التاريخ : الخميس 09 سبتمبر 2010 . القسم : رسالة الأسبوع
تهنئة ووصية
رسالة من: أ. د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه... أما بعد:
فنتقدم بخالص التهنئة لجميع المسلمين في كافة أنحاء العالم بحلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعلى سائر المسلمين، ونحن جميعًا إلى الله أقرب، وعلى طاعته أدوم، وأن نكون ممن عفا الله عنهم، وكتب لهم عتقًا من النيران، كما نسأل الله أن يعيده علينا وعلى الأمة العربية الإسلامية، وقد تحررت أوطاننا، وتطهرت من المحتلين، وصار أبناء الأمة أحرارًا في بلادهم، وعادت فلسطين إلى أهلها، وفرحوا مع باقي الأمة بالصلاة في المسجد الأقصى، كفرحتهم بالصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وما ذلك على الله بعزيز..
أيها المسلمون في كل مكان:
العيد فرح بالطاعة:
للمسلمين في عامهم عيدان، الفطر والأضحى، وكلٌّ منهما يكون بعد تأدية ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه، في إشارة واضحة بأن فرح المسلم يكون بالطاعة أكثر من فرحه بكل ما يجمع من الدنيا، وأساسهم في ذلك قول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58).
ها هو الضيف الكريم الذي أمتع المسلمين أيامًا معدودات بطلعته المشرقة وأوقاته المملوءة بالخير والبر يرحل عنا، وودعه كل منا بطريقته.. فهل سيكون لنا فرحة في الآخرة كما فرحنا بالفطر في الدنيا فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" (البخاري).
فرح المسلم كل يوم عند حلول ساعة الإفطار، وفرح في آخر الشهر بانتهاء شهر الصيام، ومن ثمَّ يكبر الله ويحمده على هدايته وتوفيقه للطاعة قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 185) أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم.
وكذلك يكون ذكره لله بعد الانتهاء من تأدية فريضة الحج قال الله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ (البقرة:200) كما أمرنا بأن نكثر من ذكر الله بعد صلاة الجمعة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة:9–10) بل وبعد تأدية فريضة الصلاة أمرنا بالذكر، قال الله تعالى:
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء:103) ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات، وقال ابن عباس: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله وسلم إلا بالتكبير.
أيها الأحباب الكرام في كل مكان:
إن فرح المسلم يكون بطاعة الله، وكلما وفقكم الله إلى طاعة، كبِّروا الله واحمدوه، ولعل هذا هو السبب في أن "الإخوان المسلمون" كلما وفقهم الله إلى طاعة، أو جمعهم على ذكر ودعوة، كان هتافهم "الله أكبر ولله الحمد"..
لأجل ذلك فاحرص أيها المسلم أن تعمر وقتك بالطاعات، فلا تتم عملاً لله إلا وتشرع في آخر، ولا تفرغ أيها المؤمن من فعل خير إلا وتنصب إلى خير آخر، وأنت بذلك تجعل كل أيامك عيدًا، بل كل ساعات يومك عيدًا يملؤه الفرح ويغمره السرور، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وبين الطاعة والطاعة لا حرج في أن تفرح بمباح اللهو، فلم يحرم ذلك الإسلام.
إلى الأحرار في السجون:
نتقدم بخالص التهنئة لأحبابنا الأحرار في سجون مصر والاحتلال الصهيوني والعراق وغيرها، ونسأل الله أن يفك أسرهم، وأن يطلق سراحهم، وأن يسعدوا في العيد مع آبائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم وبناتهم، وجميع إخوانهم وأن يجعل ما لاقوه وما يلاقوه في ميزان حسناتهم جميعًا.
وإلى الأحرار في فلسطين:
كما نتقدم بخالص التهنئة إلى إخواننا المجاهدين في فلسطين من البحر إلى النهر، ونسأل الله لهم الثبات، وندعوه أن يربط على قلوبهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يوحد صفهم، في مواجهة الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، كما ندعوه أن يفيض عليهم من خيراته وبركاته، وأن يمدهم بجند ونصر من عنده، وإننا لنشد على أيديهم، قائلين: لا طريق لاسترداد الوطن المغتصب إلا بالجهاد والمقاومة، ونهيب بهم أن يتحدوا فيما بينهم، وأن يقفوا صفًا واحدًا في جهادهم لعدوهم، وأن يطمئنوا إلى أن كل الشعوب الحرة تساندهم وتدعمهم، واعلموا أيها الأحباب أن صمودكم وصبركم وجهادكم حرَّك أصحاب الضمائر الحية والحرة من المسلمين وغير المسلمين، وأن نصر الله قريب، والله أكبر ولله الحمد.