التاريخ : الخميس 01 أكتوبر 2009 . القسم : رسالة الأسبوع
إلى الطلبة والطالبات.. في عامهم الجديد
رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد..
أنتم صناع النهضة والتميُّز
لقد كتب الله ألا تنتصر الدعوات ولا تنتشر الأفكار، إلا على سواعد الشباب، وتشهد بذلك سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم.. يخبرنا ابْنُ عَبَّاسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ بَدْرٍ "مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"، فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ. (رواه النسائي).
فالشباب اليوم هم أمل أمتنا، وهم الروح التي تُحييها، وهم السواعد التي تبنيها.
والطلاب خاصةً هم صنَّاع التفوق والتميُّز، وأدوات التغيير المنشود، وأسباب النهضة المأمولة، ولذلك جعل الله قلوب الشباب وعاءً للعلم، وجعل العلم مستقرًّا في قلوب الشباب، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب"، ثم تلا قوله عز وجل: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12).
فالأمة في حاجة إلى كل نجاح دراسي على أيديكم، وإلى كل رحلة علم من إبداعكم، وإلى كل تميز وتفوق في اجتهادكم، ومَن أجدر منكم يا طلاب وفيكم الطاقة المقرونة بنور العلم لتغيير مستقبل أوطاننا، وتوجيه العالم نحو طريق الحق والعدل والمساواة.. ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: من الآية 13).
أوجب واجبات الطلاب
وقد طرحت عليكم من قبل عدة أسئلة، واليوم أطرحها ثانيةً، طالبًا من كل شاب وفتاة أن يرسم بإجاباته صورةً واقعيةً لواجباته؛ ليبدأ بعد الوقوف عليها في التحوُّل إلى النهوض واسترداد الحقوق:
* أين شباب العالم الإسلامي اليوم على خارطة التأثير في العالم؟!
* كيف يرى شباب العالم الإسلامي مكانته على خارطة وطنه؟!
* هل ثقافة شباب العالم الإسلامي اليوم ينبوعها هويته الإسلامية أم أنها صادرة عن معين آخر؟!
* ما حجم أمل شباب عالمنا الإسلامي في غده؟!
أليس بإجاباتكم يا طلاب قد أدركتم بُعْدَ واقعنا اليوم عمَّا نأمل أن تكون عليه أمتنا الساعية للتحرر من قيود الاحتلال والاستبداد والفساد والتبعية، وقد نبَّه الإمام الشهيد البنا كلَّ شاب إلى ذلك، فقال: "وحينئذٍ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشاب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه"، وهذا ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من بطولات الشباب حوله؛ فقال: "بُعثت فخذلني الشيوخ، ونصرني الشباب".
واليوم قد حان وقت النصرة لدينكم، دون خوف أو تردُّد، فاستمسكوا بحقوقكم، مهما كان الترهيب عنيفًا، واصدعوا بالحق رغم هذه الأساليب القمعية، وتقدَّموا بأفكاركم غير وجِلين من هذه الأنطمة الديكتاتورية، فإنها إلى زوال، ولن يدوم إلا الحق.
نحو خطواتنا العملية
ومن أوجب واجبات الطلاب في الانصراف إلى الأمة، هذه الخطوات العملية، التي قدمها- ويقدمها- الإخوان المسلمون، فكرةً وعملاً وتحقيقًا.. فهيَّا من الآن؛ من أجل أن يتحقق حلم الإمام البنا وهو يخاطب الطلاب في مؤتمرهم قائلاً: "ندَع ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلى ميدان التنفيذ والتحقيق، فالشرق يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة، والدنيا كلها تأخذ بأسباب القوة والاستعداد.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُوْلُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2-3).
* هيَّا إلى فهم الإسلام الذي هو رسالة إنقاذ للأرض وأهلها، والذي يحمل في طياته السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والقانون، فإن كان غير ذلك فما هو إذن؟ وقد أجاب الإمام البنا أمام الطلبة قائلاً: "أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر؟ أم هذه الألفاظ؟ ألهذا نزل القرآن نظامًا كاملاً محكمًا مفصلاً؟! ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمْيَن﴾ (النحل: من الآية 89).
* هيَّا إلى الإصلاح والتمسك به مهما كانت العقبات؛ فهو حكم الله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: من الآية 50)، وقد أرشدنا إلى ذلك قدوتنا صلى الله عليه وسلم، حينما قال: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وبذلك فمحال أن نسير لغاية غير غاية الإسلام، أو نعمل لفكرة غير فكرة الإسلام الحنيف.. ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 138).
* هيَّا إلى الجهر بدعوة الإسلام، لتكون هي الصوت العالي، فهذه هي طبيعتها التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فهل نحيد عنها؟ أم لا بد أن تمتزج بأعصابنا ودمائنا وأرواحنا وعقولنا، فنكون كالجيل الأول الذي حمل هذه الأمانة وصدع بها.. رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار.. أخلاَّء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، وأبناء العلم، وجنود الدعوة، وصنَّاع الحضارة التي ساحت في آفاق الأرض، تحرِّر الشعوب، وتعلِّم الناس، وتغرس الفضائل، فكونوا رسل سلام في مدارسكم وجامعاتكم حتى تكون هذه المعاني حيَّةً في نفوس زملائكم وأساتذتكم وأهليكم.
* فأنتم يا شباب من يحافظ على استقلال الأمة وحريتها، ويُعيد مجدها وكرامتها، ويسترد عزتها وسؤددها، لتحتلَّ مكانتها السامية بين الأمم، ومنزلتها الرفيعة بين شعوب الأرض، ولتخليصها من الاحتلال البغيض في فلسطين، الذي ينتهك مقدسات الأمة، ويسعى اليوم لتهويد القدس وهدم مسجدنا الأقصى، أو الاحتلال المهين في العراق وأفغانستان، أو القهر المشين في كشمير وتركستان، أو الضعف العام في سائر بلدان الأمة، والمتمثل اليوم في قتل المسلمين بعضهم بعضًا، واعتقال الأحرار والشرفاء، وتقييد الحريات، وتزوير الانتخابات، والاستئثار بالحكم بلا عقل وبلا ضمير.
وليس الطريق إلى تحقيق ذلك إلا باستعداد العدة، واستكمال الإعداد.. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، وبذلك تستفتحون عهدًا جديدًا نحو بناء أمتنا، وهذا يستلزم تعاونَ الجهود، وتوافرَ القوى، والانتفاعَ بكل المواهب، والعملَ الجادَّ في كل النواحي، فلا تصرفوا جهدًا إلا لتحقيق هدفكم.. لإنقاذ شعوبنا اليوم، وقد باتت تمتلك الحيوية، وأصبحت على استعداد لتقديم ما تملك من نشاط، ولكنها في حاجة إلى من يوجِّهها.
* وبذلك تمهِّدون السبيل للانتقال من الضعف والفقر والجهل والرذيلة، التي يكرِّسها الذين لا يريدون صلاحًا أو إصلاحًا، ويفسدون في الأرض، فلا تعيروهم اهتمامًا؛ فأنتم تصنعون النهضة، وواجهوهم بالحكمة، والحكمة تقتضي عدم التوقف أو التقهقر أو الارتداد؛ فإن منعوكم من التعبير عن رأيكم بالمظاهرات فعبِّروا عنها في الفضائيات أو عن طريق الإنترنت، أو الرسائل بأنواعها المختلفة، أو الصدْع بها في أقاربنا وأصدقائنا ومراكز المجتمع ونواديه، أو مخاطبة أهل العقل والفكر والثقافة، فدعوتنا لا تعرف هدمًا أو تخريبًا أو تزويرًا أو تكسيرًا، بل سلمًا وأمانًا وبناءً وإصلاحًا.
* وكونوا جبهةً طلابيةً واحدةً، فهي الكفيلة باستعادة الحقوق، واحذَروا التفرُّق والتشرذم، فالعدو المتربِّص بكم ينتظر تمزيقَ الجهود، وتشتيتَ الأعمال، واختلافَ الآراء، وتصارعَ الشئون، وتقطيعَ الصلات، وتنابزَ الوجهات، فالمستقبل يلحُّ عليكم إلحاحًا صارخًا فيكم، بالعمل والسير بأسرع ما يمكن من خطوات، وعرض دعوة الإسلام، في إيمان عميق، وبرهان وثيق، واعتقاد جازم، وليكن شعاركم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24).
وأخيرًا..
اعلموا أن الله معكم ما دمتم قد علمتم واجباتكم، وأدركتم جلال دعوتكم، وأخلصتم دينكم لله تعالى؛ فأنتم قوةُ الأمة، وطاقتها الدافعة، وتقدُّمها العلمي، وعلامةُ وحدتها، وصلابةُ وطنيتها، وأملُ مستقبلها، وأمانُ حاضرها.
فانتظروا ساعة الفوز، وترقَّبوا وقت الانتصار.. ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4-5).
والله أكبر ولله الحمد
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين