التاريخ : الخميس 06 مارس 2008 . القسم : رسالة الأسبوع
أبطال.. في زمن الخزي والعار
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فإن ما يجري في فلسطين اليوم هو النتيجة الحتمية لغفلة البشرية عن هذا الخطر الداهم؛ خطر الكيان الصهيوني الاستيطاني العنصري في فلسطين، ولتآمر الدول الكبرى لإقامة هذا السرطان المدمِّر في بلادنا، والذي يريد- بكل وسائل القهر والقتل والتعذيب والإرهاب- أن يطردَ أصحاب الأرض الحقيقيِّين، ويقتلعَهم من أوطانهم وديارهم بغير جريرة ارتكبوها، إلا أنهم يتمسَّكون بأرضهم وحقوقهم وديارهم!.
إن مقاومة هذا الكيان الصهيوني الذي يضمر الشرَّ للبشرية كلها (مسلمين ومسيحيين وغيرهم) هو واجب هذه الأمة، التي غُرس في قلبها ذلك النصل المسموم، ليس واجب الفلسطينيين وحدهم وهم أحق الناس بالدفاع عن أرضهم، وليس واجب العرب في وطنهم الكبير الذي تدنَّس بهم، وليس واجب المسلمين في عالمهم، بل واجب البشرية كلها، إن كانت تعلم مدى الحقد والعداوة والبغضاء؛ التي يكنُّها هؤلاء الصهاينة لكل من خالفهم.
منذ أكثر من ستين عامًا ودماء الفلسطينيين تسيل أنهارًا بلا توقُّف، تُزهَق الأرواح، وتُدمَّر الديار، وتُجرَّف الأرض، وتُقام المذابح، وتُشعَل النيران، وتُقتلَع أشجار الزيتون لتُزرَعَ مكانها أشواكُ الحقد والكراهية والبغضاء!!.
أبطال فلسطين وحدهم هم الذين يقفون بصدورهم العارية أمام جحافل الشرّ؛ يمنعون هذا الوباء من الانتشار إلى ما حوله من ديار العروبة والإسلام، بل ما جاورها من شعوب الأرض قاطبةً؛ فتحيةً إلى كل مجاهد صابر محتسب، لا يتخلَّى عن أرضه أو عِرضه أو مقدَّساته، ولو واجهته كلُّ آلات الحرب والدمار، والعار والذلّ والهوان لكلِّ مَن تخلَّى عنهم أو قعد عن نصرتهم، أو سَخِرَ منهم أو تآمَرَ مع أعدائهم، أو خدَّر نفسه بسلامٍ كاذبٍ، أو اتفاقياتٍ مشبوهةٍ، أو عهودٍ منقوضةٍ، أو تعايشٍ مزعوم.
جيل جديد
لقد نبت في أرض فلسطين المباركة في هذا العصر:
* جيل جديد لا يخشى في الله لومة لائم.. لا يهاب الموت، بل يتسابق إلى الشهادة، ويعتبرها فوز الدنيا وسعادة الآخرة.. "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
* جيل لا يفر من المعركة مهما توحَّش العدوُّ، وهدَّد وأرغى وأزبد.
* جيل يسترخص التضحية بالنفس والدم والمال والولد؛ لنصرة دينه، ودحر عدوِّه، وتطهير أرضه، وصون عرضه، وتحرير مقدساته.
* جيل يزرع الأمل في زمان اليأس والخنوع والاستسلام الجبان، ويرفع لواء الحق في عالمٍ تواطأ على الظلم والقهر والعدوان.
يتساوى في ذلك الشاب القويُّ، والصبيُّ الفتيُّ، والمرأةُ الصامدةُ، والشيخُ الطاعنُ، بل والطفل الصغير، الذي يطارد عدوَّه ولو بالحجارة..
إن ظهور هذا الجيل الجديد في أرض الأقصى المبارك هو شارةُ النصر القادم، الذي يبدو من وراء الأفق خلف الضباب والغيوم، وعلى الذين يسخرون من جهد هؤلاء الأبطال ومن صواريخ القسام، أن يشعروا بالخزي والعار؛ لأن صواريخهم العابرة وأسلحتهم الفتَّاكة ومدرَّعاتهم المحصَّنة؛ مكدَّسة في مخازنها حتى يأكلها الصدأ، وهم ممنوعون من استخدامها في معارك الشرف، إلا في الحروب بينهم.
ألا يشعر كل ملك أو رئيس أو حاكم بالخزي والعار وهو عاجزٌ عن الدفاع عن أبناء دينه ووطنه، يحفل بالطعام والشراب والنعيم، وأبناء فلسطين المجاهدين لا يجدون طعامًا ولا شرابًا ولا دواءً ولا وقودًا.. ولا نقول سلاحًا يحميهم أو عتادًا يصدُّ عنهم بأس الصهاينة الملاعين؟!!
ألا يشعر كل سياسي بالخزي والعار وهو يرى تحالف كل قوى الشرِّ على فلسطين بل العالم العربي والإسلامي كله، وهو يرى "بوش" قائد الشر يتعهَّد بأن يكون الكيان الصهيوني دولةً "يهوديةً" خالصةً؛ أي يطرد منها كلَّ أهلها من عرب ومسلمين، وأن تكون أقوى من كل العرب والمسلمين مجتمعين؟!
ألا يشعر كل طبيب وممرِّضة بالعجز والقهر وهم يشاهدون الجرحى من شباب ونساء وأطفال ينزفون حتى الموت، لا يجدون من يداوي جرحاهم، ويوقف آلامهم، بل يدفن موتاهم؟!
ألا يشعر أغنياء العرب بالخزي والعار وهم يضعون المليارات من أموالهم في بنوك الصهاينة والأمريكان لتكون رهن إشارتهم، يصرفونها أو يصادرونها، أو يصرفون منها على قوات الاحتلال في العراق والخليج، وأبناء فلسطين لا يجدون ما يسدُّ رمقهم ويُطعم جائعهم ويداوي مرضاهم؟!
ألا تشعر المنظمات الدولية ومجلس الأمن بالخزي بعدما صاروا أداةً مفتوحةً لتمرير العدوان وتقنينه وتبريره من الكيان الصهيوني وحليفته أمريكا على شعب فلسطين، بل كلِّ شعوب العرب والمسلمين من العراق إلى أفغانستان ومن لبنان إلى السودان؟!
نداء
إننا ننادي كل شرفاء الأمة؛ شعوبًا وحكوماتٍ.. أفرادًا ومنظماتٍ.. رجالاً ونساءً.. أغنياء وفقراء.. مدنيين وعسكريين.. أن يساندوا هؤلاء الأبرار الأطهار من مجاهدي فلسطين وهم يقفون أمام أعتى قوى الشر وأخطر أجهزة الدمار.
نطالب بفتح الحدود وفتح المعابر؛ لإدخال الزاد والوقود، وترحيل الجرحى، ومنع الغاز الرخيص عن بني صهيون الغادرين..
نطالب ببذل المال والنفيس؛ حتى نضمن شريان الحياة لمن يدافعون عن الحياة..
نطالب بنبذ كل معاهدات التآمر والاستسلام، التي لن تُعيد أرضًا، أو تأوي اللاجئين بالملايين، أو تحمي مسجدنا الأقصى الأسير، بعدما نبذوا هم كل العهود والمواثيق..
نطالب الأمة كلها بالتصالح مع الله تعالى، والإخلاص له، ونبذ الفرقة والخلافات، وترك الأَثَرة والأنانية، وحشد القلوب، وتوحيد الصفوف، وإصلاح الأمة؛ استعدادًا ليوم قادم لا ريب فيه..
ونطالب وندعو شبابَنا في فلسطين؛ هؤلاء المجاهدين الأبرار، بالصبر والثبات والصمود والتحدي، فهم أمل النصر المنشود، على أيديهم الطاهرة سيأتي وعد الله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا* عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ (الإسراء: من الآية 7 و8)، وإن غدًا لناظره لقريب.. والله أكبر ولله الحمد.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.