التاريخ : الخميس 19 فبراير 2009 . القسم : رسالة الأسبوع
في يوم الطالب العالمي.. إلى أمل الأمة المنتظر
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله؛ النبي الخاتم الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..
فإلى أمل الأمة المنتظر..
وإلى الروح الجديدة التي ستسري في بدن أمتنا فتحييه..
وإلى السواعد التي تشتدُّ لتثب معها أمتنا..
إلى ذلك البحر الزاخر بالنفائس، الممتلئ بطاقات الدفع وقدرات التغيير..
إلى شباب أمتنا الإسلامية نكتب هذه الرسالة بمداد شهداء طلاب مصر؛ الذين رووا ثراها بدمائهم يوم 21 فبراير من العام 1946م ليؤكدوا أنهم بذلك يحفرون على جدران التاريخ الإنساني علامةَ عزٍّ وإكبارٍ؛ تؤهل الحدث لأن يتحوَّل لذكرى، لا تمحوها الحوادث، ولا تغيِّرُها السنون، معلنةً إياها يومًا عالميًّا للطالب.
وإنني لأتساءل:
أليس عجيبًا أن يكون يوم الطالب العالمي هو ذكرى يوم انتفاضة شباب تحرر من القيد؟
أو ليست مفارقة ألا يكون يومه العالمي يوم نجاح دراسي أو بداية رحلة علم؟
وبالتالي أجد الإجابة تتجسد أمامي في تلك القاعدة الإسلامية الإنسانية التي تقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، ومَن أجدر على صياغة التغيير ورسم خارطته من الشباب الذين قرنوا طاقة شبابهم بنور العلم ليكونوا طلاب علم وحقيقة ومجاهدي قلم وحق، سائرين على درب الفتية المؤمنين ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: من الآية 13)، آملين أن تكون خطاهم صوب تغيير مستقبل أوطانهم وتعديل بوصلته هي أول الطريق إلى الله ورضاه.
إنني أطرح على الشباب الأسئلة طالبًا من كل شاب وفتاة أن يرسم بإجاباته صورةً لواقعه ليكون الوقوف عليه هو نقطة التحول:
- فأين شباب العالم الإسلامي اليوم على خارطة التأثير في العالم؟
- كيف يرى شباب العالم الإسلامي مكانته على خارطة وطنه؟
- هل ثقافة شباب العالم الإسلامي اليوم ينبوعها هويته الإسلامية وتراثه العقائدي أم أنها صادرة عن معين آخر؟
- ما حجم أمل شباب عالمنا الإسلامي في غده؟
هذه الأسئلة على بساطتها تضع شبابنا على أعتاب واقعهم الذي يبعد كثيرًا عن واقع أمتنا الساعية للتحرر من قيود الاستعمار والاستبداد والتبعية، وإنني لأسمع الإمام المجدد حسن البنا وهو يهتف في شباب الأمة قائلاً: "وقد ينشأ الشاب في أمةٍ مجاهدةٍ عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبدَّ بشئونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية.. وحينئذٍ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشاب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه".
إن صفحات تاريخنا المعاصر لظمأى إلى شبابٍ يبذرون على صفحاتها بذور الأمل بكلماتهم التي تكشف فهمًا لعظم تبعتهم وحجم المسئولية الملقاة على عاتقهم ليتصدروا الصفوف ويقودوا بطاقاتهم العبقرية وإمكاناتهم الفذة معركة التحرر والتشييد والوحدة واسترداد كرامة الإنسانية المسحوقة تحت وطأة نظام عالمي لا يرى إلا ذاته ولا يسمع إلا صوته، وساعة يؤمن الشباب بقدرته على كسر قيود واقعنا وتحريره من أسره فلن تعجب إن كان القائد أسامة بن زيد في جيش جنده الخلفاء الراشدون.
غير أن طاقات الشباب في أمتنا ستظل محصورةً في صدور أصحابها ما لم تُفجِّرها طاقة الإيمان التي تحررها من كل قيد؛ ولذا لا تعجب إن أنت وجدت قادة "موقعة مؤتة" الثلاثة من الشباب (زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة)، ومن قبلهم تجد الشاب عليًّا بن أبي طالب يفتدي دعوته بروحه ويبيعها فداءً لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهو ما جعله وغيره من شباب مهد الدعوة الإسلامية يدفعون المصطفى عليه الصلاة والسلام لأن يقول "بُعثت فخذلني الشيوخ، ونصرني الشباب"، وما توقف هؤلاء الشباب عند مجرد النطق بالشهادتين بل راحوا يبحثون عن آليات إنجاح صفقتهم مع الله: بفهمٍ عميقٍ لمعنى إسلام الوجه لله ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ (آل عمران: من الآية 20)، المشفوع بالعمل الجاد مبلغين لدعوة الله ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ (آل عمران: من الآية20)، والسعي الحثيث بغير كللٍ ولا تعالٍ ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: من الآية20).
إن فهم الشباب لمعنى إسلامهم لله يجعل نفورهم من كل قيدٍ أقوى وتحررهم من كل ولاءٍ أعمق وساعتها تهون في سبيل الحرية كل شواغل الدنيا وتصير أغلى الأثمان في سبيلها زهيدة.
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
إن الراية الربانية لا تضاهيها في سموها أية راية أخرى، ولننظر إلى ربعي بن عامر وهو يواجه كسرى فارس هاتفًا بشموخ رايته وثبات ولائه "نحن قوم ابتعثنا الله"، ومحددًا عظم دوره في تحرير البشرية "لنخرج العِباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
الشباب كما يراهم الإخوان
إننا نقصد بالشباب: أولئك الذين يرون في قوتهم التي وهبها الله لهم العمود الفقري لبدن أمتهم، والذي إن مال أو انكسر فلن تقوم لأمتهم قائمة.
وأولئك الذين يرون في طاعة الله طاقة الدفع الذاتية التي تنهض بها أمتهم "وشاب نشأ في طاعة الله"، وأولئك الذين تشغلهم عِظَم الأمانة وثقل التبعة عن الالتفات إلى صغائر الأمور.
وأولئك الذين يتخذون من العلم زاد حضارة وسلاح تقدم وعدة إيمان: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (فاطر: من الآية 28)، فلا يتركون باب علم إلا ويطرقوه ولا مجال سمو إلا ويحلقوا فيه، مدركين أن الواجبات أكثر من الأوقات، فلا يهدروا وقتًا بغير ترتيب ولا إعداد.
وأولئك الذين يرون أن وحدة مجتمعاتهم أولى دعائم القوة والعافية لأمتهم، فتراهم واصلين لأرحامهم محسنين إلى جيرانهم، مقدرين لأساتذتهم وعلمائهم، مفشين للسلام لكل من قابلهم، هم أعذب الناس حديثًا، وأول القوم غوثًا ونجدة، وأسرع الناس عطاءً، رافعين شعار المصطفى صلوات ربنا عليه "خير الناس أنفعهم للناس".
وأولئك المتسامون سمو النخيل عن كل خلاف، والمقابلون بالإحسان لكل مَن أساء إليهم، يرميهم الناس بالحجر فيقذفهم نخيل الشباب بأطيب الثمر، هم يجسدون صورة صحب الرسول مُحَمَّد- صلى اللَّهِ عليه وسلم-﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح: من الآية 29).
وأولئك الذين يعرفون للوطن والوطنية حقهما فيرون في الآخر الديني شقيق وطن، ويرون في الآخر السياسي رفيق درب تغيير، وإصلاح والكل يده ممدودة لحمل راية الوطن، ولدفع عجلة التغيير فيه نحو غد حر يحرر الأمة من سارقي أحلامها وقوت بنيها، وتتخلص فيه من أصفاد التبعية والديكتاتورية وحكم الفرد.
وأولئك الذين لا يعرف اليأس أو الإحباط طريقًا إلى قلوبهم ﴿وَمَنْ يقنط مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ (الحجر: من الآية 56)، فلا تثبط من عزائمهم الأزمات الاقتصادية، ولا تنال من هممهم الأصفاد الاستثنائية ولا يقصيهم عن ساحة العطاء تفشي الانتهازية والفردية والانعزالية، ولا تحدهم حدود ولا تمنع سيرهم سدود الرجل منهم بألف، فِعْلُه مضرب الأمثال حتى لو كان حرفة يد أو صنعة صانع، لا يعرف الاتكالية بل دأبه الابتكار في العمل وفي الإصلاح.
أولئك الذين يرون الولاء لأوطانهم عبادة فينظرون إليه نظرةَ شوق المصطفى عليه الصلاة والسلام للوطن "والله إنك لأحب بلاد الله إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، غير أنهم يهتفون بحبه عملاً في كل وادٍ، شعارهم الإصلاح، وديدنهم العطاء، وزادهم في الطريق الصبر على المحن وسمتهم في السير التواضع.
يوم يتوفر هكذا شباب ساعتها فقط سنرى شمس الأمل تلوح في أفق أمتنا وساعتها يهتف داعي الحق ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6)﴾ (الروم).
فكل عام طلاب أمتنا بخير، وعلى درب الإصلاح يجدون السير، والله أكبر ولله الحمد
القاهرة في: 24 من صفر 1430هـ، الموافق 19 من فبراير 2009م