بها!! فأين بترول العرب وأين أموال العرب، خاصةً الفلسطينيين (2 مليار دولار في العام) وهي أقل بكثير من أرصدة الآلاف من العرب في بنوك أمريكا وغرب أوروبا.. وماذا تفعل 56 مليونًا من الدولارات لأزمات الشعب الفلسطيني؟!!
ثالثًا: بالنسبة للعراق فإنَّ موقف القمة من الاحتلال الأمريكي كان متباينًا بين الملوك والرؤساء، ففي الوقت الذي رأى فيه بعضهم ضرورة استمرار التواجد الأمريكي العسكري على أرض العراق بدعوى حفظ الأمن الذي ينهار يومًا بعد يوم، ويزداد عدد القتلي من العراقيين، فإنَّ البعضَ الآخر رأي أن قوات الاحتلال يجب أن تنسحب من العراق.. وعلى إثر وصف القوات الأمريكية بالمحتلة تحركت الإدارة الأمريكية لتعلن غضبها وعدم رضاها عن هذا الوصف، وعمَّن وصفها بذلك وما زالت التساؤلات والاستجوابات قائمةً حتى الآن من قبل أمريكا إذًا فالقمة لم تُقدِّم شيئًا للعراق ولا للعراقيين!!
رابعًا: بالنسبة لقضية دارفور والسودان: تناولت القمة الموضوع بحرص شديد، وأعلنت القمة حق السودان في الحفاظ على أمنه وضرورة أن تبقى قوات حفظ الأمن أفريقية، ولكن لم يتناول المؤتمر عمليات التعدي والتدخل الأمريكي في شئون السودان الداخلية، وكذلك لم يقرر توفير بعض الدعم المادي الضروري لتنمية السودان؟ ولم يحدد المؤتمر آليات أو وسائل للوقوف مع السودان والسودانيين!! وكذلك الحال بالنسبة للصومال في تأييد المؤتمر للحكومة الحالية التي تساندها إثيوبيا وأمريكا، ودون تبني حقيقي للمشكلة المتفاقمة، والتي توشك الحرب الداخلية والعدوان الإثيوبي أن يقضي على كل أملٍ في استقرار الصومال وشعبه، فالمسألة إذا لم تتجاوز حيز الكلام والقفز على الواقع وتجاوز الحقيقة!!
خامسًا: بالنسبة للمشكلة اللبنانية: فلم يقدم المؤتمر جديدًا حول الموقف الداخلي والخارجي اللبناني؛ حيث ما زالت قضية الحريري تتداول دون وضوح أو جدوى من تأخير التحقيقات فيها، وما زال الجنوب اللبناني بمشكلاته وما يقع عليه من تهديدات وما يوجد فيه من قوات دولية لا تستطيع أن تمنع الصهاينة من العدوان عليه دون رادعٍ عربي مُوحَّد وواضح في هذا الصدد.
سادسًا: على المستوى الداخلي فإنَّ ما أصاب الناس بالدهشة والاستغراب وطرح موضوع مناهج التعليم وتغييرها بزعم محاربة الإرهاب؟!! كما لم يتناول المؤتمر الشئون الداخلية بأي شكلٍ ولم يتم طرح أي قضية من قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها البعض، ويعلن بعض قادة الدول الأجنبية تبنيها، وظهر أن كل ذلك إنما هو وهم وسراب وذر للرماد في العيون لتفويت الفرص على الشعوب وضمان استمرار الفجوة الهائلة بينها وبين شعوب الغرب والشرق، وقد حاولت وزيرة الخارجية الأمريكية أن تُبدي عدم رضاها عمَّا يجري من عمليات إصلاح وتغيير في بعض دول المنطقة، ولكن هذا كان واضحًا أنه موقف غير جاد من الإدارة الأمريكية ودبلوماسية ومناورة مزيفة لاسترضاء الشعوب، ولكن هيهات أن ينطلي هذا الزور والبهتان على الشعوب وعلى حركات الإصلاح فيها.
سابعًا: هكذا ومن كل ما تقدم نرى أن المؤتمر بالرغم من قلة الخلافات الفردية التي اعتدنا عليها بين الحضور- مضى كسابقه من المؤتمرات.. توصيات أو قرارات.. ولا أثر ولا آلية ولا جدول زمني للتنفيذ ولا متابعة.. ومن ثَمَّ لا تغيير في أي شيء، وكما هو الحال- عادة- فإن الإدارة الأمريكية لم تكن بعيدة عن التخطيط والضغط والتعويق لكل عمل عربي وإسلامي يهدف إلى تحقيق أي إنجازات لدول المنطقة، ومن ناحيةٍ ثانية- وكما العادة أيضًا- يعمد الصهاينة إلى استهلاك الوقت لصالحهم والمناورة على حساب شعوب العالم العربي والإسلامي ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ (التوبة:10) ﴿لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (التوبة: من الآية 8).
ويبقى الحال كما كان بل أسوأ بسبب ضياع الوقت وإهدار الموارد وتضييق مجالات التنمية وإضاعة الفرص.. فإلى متى يستمر هذا الحال؟
إن الأمل ينعقد بعد الله على الشعوب وعلى قواها الحية فقط، فيا شعوب الأمة الجريحة المبتلاة في نظمها وحكامها هذه مسئوليتكم، وهذه حقيقة الأمر في بلادكم وفي العالم.. فلا تهنوا ولا تضعفوا وكونوا على قلبِ رجلٍ واحد ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92) نجاهد أعداء الأمة الصهاينة والمحتلين في فلسطين والعراق، ونمضي بنضالنا الدستوري السلمي ضد الظلم والاستبداد أينما وُجد وفي أي مكانٍ في بلادنا، وكونوا أصحاب أمل في الله وفيما عنده؛ حيث إنَّ دوامَ الحال من المحال، وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج بعد الكرب، وإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا.
وثقوا أن الله مع الحق وأهله، فكونوا أنصارًا للحق حتى يكون الله معكم، وأعلنوا للدنيا أننا جميعًا سنمضي في شوطنا إلى منتهاه نرفع كتاب الله في يد واليد الأخرى تبني وتعمر وتعمل وتجد وتنتج لنكون بحق دعاةً وأنصارًا لإسلامنا وليكون بحق وجد "الإسلام هو الحل"، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، واعلموا أن النصر مع الصبر..﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: من الآية 214)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.
القاهرة في: 17 من ربيع الأول 1428هـ الموافق 5 من أبريل 2007م.