التاريخ : الخميس 22 مايو 2008 . القسم : رسالة الأسبوع

قد بدت البغضاء من أفواههم



رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله؛ النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

أيها المسلمون..

إن رسالتنا هذه لا تقف عند حدود الكشف؛ مجرد الكشف، بل تنطلق منه إلى الاصطدام بالواقع المرِّ، الذي تحياه أمتُنا، بل ويحياه العالمُ كله، بعدما سقطت كل ورقة كانت تستر مخططات العدو، وتدَّعي له إنسانيةً ورقيًّا وتقدُّمًا، وبعدما انجلت واضحةً لكل صاحب لبٍّ نواياه، واتضح للعالم بأسره صدْقَ ما كان يحذر منه الإخوان، حين قال حسن البنا في رسالته (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي)، واصفًا حال المجتمع الدولي وقتها: "وهاهم أولاء جميعًا يناصرون الصهيونية اليهودية وهي أبغض ما تكون إليهم؛ لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة، وقد أصبح هذا المعنى معلومًا في تصرفات كل الساسة الغربيين".

 

ولم يكن كلام الإمام الشهيد رحمه الله إلا ترجمةً لعقيدة تؤمن يقينًا بقول الحق جل وعلا: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا (المائدة: من الآية 82)، وهذه العقيدة تؤمن إيمانًا لا يشوبه شيء بأنها تواجه عقيدةً مزيَّفةً؛ تحميها أساطين القوة وآلة الإعلام البرَّاقة وخزائن المال تغري بها الأذناب!!.

 

ومن ثم لم يكن مستغربًا أن تضع صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية النصَّ الكاملَ لخطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في الكنيست الأسبوع الماضي على موقعها الإلكتروني ضمن قسم "العقيدة"؛ لا لشيء إلا لأنه ارتَدَى مسوح الرهبان وقلنسوة الحاخامات، وراح يوزِّع مباركتَه للمشروع الصهيوني الاحتلالي على مرأى ومسمع من العالم كله، مؤكدًا: "تعداد إسرائيل قد يكون سبعة ملايين، لكن حين نواجه الإرهاب والشر فإنكم ثلاثمائة وسبعة ملايين قوى؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف معكم"، وانطلق بوش مجسِّدًا بعباراته سياسة التربُّص والكيد والحقد الدفين ﴿قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ (آل عمران: من الآية 118).

 

قال الإمبراطور الراعي لبني صهيون في خطابه: "لقد لمست الحائط الشرقي، ورأيت الشمس تنعكس على بحر الجليل، صليت في ياد فاشيم، واليوم زرت مسادا.. لحظةً ملهمةً للشجاعة والتضحية، في هذا المشهد التاريخي حلف الجنود الإسرائيليون بأن مسادا لن تسقط مرةً أخرى..

أيها المواطنون الإسرائيليون.. مسادا لن تسقط مرةً أخرى.. مؤسسو بلادي رأوا أرض ميعاد أخرى، ومنحوا بعضًا من مدنهم أسماء مثل بيت لحم وكنعان الجديدة، ومع الوقت أصبح كثير من الأمريكيين دعاةً متحمِّسين لدولة يهودية.. نجتمع لحضور مناسبة بالغة الأهمية.. منذ 60 عامًا في تل أبيب أعلن ديفيد بن جوريون استقلال إسرائيل وتأسيسها على "الحق الطبيعي للشعب اليهودي لتقرير مصيرهم"، وما تبع ذلك كان أكثر من مجرد تأسيس بلد جديد.. إنه كان الفداء لتحقيق الوعد القديم الممنوح لإبراهيم وموسى وداود.. وطن لشعب الله المختار.. بني إسرائيل".

 

إن الإخوان اليوم لا يخاطبون العالم الإسلامي، حكامًا وشعوبًا، بهذه العبارات المحدّدة لتمر هذه الكلمات مرور الكرام، وإنما ليؤكدوا طبيعة المواجهة وحقيقة الحرب؛ فالعدو سافر العَداء، والخطر صار محدِقًا بالجميع؛ بالسلاح المباشر أو بأسلحة غير مباشرة عدة، منها: الإعلام والفنون والثقافة والحريات الدينية والمعونات الاقتصادية ومساحات الديمقراطية وحقوق الأقليات.. وغيرها مما تستحدثه آلةُ الاحتلال المتجددة يومًا بعد يوم، وبالتالي فالكلُّ مستهدَفٌ، والحكامُ قبل الشعوب؛ لأن المحتلَّ الصهيونيَّ طامحٌ دومًا إلى من يعطيه أكثر، ولن يرضى عن تابع باع شعبَه ووطنَه ليُرضي سيدَه الذي لا- ولن- يرضى.

 

الكل مستهدف في دينه وفي ماله وفي عِرضه وفي أرضه؛ طالما أن القوانين السائدة هي تشريعاتٌ إمبراطوريةٌ أمريكيةٌ سرقته من غيرها؛ لتصنع وطن الشتات الأول وعمره 200 عام، ووطن الشتات الثاني وعمره 60 عامًا.

 

الكل مستهدف، ولن توقف الأعداء تنازلاتُنا؛ بعدما سايرناها في نُظُمها، وأخذنا بألوان حياتها، واتبعناها في تقاليدها، ووقَّعنا على كل شروطها؛ فهل أغنى ذلك عنا شيئًا؟ وهل دفع عنا من كيدها؟ وهل منعها من أن تحتلَّ أرضنا، وتسلب استقلالنا، وتستأثر بخيرات بلادنا، وتجاهر بالعداء في كل محفل دولي ضد حقوقنا، وتثير المشكلات والصعاب والعقبات في وجوهنا؟ وهل حال ذلك دون حصارها لدُوَلِنا وفرضها عقوباتٍ عليها وإثارة الفتن بين عناصر أمتنا؟!


وتبقى المقاومة

وتبقى المقاومة ورمزها المشرق؛ الذي يرتفع نجمه خفاقًا في سماء الجهاد والتضحية والفداء..

الشعب الفلسطيني؛ الذي استطاع عبر قرن من الزمان أن يؤكِّد أن طاقته على البناء أكبرُ آلاف المرات من طاقةِ بني صهيون وكلِّ حلفاء الشر في العالم على الهدم والقمع والسلب والنهب وإشاعة الفوضى وقلب الحقائق.. قرن كامل وعصاباتُ صهيون المدجَّجة بسلاح العالم تسفك دماء الإنسانية والحقوق، وتهتك كل أستار الواقع المر، وتمثِّل بما بقي من ضمير العالم، غيرَ أن كلَّ هذا لم يَحُلْ دون كشف مظهر حقيقي وواقعي؛ يفضح كل محاولات الطمس والتزوير؛ ليؤكد أن أبناء شعب فلسطين أحبوا الموت فداءً لعقيدتهم ووطنهم ومقدساته ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب: من الآية 23)، وأعلنوا الرباط في أرضه، مدافعين عن مقدساتنا وعن ماء وجهنا؛ الذي يراق بِصَمْتِنا وعجزِنا وتخاذلِنا في اليوم عشرات المرات؛ دون أن يتحرك لنا ساكن!.

 

آمن الشعب الفلسطيني بحقوقه؛ فصار أنموذجًا فريدًا للصمود خلال ما يقرب من قرن كامل، حاملاً إيمانًا قويًّا وعزيمةً صلبةً وهمَّةً عاليةً وإرادةً لا تلين.. ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾ (الحج).

 

وعلى الدرب ذاته تسير المقاومة في العراق وأفغانستان؛ بعد ما صارت هذه الأوطان حقلَ تجارب للأحلام الإمبراطورية الأمريكية، وصار لزامًا على شعوبهما المقاوَمة؛ ليضمنان بقاءهما بعيدًا عن مصير الهنود الحمر في القارة الأمريكية بفعل آلة الدمار المغتصبة.

 

وصار لزامًا على شعوب العالم الإسلامي أن تدرِّب نفسها على المقاومة في ساحات البناء:

* فهذا يقاوم استبدادًا يهلك الوطن والمواطنين.

* وثانٍ يقاوم فسادًا يسري في مؤسسات الوطن أو يستشري في صفوفه.

* وثالثٌ يقاوم محاولات القضاء على الخصوصية الثقافية؛ ليصنع إبداعًا قادرًا على بناء الذات لا محو هويتها.

* وآخر يقاوم محاولات التفرقة وشقّ الصف، ويعمل على وأْد الفتن في مهدها، والمسارعة لرأب أي صدع في بدن الأمة الواحدة..


وأنتم أيها الإخوان..

تعلمون أن المؤامرة على أمة الإسلام مستمرة، وأن ما كان يخطِّط له بنو صهيون وحلفاؤهم في الخفاء؛ أصبح يتم في العلن وعبْر المؤتمرات الصحفية والكلمات الرسمية، هذا في الوقت الذي تعاني فيه الأمة من ويلات الاستبداد والفساد والتبعية، وهو ما يُعظِم التبعة والمسئولية على صاحب الهِمَم، ويُثقل ظهرَه بأمانة إيقاظ أمة تقترب النيران منها دون أن تدري..

* كونوا النذير الذي يسير بين الناس حاملاً مشعلَه الربانيَّ وزادَه الإيماني وفهمه الدقيق لمفردات الواقع..

* ولتكن العقيدة وقوة الإيمان زادَكم في مواجهة التحديات..

* وأعلنوا الحريةَ شعارَ مرحلةٍ تسعى لكسر شوكة القهر والظلم والفساد..

* واجعلوا الوحدة حصنًا تلجؤون إليه مع الجميع؛ ليحميَكم نيران الفتن السياسية والمذهبية والطائفية والعصبية..

* واستعصِموا بعرى الشورى ضد كل محاولات الاستبداد بالرأي؛ حتى لا يكونَ داءٌ يفتُّ في عضد الأمة..

* وليكن العلم هو عصب النهضة في مشروعكم البنَّاء ورؤاكم المستقبلية القادمة ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21)

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.