التاريخ : الخميس 28 ابريل 2011 . القسم : رسالة الأسبوع

دعوة لليقظة والبناء


رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه، وبعد..

 

استمرار التطهير

فلا تزال الثورة المصرية المباركة تؤتي أكلها، وتقدِّم برهانًا عمليًّا على قوة هذا الشعب العظيم وحيويته وتحضُّره، وعلى أنه لا يزال متمتعًا بكل عناصر القوة والصحة والسلامة التي تبشِّر بمستقبل أكثر إشراقًا على المدى القريب بإذن الله تعالى، وقد رأينا قضاء مصر الوطني الشامخ يقضي بحل حزب الفساد والمفسدين، ويأمر بإعادة ما اغتصبه من أموال وعقارات إلى الدولة، ولا يزال هذا الشعب العظيم مهتمًّا بملاحقة رءوس وفلول الفساد التي قعدت بالأمة عن النهوض عقودًا طويلةً، وسعت في تدمير الشخصية المصرية العربية القوية لصالح أعداء الأمة مقابل منافع شخصية ومصالح ذاتية.

 

ومن المهم أن تستمر عملية التطهير في طريقها، وأن تبقى هذه اليقظة الشعبية وهذه الملاحقة القضائية العادلة قويةً؛ حتى لا يتمكَّن فلول النظام البائد من الإفلات بجرائمهم، أو تدمير ما بين أيديهم من وثائق تكشف عن فسادهم وتخريبهم، أو الاستمرار في تهريب ما اغتصبوه من أموال هذا الشعب.

 

وفي هذا الصدد، فإننا نلفت نظر المسئولين والقائمين على أمر البلاد إلى ضرورة المتابعة الجيدة والجادة، لما يدور بين رءوس الفساد المحبوسين معًا في سجن واحد وبين أعوانهم ممن لا يزال حرًّا طليقًا وبين الرءوس الهاربة إلى الخارج؛ إذ لا شك أنهم لا يفتؤون يحاولون رصَّ صفوفهم وتنظيم عملياتهم؛ في محاولة يائسة للالتفاف على الثورة، ومحاولة التخلص من كل وثائق الإدانة.

 

إلى المستقبل لبناء نهضة الأمة

لئن كنَّا حريصين كلَّ الحرص على استمرار الثورة في عملية التطهير؛ فإن هذا لا يعني مطلقًا أن نقف عند هذه القضية المهمة، بل ينبغي أن ننطلق لتحقيق الرسالة التي قامت الثورة من أجلها، وهي رسالة النهوض بهذا الوطن، وإقامة الدولة الحرة الحديثة التي ضحَّى الشهداء والمصابون بدمائهم في سبيلها، ودفع الأحرار والشرفاء من حرياتهم وأعمارهم وأموالهم في سبيل الوصول إليها؛ مما يوجب العمل على استقرار أمور الدولة، وإعادة عجلة النشاط العام والنشاط الاقتصادي للدوران، ويوجب إزالة كل العوائق التي تحول دون الإسهام في هذا المشروع الكريم، ويوجب على كلِّ حرٍّ شريفٍ مخلصٍ لهذه الأمة أن يتقدم ليحمل نصيبه من العمل فيه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية 2)، وفي هذا الصدد فإننا ندعو إلى ما يلي:

 

* أن تتجاوب الحكومة مع مطالب الثورة والشعب فيما يخص تعيين المحافظين، فليس من المنطقي أن تتم هذه الحركة بذات الطريقة التي كانت تتم بها في العهد الفاسد، وأن يتم التعيين لذات الوجوه التي أسهمت في الفساد السابق؛ مما يوتِّر الأجواء ويستفزُّ الشعب ويعطِّل المصالح ويضر بهيبة الدولة التي نحرص عليها.

 

* أن يتم الإسراع بحل المجالس المحلية التي هي أحد أهم أوجه الفساد الذي أغرق النظام البائد مصر فيه.

 

* أن توجد الإرادة الحقيقية لتعمير وتنمية سيناء بشمالها وجنوبها بصورة حقيقية، وعمل مشروع قومي لتعمير وتنمية سيناء؛ ليحسن استثمار ما تزخر به سيناء من ثروات معدنية، واستغلال ما تزخر به من مياه جوفية هائلة؛ لاستزراع ملايين الأفدنة، وتحقيق التنمية الشاملة لهذا الجزء الغالي من البلاد الذي يقف حارسًا لحدود مصر الشرقية.

 

* دعوة المصريين في الخارج إلى الإسهام في بناء الوطن، واستثمار خبراتهم المتنوعة وأموالهم المدخرة في بناء ونهضة هذا الوطن العزيز، وعلى الحكومة أن تضع الضوابط والضمانات لجذب رأس المال المصري والعربي، وتوفير أسباب نجاح المشروعات الجادة.

 

* دعوة رجال الأعمال العرب والمسلمين إلى الاستثمار في المجالات المختلفة في مصر الحرة الخالية من الفساد، والممتلئة بالفرص الواعدة والمبشرة لكل مستثمر جاد، وفي هذا الصدد فإننا نقدِّر الجهد الذي تقوم به الحكومة في إعادة تنشيط العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار، ونثمِّن الزيارات المتكررة للدول العربية، وندعو إلى استكمال استعادة دور مصر العربي والإقليمي الذي أهدره النظام السابق.

 

* شكر المجلس العسكري والحكومة المصرية على استعادة دور مصر الطبيعي والرائد في رعاية وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بين الأشقاء الفلسطينيين، ونطالب المسئولين بفتح معبر رفح مع أشقائنا في غزة فتحًا دائمًا، والعمل على إنشاء منطقة تجارة حرة في منطقة رفح، فهذه مكانة إخواننا الفلسطينيين منا، ومكانة مصر من أمتها العربية ودورها بين أشقائها.

 

* دعوة الحكومة المصرية إلى مزيد من الاهتمام بالبعد الإفريقي، وبخاصة دول حوض النيل، وندعو الأزهر الشريف والكنيسة المصرية إلى دعم الموقف المصري في إفريقيا.

 

* ندعو الشعوب والحكومات العربية والإسلامية إلى دعم حركة الشعوب التواقة إلى الحرية في ليبيا واليمن وسوريا، ونأمل أن يكون لدى حكام هذه البلاد الحس الوطني والإنساني الذي يدفعهم إلى تقديم مصالح الشعوب والأوطان على أي مصالح أخرى؛ لأن الشعوب والأوطان هي باقية وهم زائلون، وكذلك أن يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم من مقدرات البلاد وحقوق العباد، وليختاروا إما أن يدعو لهم رسول الله صلى الله عليهم أو يدعو عليهم؛ لأنه القائل: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ"، ونذكرهم بأن الشعوب التي تخرج مطالبة بحقوقها الطبيعية في الحرية والعدالة لا يمكن أن تعود أدراجها ما لم تحقِّق الأهداف التي خرجت من أجلها، وبأن الدماء البريئة التي تسفكها النظم المستبدة؛ تزيد الثورة اشتعالاً، وترفع من سقف مطالب الثوار، وأن الظلم مهما طال به الزمن فهو إلى زوال (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (إبراهيم: من الآية 42).

 

* نطالب الحكومة بإعادة بناء العلاقات المصرية مع مختلف دول العالم على أساس الندية والشراكة؛ بما يحقق مصالح مصر العليا، كما أن عليها أن تعمل بمنتهى الجد على متابعة الأموال المنهوبة التي هربها رؤوس الفساد في النظام السابق إلى الخارج، وتشكيل اللجان القانونية المتخصصة لاستعادة هذه الأموال التي هي حق لهذا الشعب.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.