التاريخ : الخميس 24 مايو 2007 . القسم : رسالة الأسبوع
التآمر على الأمة (مظاهره.. ومواجهته)
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فتتسم النظرة إلى المؤامرة على الأمة بالإفراط تارةً وبالتفريط أخرى.. إفراطًا يحمل على شمِّ رائحة التآمر في كل شيء حتى في المواقف البريئة أو التي ربما تكون في صالحنا، وتفريط يعيش أصحابه في ذهول وغفلة عما يحاك ضدَّنا ويدبَّر لنا، ولا يعنيه الأمر في قليل ولا كثير.
ومن ثمَّ فينبغي أن يُنظَر للأمور على حقيقتها، وأن توضع في نصابها، ورغم محاولة تبنِّي موقف الاعتدال هذا فإننا يهولنا ما يمكن رصده من مظاهرات التآمر الخبيث والكيد الخسيس للأمة في شتى المجالات:
- المجال العسكري: نرصد مظاهر التآمر في عدة بقاع من أمتنا العربية والإسلامية ومنها:
* فلسطين: وقصة التآمر عليها قديمة ومريرة ومعروفة للقاصي والداني؛ حيث سعت القوى الاستعمارية إلى جعلها نقطةَ ارتكاز للمشروع الصهيوني الغربي ليشقّ الكيان العربي فلا يلتئم له شملٌ ولا تقوم له قائمةٌ.
* العراق: الذي وقع فريسةً لقوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا وتابعتها بريطانيا، بمبررات باطلة ودعاوى كاذبة، وها هو الآن يبادُ أبناؤه وتدمَّر مقوماتُه وتُنهَب خيراتُه ويمزَّق كيانُه وتعمُّ الفوضى أرجاءه.
* أفغانستان: الذي يُصَبُّ فوق رأسه الحميم، ويعاني ويلات الجحيم من قوى شيطانية، لا ترحم طفلاً، ولا امرأةً ولا شيخًا ولا مريضًا.
* الصومال: الذي اجتاحته القوات الإثيوبية بتعاون أثيم من الحكومة المؤقتة التابعة، وبدعمٍ من آلة البطش الأمريكية.
* لبنان: حيث تجري محاولات انتزاعه من هويته العربية، وتخضيد شوكة المقاومة لديه في مواجهة الكيان الصهيوني، خاصةً بعد أن مُنِي بالفشل الذريع والهزيمة المريرة من المقاومة الباسلة لحزب الله.
* السودان (دارفور): حيث تحاول القوى الانتهازية الخارجية استغلال النزاع المحلي فيه لاستجلاب القوات الدولية لتمزيقه، ونهب ثرواته، وتهديد العمق الإستراتيجي للأمن القومي المصري.
- المجال السياسي: ويجري التآمر فيه:
* تارةً بالتدخل السافر المباشر من قِبَل القوى الخارجية الاستعمارية لتنصيب أنظمة تابعة لسياستها وخاضعة لإدارتها، ومنفّذة لأوامرها، وخادمة لمصالحها، ومحقِّقة لأهدافها، أو لدعم أنظمة أخرى فاسدة مستبدّة، وإطلاق يدها لمواجهة القوى الوطنية الشريفة بكل إجراءات القمع والبطش، من ملاحقة وتضييق، وتشويه وتلفيق، وسجن واعتقال، وترويع وتعذيب، وتكميم للأفواه، ومصادرة للأموال.
* وتارةً بإلقاء بذور الفرقة وإشعال نار الفتنة بين فصائل المجتمع الواحد ومكوناته؛ استغلالاً للخلافات الطائفية أو المذهبية أو العرقية، واتباعًا لسياسة (فرق تسد) التي بها يسيطرون على ضحاياهم، ويصلون إلى مآربهم.
* وتارةً بتسخير المؤسسات الدولية لخدمة مشروعاتهم ومؤامراتهم، وذلك باستصدار القرارات منها، وفق أهوائهم (مرةً لإدانة خصومهم، وثانيةً لفتح الأبواب أمام قواتهم، وثالثةً لدعم حلفائهم)، أو باستخدام حق النقض (الفيتو)؛ للحيلولة دون مجرد الإدانة للكيان الصهيوني الغاصب مهما بلغ إجرامه وعربدته.
- المجال الثقافي: والتآمر هنا يهدف إلى طمس هوية الأمة، ومسْخ شخصيتها، وتشويه حضارتها، وتعطيل رسالتها، والقضاء على مقوِّماتها؛ حتى تصبح كياناً مهلهلاً، وكمًّا مهملاً، وهم يسعَون سعيًا حثيثًا محمومًا لتحقيق هدفهم بشتى الحيل والوسائل، ومنها:
* العبث في مناهج التربية والتعليم بقصد إعادة تشكيل عقول أبناء الأمة، وصياغة نفوسها، وتوجيه سلوكها، بما يتماشى مع تصورات أعدائنا وأفكارهم، ويمتدُّ هذا العبث إلى أخصِّ خصوصياتنا، إلى ديننا وعقيدتنا وشريعتنا..
* إطلاق الآلة الإعلامية الجبَّارة، في صورها المختلفة، وقوالبها المتنوعة، من فضائيات.. وشبكة معلومات.. وصحف ومجلات؛ حيث يختلط فيها الحابل بالنابل والسم بالعسل.
* الغواية بالفن المبتذَل الرخيص، الذي يشجِّع على الإباحية، والانسلاخ من صبغتنا الروحية، والتحلُّل من قيمنا الخلقية.
- المجال الاقتصادي: وتتنوع أساليب التآمر فيه كذلك:
* فمرةً بمحاولة السيطرة على منابع الثروة النفطية والمعدنية وغيرها في منطقتنا العربية والإسلامية، وذلك بالحيلة والدهاء أو بالحرب والاعتداء.
* ومرةً بدعاوى العولمة الاقتصادية؛ حيث يتم إنشاء الشركات العملاقة متعددة الجنسيات وعابرة القارات، ويفسحون المجال أمامها بالمؤتمرات والاتفاقيات (مثل الجات وغيرها)؛ حتى تتمكن من التنافس المباشر مع الكيانات الاقتصادية الهزيلة في بلادنا- للأسف- فتشلّ حركتها ثم تبتلعها.
* ومرةً بفرض الحصار الاقتصادي الظالم على الدول التي تَعتبرها قوى الاستكبار والاستعمار متمردةً على سياستها أو خارجةً عن طاعتها، كما حدث للعراق وليبيا والسودان سابقًا، وكما يحدث لفلسطين حاليًا؛ عقوبةً لشعبها على اختياره الديمقراطي النزيه لحماس.
التآمر على المقاومة
معلومٌ أن مقاومة الاحتلال أمرٌ مشروعٌ في كافة الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ضد المعتدين، وأهمية المقاومة لا تخفى على أحد، فهي بمثابة رأس الحربة في نحور المعتدين، وأصبع الديناميت الذي ينسف أطماعهم ومشاريعهم، ومن ثم نالت المقاومة حظًّا وافرًا من كيد هؤلاء الأعداء بأخبث الوسائل وأخسها:
* ففي لبنان كانت محاولات الوقيعة بين المقاومة- التي يمثلها حزب الله- والحكومة، والمطالبة بتجريدها من السلاح، وإبعادها عن الجنوب، وحشد القوات الدولية في وجهها.
* وفي العراق كانت محاولات إثارة الفتن المذهبية بين الفصائل، وخصوصًا بعد قيام بعض العناصر بأعمال غير شريفة ومسيئة إلى المقاومة.
* وفي فلسطين استغل الأعداء قلة العناصر النافذة في بعض فصائل المقاومة لإشعال نار الفتنة بين زملاء الكفاح ورفقاء السلاح، فوقع المحظور الذي يفجع كل قلب غيور، وتم انتهاك الخطوط الحمراء وتجاوُز الثوابت الوطنية، بهذا الاقتتال الخطير الأخير بين فتح وحماس، والذي قد يُثير بعض الناس بسوء الظن بالمقاومة، وكأنها انحرفت عن مسارها، وتلطخ وجهُها، وشُوِّهت سمعتُها، وهذا ما لا نقبله أبدًا ولا نسمح به، وهو بعيدٌ كلَّ البعد عن أهداف المقاومة الشريفة التي يقوم بها أبناء الشعب الفلسطيني بكل فصائله.
أعوان الداخل على تآمر الخارج
رغم خطورة هذا التآمر الخارجي المذكور.. إلا أنه ما كان له أن يحقق أهدافه أو يجني ثماره إلا من خلال أعوان له بيننا، يتكلمون بلساننا، ويتسمَّون بأسمائنا، ويُحسبون علينا، ومع هذا فقد آثَروا أن يربطوا مصيرَهم بمصير المتآمرين علينا، ومصالحَهم بمصالحهم، ولو على حساب بلادهم وشعوبهم!! وهؤلاء قد سقطت عنهم أقنعتُهم، فمنهم بعض الحكام المفسدين المستبدِّين والطغاة الظالمين، ومنهم- أيضًا- بعض المحسوبين على النخب المثقفة من العلمانيين والليبراليين، الذين تغذَّوا على زاد الغرب، وأصبحوا مبهورين به، منادين باتباعه، في جدِّه وهزله، وخيره وشره، ومنهم- أخيرًا- العملاء المأجورون والجواسيس الخائنون، الذين باعوا دينَهم ووطنَهم وأهلَهم بلعاعة من الدنيا رخيصة.
كيفية مواجهة التآمر
يا أمة الإسلام، حذار أن يفتَّ هذا التآمر كلُّه في عضدِكِ، أو يوهنَ من عزمِكِ، أو أن تشعري حيالَه بالعجز أو باليأس، فأمامكم- يا قومي- كثيرٌ من وسائل المواجهة الناجعة وأسلحتها القاطعة:
* استعادة الوعي: فلا يمكن أن يمر هذا التآمر إلا من خلال ثقوب الجهل والغفلة، ومن ثم ينبغي إعادة الوعي إلى أبناء أمتنا والحرص على إبقائه دائمًا يقظًا متَّقدًا.
* الاعتزاز بهويتنا الإسلامية: فالإسلام أساس انتمائنا الأول وولائنا الأكبر، وهو مرجعيتنا العليا لعقيدتنا وقيمنا وأخلاقنا وسلوكنا، وهو الذي يحفظ كيان المجتمع ويرسم ملامح شخصيته، ويحقِّق تماسكه وقوته فيتأبَّى على الذوبان في غيره أو التبعية له.
* الحرص على الترابط والوحدة: فالتنازع والاختلاف سبب الخيبة والفشل ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 46)، وإجماع الأمر وتوحيد الصف أساس الغلبة والاستعلاء ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ (طه: 64).. فلنتعاون جميعًا لتحقيق الترابط على كل المستويات، فتترابط مكونات المجتمع الواحد مهما اختلفت الطوائف والمذاهب والأعراق، ويسود التفاهم والتعاون بين الأنظمة والشعوب، ثم تتواصل الدول فيما بينها وتتكامل في مختلف الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
* إصلاح المناهج التربوية حتى تُخرِجَ أجيالاً سليمةَ العقيدة، صحيحةَ العبادة، متينةَ الخلُق، مثقفةَ الفكر، معتزةً بدينها، محبةً لأوطانها، مواكبةً لعصرها.
* الجهاد الإعلامي: ولا شك أن الإعلام يُعتبر وسيلةً قويةً مؤثرةً من وسائل الجهاد في عصرنا هذا، فبه نذبُّ عن ديننا شبهاتِ المغرضين وافتراءاتِ المبطلين، ونبيِّنُ للدنيا كلها بهاءَه، ونرسل إليها ضياءَه، ونمدُّ إليها رواءه، وذلك عبْر القنوات والإذاعات والكتابات، وينبغي أن نعمل جاهدين على إعداد الكتائب المطلوبة لهذا الجهاد العصري، من الدعاة والإعلاميين الأكفاء المدرَّبين والأمناء المقتدرين.
* دعم المقاومة: وهي التي تواجه الأعداء في ميدان الصراع مباشرةً، وهذه حقُّها على الأمة كبيرٌ لدعمها معنويًّا وماديًّا، بإظهار الإكبار والتقدير لها ولرجالها والإشادة ببطولاتهم، وبالسعي لتنقية صفوفهم من المتآمرين والمتربصين، وبإخلاص الدعاء لهم في الأوقات الشريفة التي تُرجَى فيها الإجابة، وبالجهاد المالي معهم، وبمقاطعة كلِّ ما يمتُّ للأعداء بصلة، وبكشف المرجِفين والمثبِّطين من دعاة الانبطاح والاستسلام.
* دعم المقاومة النفسية: وهذا النوع من المقاومة مطلوبٌ من أبناء الأمة كلهم؛ بقصد أن يبرَؤوا من ثقافة الجبن والهلع، التي تدفع بصاحبها إلى اليأس والاستسلام، وأن تسود فيهم ثقافة المقاومة التي تجرِّئُهم على المواجهة والصمود، وأن تشتعل في نفوسهم من جديد حمية العزة والكرامة التي تأبى على صاحبها الركون إلى الذلِّ أو الرضى بالهوان، إنها حميةُ الصحابي الجليل التي دفعته إلى قتْلِ ذلك اليهودي الخبيث الذي احتال لكشف سَوءة مسلمة، وهي- أيضًا- الحمية التي دفعت المعتصم لتجريد جيش جرار لنجدة مسلمة أخرى وقعت عليها مظلَمة في أقاصي البلاد، فاستغاثت استغاثتها الشهيرة (وااا معتصماه).
أيها المسلمون.. ها أنتم تسمعون استغاثات التوجُّع، بل والتفجُّع، تنطلق من أفواه المقهورين والمظلومين في كل مكان، فخِفُّوا للنجدة، وهبُّوا للإنقاذ؛ امتثالاً لأمر ربكم.. ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (التوبة: 41).
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.