التاريخ : الخميس 28 أغسطس 2008 . القسم : رسالة الأسبوع

من فضائل شهر رمضان



رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

 

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).

 

إن شهر رمضان من الشهور العظيمة، ويحمل في طيَّاته فضائلَ جمَّةً، وعطايا من الله وافرةً، وثوابًا وأجرًا جزيلاً لمن اغتنمه، وقد جاء في الأثر: "أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرَّب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضةً فيما سواه، ومن أدى فيه فريضةً كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء"، قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟ فقيل: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائمًا على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار".

 

ومن العبادات التي اختص الله بها رمضان:

* الصوم.. بالامتناع عن المفطرات، وهي معلومة، وبكفِّ الجوارح عن معصية الله تبارك وتعالى، وإلا فكيف يكون مراقبًا لله تبارك وتعالى من لا يخشاه، ولا تزجره المراقبة عما لا يرضاه مولاه؟ وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدَعْ قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

 

وفي ذلك يقول الشاعر:

إذا لم يكن في السمع مني تصامم               وفي مقلتي غضٌّ وفي منطقي صمت

فحظي إذن من صومي الجوع والظما             وإن قلت إني صمت يومًا فما صمت

 

إن الصوم يأتي ليُشعِرَ الإنسان بأنه يجب عليه أن يسموَ فوق حاجاته، وأن يرتفع فوق ضروراته، وأن يرجِّحَ الجانب الأعلى فيه على الجانب الأدنى منه.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

 

* نزول القرآن الكريم في رمضان.. ولقد اختص الله هذا الشهر العظيم بنزول القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)﴾ (القدر)، والقرآن الكريم أنزله الله ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم: من الآية 1)، كما أنه كتاب الهداية للناس أجمعين: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185).

 

* قيام الليل.. وفي رمضان يكون قيام الليل، وقد جعل الله لمن يحرص عليه غفران الذنوب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

 

* ليلة القدر.. وفي رمضان ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر.. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾ (القدر)، ومن قام تلك الليلة مُحِيَت خطاياه وغُفِرَت ذنوبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

 

* الاعتكاف.. والاعتكاف في العشر الأواخر من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان".

 

الصوم زادنا في مواجهة الأعداء

وفي الصوم تقويةٌ للإرادة، وتربيةٌ على الصبر، فالصائم يجوع، وأمامه شهيُّ الغذاء، ويعطش وبين يديه بارد الماء، ويعفُّ وبجانبه زوجه، لا رقيب عليه في ذلك إلا ربه، ولا سلطان إلا ضميره، ولا تسنده إلا إرادته القوية الواعية، ولأن رمضان يعلِّم الصبر فقد سُمِّي شهر كما ورد "لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم، والصوم نصف الصبر".

 

إن الإسلام ليس دين استسلام وخمول؛ بل هو دين جهاد وكفاح متواصل، وأول عدة للجهاد هي الصبر والإرادة القوية؛ فإن من لم يجاهد نفسه هيهات أن يجاهد عدوًّا، ومن لم ينتصر على نفسه وشهواتها هيهات أن ينتصر على عدوِّه، ومن لم يصبر على جوع يومًا هيهات أن يصبر على فراق أهل ووطن من أجل هدف كبير.

 

فالصوم بما فيه من الصبر وفطام النفوس؛ من أبرز وسائل الإسلام في إعداد المؤمن الصابر المرابط المجاهد، الذي يتحمَّل الشظف والجوع والحرمان، ويرحِّب بالشدة والخشونة وقسوة العيش، ما دام ذلك في سبيل الله.

 

أيها المسلمون..

إن رمضان من مواسم الطاعات الكبرى، ومعرض رائع للتجارة الأخروية، وهذه العبادات تكون جمالاً لأوقاته، وزينةً لساعاته، وحليةً لأيامه ولياليه، والطاعة جميلة في كل وقت، وهي في هذا الشهر أجمل، وثوابها عند الله أعظم وأجزل؛ فليحرص كل مسلم على أن يغتنم هذا العظيم ويستقبله بتوبة نصوح ونية صادقة على الطاعة، وإرادة قوية وهمَّة عالية على مواصلة الطاعة حتى نهايته؛ حتى يكون ممن كتب الله لهم العتق من النيران، واستكثروا فيه من خصال الخير كما جاء في الأثر ".. واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار".

 

وعليكم بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم؛ فهذا شهر القرآن، فيه أُنزل، وفيه كان جبريل عليه السلام يدارسه ويستعرضه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كانت السنة التي اختار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى، استعرضاه مرتين.

 

وعلى المسلم أن يحرص على الإكثار من الصدقة وتفقُّد الفقراء والمساكين وتعهُّدهم بالبرِّ والعطاء؛ فهو شهرٌ تسمو فيه دائمًا الاعتبارات الروحية على القيم المادية، ويرخص فيه حطام هذه الحياة الدنيا على نفوس نبذته وراءها ظهريًّا، وعافته بكرةً وعشيًّا.

 

والله تبارك وتعالى يضاعف فيه مثوبة المتصدقين، ويجزل لهم العطاء بما أجزلوا لعباده المحتاجين، ورقَّت قلوبهم لليتامى والأرامل، وكانوا مقتدين في جودهم وعطائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان جوادًا كريمًا، بل مثال الجود والسخاء، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يعارضه جبريل بالقرآن؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان، حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة".

 

واحرصوا أيها المسلمون على صلة الأرحام، والتواد والتزاور والتراحم بين الأقارب والجيران، والصلح بين المؤمنين، ونبذ الخلافات، والتخلص من العداوات، وتطهير القلوب من الغلّ والأحقاد: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ (الحجرات)، وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10)، وقال الشاعر:

أتى رمضان مزرعة العباد     لتطهير القلوب من الفساد

فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً        وزادك فاتخذه للمعاد

 فمن زرع الحبوب وما سقاها    تأوَّه نادمًا يوم الحصاد

 

تهنئة للعالم الإسلامي

ونتقدم بالتهنئة للعالم الإسلامي أجمع باستقبال هذا الشهر المبارك، ونسأل الله أن يكون هلال خير وبركة ووحدة للمسلمين ونصر وتأييد من الله لهم، كما نتضرَّع إلى الله أن يربط على قلوب إخواننا المجاهدين في كل مكان، وأن يفكَّ أسْرَ المأسورين ويُطلِقَ سراحهم.

 

ونهيب بالعالم الحر أن يسعى لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني حتى ينعموا بالحرية ويجدوا ما يحتاجون إليه من ضرورات الحياة في هذا الشهر المبارك.

 

وأما إخواننا في سجون الاحتلال والظالمين فنهنِّئهم وأُسَرَهم بقدوم شهر الصبر، ونشدُّ على أيديهم، ونقول لهم: صبرًا.. فإن ليل الظالمين آخذٌ في الرحيل، وفجر الإسلام قادم، وقد لاحت أضواؤه في الأفق، ولم يبقَ إلا صبر ساعة.. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾ (الروم).

 

والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.