التاريخ : الخميس 31 يوليو 2008 . القسم : رسالة الأسبوع

الإسراء والمعراج عبر ودلالات (2- 2)


رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، ومن سار على هديه، وسلك طريقه إلى يوم الدين.

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)﴾ (الإسراء).

 

أيها المسلمون..

أيها الناس أجمعون..

أيها الحكام والرؤساء أجمعون..

الإسراء والمعراج منحنا نحن العرب والمسلمين الحقَّ في فلسطين، وجعلنا شهداء على البشرية ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143)؛ فنحن ورثة الأنبياء، الذين يُرشدون الناس إن ضلوا، ويُنيرون لهم السبل حين تظلم، ويضعون أقدامهم على الطريق المستقيم: ﴿.. قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ (المائدة).

 

سبيلنا لنكون خير أمة

وحتى نكون خير أمة ونتمكن من قيادة البشرية لما فيه خيرها؛ يجب أن نستلهم من الإسراء الزاد الذي يؤهِّلنا لنصر الله ويتلخَّص ذلك في:

1- طهارة القلوب من الشرك والشك والذنوب التي تقطعنا عن السماء وملؤها بالإيمان؛ حتى تتمكَّن من الاتصال بالله.. ألا تلمح ذلك مما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "فَفَرَجَ صَدْرِي ثُم غَسَلَهُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطسْتٍ مِنْ ذهَبٍ مُمْتلِئ حِكْمَةً وَإيمانًا فأفْرَغَهُ فِي صَدْرِي".

إنها التحلية بعد التخلية بالتوبة النصوح، وتطهير حياتنا من أكل الحرام والربا وأموال الناس بالباطل وأموال اليتامى، وخيانة الأمانة، وتطهير ألسنتنا من الغيبة والنميمة ومن أن نقول ما لا نفعل، أو الكلمات التي تشعل الفتن والحروب، وأن نطهِّر فروجنا من الزنا، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صورًا من العذاب لهؤلاء تجعل المسلم يتوب ويستغفر مما وقع منه، ويصطلح مع الله.

 

كما يجب أن يملأ الإيمان قلوبنا؛ فهو القوة التي لا تُقهر، والسلاح الفعال في كل مواجهة مع الباطل، وإذا وُجِد الإيمان تحقق لنا كل عوامل النجاح، ويكفي أنه يجعل كل قوى السماء في صفنا.. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينََ﴾ (الأنفال: من الآية 19)، ومن كان الله معه كان معه كل شيء، ومن خذله الله فلا ناصر له.

 

2- دوام الصلة بالله والعروج الدائم بقلوبنا نحو السماء.. وذلك بالمحافظة على الصلوات الخمس، وقد فُرضت في ليلة الإسراء وبتكليف مباشر لأهميتها ومنزلتها؛ فهي معراج المؤمنين، وحتى يتحقق لنا الفلاح يجب أن نحرص على إقامة الصلاة في وقتها وفي جماعة وفي المسجد مع الخشوع.. ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ (المؤمنون).

 

وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم تُرضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رُضِخَت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء؛ فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة".

 

3- الاستجابة لأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.. فذلك يمنحنا الحياة الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24)، ومع الحياة الكريمة نور يكشف لنا الظلمات: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ (الأنعام: من الآية 122).

 

4- أن نحدِّد وجهتنا وأن نلتزم منهاجنا.. ففي ليلة الإسراء- كما جاء في الأثر- تعرَّض إبليس للرسول صلى الله عليه وسلم لينحِّيَه عن الطريق "فيقول هلم إليَّ، وداعي اليهود وداعي النصارى يتعرضان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله، قائلين: انظرنا نسألك، فلم يجبهم، ومضى في طريقه..".

 

وهكذا يجب أن يكون المسلم.. يعرف طريقه ولا ينحرف عنه يمنةً ولا يسرةً، ويمضي إلى غايته، وليحذر مزخرف القول: "الديمقراطية، الحرية، المساواة، حقوق الإنسان.." كلمات لا نشاهد في الواقع إلا نقيضها.. دكتاتوريات تُدعم، وحريات تُسلب، وتفريق بين الناس لجنسياتهم.

 - ألا تدهش معي من أنهم ينادون بمحاكمة مجرمي الحروب وهم قادتها!.

 - وألا تعجب ممن يشرِّعون لأنفسهم بعدم محاكمة جنودهم أمام المحاكم الدولية!.

 - وألا يزداد العجب ممن يشرِّعون لاحتلال العراق بمعاهدة أمنية تنص على عدم محاكمة لجنود التي تنتهك حقوق الإنسان؛ فتعتدي على العِرض وتقتل الطفل والشيخ والمرأة، وتنهب الخيرات، وتهلك الأخضر واليابس، دون أن يتعرض لهم أحد!.

 

5- أن نتحرر من اليأس، وأن نوقن بأن نصر الله آتٍ، وقد لاحت بشائره.. فالرسول صلى الله عليه وسلم حين تجمَّعت عليه الأحزان بموت زوجه وعمه، وبذلك زاد أذى قريش له، وأعقب ذلك ما كان من أذى الطائف.. وسط هذه الأحزان والشدائد يأتي الإسراء والمعراج ليقول له: إذا ضاقت بك الأرض فإن أبواب السماء تفتح لك، وإذا تجهَّم لك الناس وآذوك؛ فإن الأنبياء والملائكة ترحِّب بك، ويلقونك بالبشر، وربك الذي بيده ملكوت السماوات والأرض يدنيك من عرشه، ويفيض عليك من نوره، ويُريك من آياته: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾ (النجم).

 

هذا يجعل المسلم يوقن أن الفرج بعد الكرب، وأن النصر مع الصبر: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

 

وقد طلعت علينا بشائر النصر.. في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان؛ فالمقاومة والمجاهدون أقضُّوا مضاجع المعتدين، ولا يمضي يوم إلا ويزداد يأسهم ويقوى الأمل فينا.. ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

 

6- أن يكون الجهاد في سبيل الله هو السبيل الوحيد لاسترداد حقوقنا.. وليسمع كل من يمد يدًا للتفاوض مع عدوّه أنها سوف تُعَض، ولن يردوا إليه حقًّا، والتاريخ شاهد على أن هذه الأيدي ملوثة بالدماء في القديم والحديث، ولن تتورَّع عن الولوغ في دمائنا في المستقبل، ولن يردعهم إلا أن يروا منا عزمًا صادقًا على أخذ حقِّنا، مهما كلفنا من تضحية واسترداد حريتنا، ولو بذلنا أرواحنا، فإما أن نحيا كرامًا أحرارًا، أو نموت شهداءَ أبرارًا، ونحن نعلن للعالم أجمع أن من شعارنا ولن نحيد عنه قيد أنملة: "الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

 

7- أن نستفيد من تجارب الدعاة السابقين والاستماع لنصحهم متى توفر الإخلاص والأمانة والصدق.. فإن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، ويستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه عالج الناس قبله وجرَّبهم..

 

ألا يستفيد من ذلك كل مسلم مخلص صادق؛ يعمل لدين الله، فيستفيد من تجارب من سبقوه، ولا داعي لأن يجرِّب هو حتى يرى بنفسه؛ ففي ذلك إضاعة للوقت والجهد، ومنح الفرصة للأعداء، وتأخير في الوصول إلى الأهداف والغايات.

 

وفي الإسراء.. نرى الواقع ونبصر الأمل

وهذه دلالات من سورة الإسراء تصور الواقع وتبعث الأمل:

- السورة تسمى بـ(الإسراء) و"بني إسرائيل".

 - الحديث عن الإسراء مقرون بإفساد بني إسرائيل.

 - توعد الله بني إسرائيل بأن يبعث "البعث حياة من بعد موت، ويقظة من بعد نوم" من يطهِّر الأرض من فسادهم، ويخلص العباد من شرورهم.

 - فتح لهم باب التغيير، وأن من الخير لهم أن يحسنوا.. ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (الإسراء: من الآية 7).

 - مع فتح باب الرحمة توعَّدهم بأن يرسل عليهم بمن يضرب على أيديهم إن عادوا إلى الفساد.. ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: من الآية 8).

 - وعدنا الله بعودة المسجد الأقصى.. ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء: من الآية  7).

 - أرشدنا الله إلى الطريق الأقوم.. ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: من الآية 9).

 ومن هنا يدرك الإخوان المسلمون سرَّ شعارهم "القرآن دستورنا".

 

نداء لوحدة الصف الإسلامي

أيها المسلمون أجمعون..

هل نتَّحد على منهج القرآن الكريم، والذي يدعونا إلى الاتحاد وينهانا عن التفرق.. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران:  من الآية 103).

 

واعلموا أيها المسلمون أن أعداءنا يكيدون لنا ليمزقوا وحدتنا، وليس ما يقع في فلسطين والعراق ولبنان والسودان إلا دليلاً على أنهم يغرسون بذور الفتنة، وينفخون في نار الفرقة بين المسلمين؛ فهل يفيق الشارد وينتبه الغافل ونتحد لمواجهة الغاصب المحتل؟!

 

أيها الإخوان المسلمون..

هذه طريقكم، وتلك معالمكم، فلا تحيدوا عنها، ولو تخلى عنها الناس جميعًا، ونحن على يقين من أن أعداءنا يدركون عظمة دعوتكم، وأنها بعث الإسلام في الحياة من جديد، وأن جندها هم الوحيدون القادرون على قهر اليهود وهزيمتهم، وأنها العقبة الكئود في سبيل نيل أمريكا مآربها من الشرق الأوسط وغير الشرق الأوسط، ومن ثمَّ فهم يجمعون كل جند الباطل، ويسخِّرون ما لديهم من طاقة، وينفقون مئات المليارات من الأموال من أجل القضاء عليكم؛ فلا ترهبوهم ولا تخافوهم..

﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج: من الآية 78).. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.