التاريخ : الخميس 23 يوليو 2009 . القسم : رسالة الأسبوع

في الإسراء والمعراج زادٌ للمسلم



رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

يقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (الإسراء: من الآية 1)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى" (البخاري ومسلم).

 

في القرآن الكريم نورٌ وضياءٌ يكشف للمسلمين حقيقة الصراع بين المسلمين واليهود في هذه الأيام، وأن مرجعية المسلم يجب أن تنطلق من كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يسلك غير هذا السبيل مخدوع يجري وراء ظله، أو يركض خلف سراب، أو يلهث لعقد سلام لن يتحقق ما كان اليهود طرفٌ فيه، ولن يحصد هؤلاء إلا الوهم، ولن يجنوا إلا المرَّ، ولن يرجعوا إلا بخفَّي حنين.

 

أيها العالم أجمع..

اعلموا أن فلسطين أرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون، فمن نزل مدينة من الشام فهو في رباط، أو ثغرًا من الثغور فهو مجاهد" (الطبراني).

 

وفي المسجد الأقصى كانت إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء، فكانت إعلانًا لتسليم القيادة لهذه الأمة، فإذا كان أنبياؤهم قد اتبعوا نبينا، وصلَّوا من خلفه، فعلى أتباعهم لو كانوا صادقين في إيمانهم بأنبيائهم واتباعهم لهم؛ أن يتبعوا هذا النبي، ويأتموا به، ويطبِّقوا شريعته، ففيها الأمن والاستقرار، وعليهم أن يتخلوا عما سواها من أفكار، لا سيما بعد أن جرَّبوها فما حصدوا منها إلا كثرة القتل والدمار، ونشر الخوف والرعب في كل مكان.

 

والمسجد الأقصى تُشدُّ إليه الرحال، فيجب أن تكون طريقه مفتوحة يقصدها المسلمون من كل مكان، كمكة والمدينة، ولا تتحكم فيها حراب الصهاينة الذين يسعون لهدمه وإقامة الهيكل مكانه، وهم في دأب مستمر لتهويد القدس وتغيير معالمها، وحكام العرب والمسلمين في صمت وعجز.. ألا ساء ما يزرون.

 

الإسراء بعد الحصار

ما أشبه الليلة بالبارحة، والتاريخ يعيد نفسه، ويتضح ذلك من تأمل فيما يقع الآن، وربطه بما وقع مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء، فبعد هجرة المسلمين إلى الحبشة رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا أَصَابُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا.. اجْتَمَعُوا وتعاهدوا على مقاطعة بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ وحصارهم.. في شعب أبي طالب، واشتد الحصار، حتى بلغهم الجهد، والتجؤوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع.. وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًّا.. أو من ذوي النخوة والنجدة، أو في الأشهر الحرم.. وكان أهل مكة يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعوا شراءها، واستمر الحال إلى أن نقضها نفر من كفار مكة، ولما أرادوا تقطيع الصحيفة وجدوا الأرضة قد أكلتها إلا (باسمك اللهم)، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله.

 

أليس هذا هو بعينه ما يقع الآن؟!

مَن لأهل غزة، خاصةً بعد صمودهم الأسطوري أمام الآلة العسكرية الصهيونية؟!.. من لهذا الشعب المجاهد والمرابط على أرض غزة أمام المؤامرة الدولية والعجز والشلل العربي؟!

 

إن حصار أهل غزة جريمة كبرى أخلاقيًّا وإنسانيًّا، يشارك فيها الجميع.. إن أصوات نسائهم وأطفالهم من الجوع تصمُّ آذان العالم.. وآهات المرضى والجرحى لا تجد قلبًا رحيمًا يضمد جراحها ويخفف آلامها.. ناهيك عن القتل الذي لا يميِّز، فحَصَد الأطفال والنساء والشيوخ، ومن بقي منهم صار إلى العراء والفضاء.

 

وأما الدمار الذي لحق بالمساجد والبيوت والمؤسسات الوطنية وهيئات الإغاثة الأممية، والإهلاك للزرع والضرع؛ فقد شاهده كلُّ العالم لحظةَ وقوعه، كما شاهدته كل الوفود التي دخلت غزة.

 

ثم أليس من يسعى إلى تخفيف الحصار يفدون إليهم من الغرب، وكثير منهم لا يدين بالإسلام؟! وأليس من يشدِّد الحصار ويُحكم الإغلاق دول الجوار، وهم عرب ومسلمون؟!

 

ولا ندري لمصلحة مَن يُعتقل كلُّ من ساهم في تقديم المساعدات الغذائية والدوائية لأبناء غزة المنكوبين في حرب لم تبقِ ولم تذَرْ؟!.. هؤلاء تلفَّق لهم القضايا والاتهامات ويغيَّبون في السجون والمعتقلات، ومن يبرئْه القاضي الطبيعي يُحيلوه إلى محاكم عسكرية؛ حيث لا توجد أية ضمانات للتقاضي.

 

إن هذا كله يتم استجابةً للمطالب الصهيونية والتعليمات الأمريكية في المنطقة؛ حتى لا يبقى في الأمة من يقف أمام غزوهم وطغيانهم واستعمارهم، وحتى لا تأخذ مصر مكانة الريادة والصدارة التي كانت عليها من قبل.

 

ولا أحسب أن أحدًا ممن قاموا بحركة 23 يوليو أو أحدًا عنده بقية عقل؛ كان يتوقع أن تصل مصر إلى هذه الدرجة من التخلُّف والفساد والقعود عن ممارسة دورها الذي تنتظره منها الشعوب العربية والإسلامية.

 

ومع هذا فإننا نأمل أن يجعل الله لنا مخرجًا، سواءٌ لإخواننا في فلسطين المحاصرين، أو لأهل مصر الذين يعانون من الاستبداد والفساد، أو للمسلمين المضطهدين، كما أرسل الأرضة على صحيفة المقاطعة الظالمة، ولم تبقِ منها إلا اسم الحق وما اتصل به.. وإن ذلك لكائن بحركة الشعوب الحية، وجهاد المسلمين المخلصين في سبيل الحق، وتأييد الله لهم، ووعده بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وما ذلك على الله بعزيز.. والله على كل شيء قدير.

 

فرضية الصلاة في ليلة الإسراء

وحتى يمدَّنا الله بنصره، ويكشف عنا الغمة، ويمكِّن لنا في أرضه؛ لا بد من توثيق الصلة بالله، والسير على طريقه المستقيم بحسن العبادة، وكمال الطاعة والاستعانة به والتوكل عليه، والانقطاع عن غيره، ولا يحقق ذلك للمسلم إلا الصلاة، التي فُرضت في ليلة الإسراء، والتي هي معراجنا إليه سبحانه خمس مرات في اليوم والليلة، فهي تجمعنا على قبلة واحدة وفي صف متراصٍّ، وهذا ما يحبه الله لنا في مواجهتنا لعدونا:  (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف: 4).

 

ثم إنها ركن الإسلام الركين، وعنها قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها، فقد هدم الدين"، يقول الحق جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153)؛ أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تحققون كل فضيلة، وبالصلاة تتجنَّبون كل رذيلة.

 

ثوابتنا في القضية الفلسطينية

إن القدسَ مدينةٌ عريقةٌ بناها اليبوسيون قبل أكثر من خمسةِ آلافِ عام، وأسموها "أورسالم" (مدينة السلام)، وحافظ عليها أبناؤها الذين قَدِموا من جزيرةَ العرب، وعلى الرغم من أن أقوامًا شتى توالَتْ عليها، فقد استمرَّ وجودُ أهلِها الكنعانيين العرب والفلسطينيين، ومن لحق بهم من موجات القبائلِ العربية، وظلوا يعمرونها دونما انقطاع، فهم الذين أعطَوا القدسَ هويتَها العربية، ولا يمكن منازعتُهُم في أيٍّ من حقوقِهِم فيها.

 

ودعوة زعماء الكيان الغاصب ورئيس أمريكا إلى يهودية الدولة الصهيونية؛ تمثِّل الرفض لحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم‏,‏ بل دعوة إلى طرد ما تبقَّى منهم.

 

كما أن في خطاب نتنياهو وأوباما باشتراط الاعتراف بيهودية الدولة لتحقيق السلام خروجًا على الشرعية الدولية، ورفضًا لقرارات الأمم المتحدة،‏ خاصةً القرار رقم ‏194‏ لسنة ‏1949‏ الصادر عن مجلس الأمن‏،‏ القاضي بعودة اللاجئين إلى أرضهم.

 

والأدهى من ذلك أنهم يطالبون الحكام العرب بأن يقرُّوا لهم بكل ما يريدون من باطل، وأن يكونوا أداةً لتسويق هذه العنصرية، وأن يقدموا المزيد من التنازلات في سبيل ذلك، وأن يسرعوا في التطبيع، وأن يروِّضوا شعوبهم على قبول ذلك، ومن لم يقبل فليعملوا على التخلص منه، وكان الأولى بهم أن يتوافقوا مع مطالب شعوبهم التي هي من صميم الإسلام، ولا تخرج عن دائرته.

 

- إن فلسطين والقدس جزءٌ من عقيدة الأمة الإسلامية.. والتفريط فيها تفريط بكتاب الله وحضارة الأمة وعقيدتها.

 

- إن التنازل عن أي جزء منها لليهود أو لغيرهم، بل إن مجرد الاعتراف بأي حق لغير المسلمين فيها؛ ليس ملكًا لشخص أو جهة أو دولة أو جيل.

 

- إن محاولة فرض سلطان غير سلطان العرب والمسلمين على المدينة المقدسة؛ يعدُّ في منطق الحق والعدل والتاريخ إطفاءً لضوء الشمس في وضح النهار.

 

- إن الجهاد فرض على جميع المسلمين لاستردادها، يستوي في ذلك المسلم العربي وغير العربي، فالجميع مطالب بصيانة مقدساته، وفي مقدمتها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه.. وعلى ذلك أجمع علماء المسلمين.

 

- اليهود ديدنهم نقض العهود ونبذ المواثيق؛ فهم لا عهد لهم وما يعقده أحدهم ينقضه الآخر: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100).

 

- اليهود يسعون في الأرض بالفساد وإشعال الحروب، فهم من وراء كل الحروب التي اصطلت وتصطلي بنيرانها البشرية، وهم أساس كل الفساد في الأرض: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64).

 

نداء لحكام العرب والمسلمين..

أيها الحكام العرب المسلمون.. أيها المسلمون في كل مكان.. يا أهل الرباط والجهاد في فلسطين..

اتحدوا فيما بينكم، وانبذوا الخلافات، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين، ولا تركنوا إلى أعدائكم، فلا خير يُرجى من ورائهم..ولا تخافوا من عدوكم: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمرن: 175)، ولا تخشوا بأسهم: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة: من الآية 13).

 

ولا تخشوا الحصار ولا قطع المعونات؛ فالله خير الرازقين، وقد تكفل بأهل الشام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "..إِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ" (أبو داود).

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق: 37).

والله أكبر ولله الحمد.. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.