التاريخ : الخميس 05 مايو 2011 . القسم : رسالة الأسبوع
فلسطين في عهد جديد
رسالة من: أ. د/ محمد بديع- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه، وبعد..
مصر وفلسطين روح واحدة
إن من أهم مكتسبات الثورة المصرية أنها فجَّرت ينابيع الحرية والعزة والكرامة، لدى شعوبنا العربية والإسلامية، وأعادت إليها الإحساس بالأمل من جديد، وأعطتها نموذجًا راقيًا في قدرتها على انتزاع حريتها ودحر الطغاة، خاصةً فيما نراه من صحوة حقيقية لقيام الأمة بدورها نحو قلبها النابض (فلسطين)، حتى تحقيق التحرير الأكبر لأوطاننا الإسلامية، من كل سلطان غاشم ظالم قاهر، وإقامة أنظمة عادلة رشيدة.
ومن ثم فلا غرابة في أن تجمع الروح الواحدة بين الشعب المصري في ثورته، وبين مشاعر المواطن الفلسطيني الثائر في داخله، فألهبته قوةً على قوة، فكانت فلسطين كلها صوتًا واحدًا للثورة المصرية، التي كانت الصدمة السريعة المباشرة لكل التحديات التي تحاصر أمتنا العظيمة، فقد اكتسبت القضية الفلسطينية بعدًا جديدًا بعد الثورة المصرية؛ أن التغيير لا محالة قادم، ومحقق أهدافه، إذا توحَّد الجهد الشعبي لاستعادة الحرية والعزة، دون نظر إلى اعتبار تنظيم بعينه أو فصيل أو أيدلوجية، وباتت الأولوية في الاهتمام بجيل ثوري جديد مثقف، يحمل تبعات التحرير، ويستطيع أن يتعامل مع التحديات المضادة ويحتويها، بل ويجهضها، كما فعل الشعب المصري بثورته المباركة؛ ليعلن بكل قوة أن التضامن الشعبي إذا ارتفع عن الانتماء الشخصي يُحدث حراكًا شعبيًّا وسياسيًّا، يمهِّد الطريق لحياة طيبة كريمة.
مصر وتحرير فلسطين
إن مصر التي هي مفتاح أمتنا العربية ومرآة عافيتها؛ ها هي اليوم وقد استردَّت صحتها، تعيد بإذن الله تعالى- الذي أسقط النظام البائد- المشروع المستقبلي لتحرير القدس، بعد إغلاق أبواب فلسطين بالجدران الفولاذية والإسمنتية، رغمًا عن معاناة أهلنا من حصار ظالم، وعن أنينهم من حمم الترسانة العسكرية الصهيونية المحرمة دوليًّا، فقد أثمرت الثورة عودة مصر إلى دورها العربي بعد أن كان النظام البائد يهددها بالتفوق الصهيوني المزعوم، وبامتلاك السلاح النووي الذي احتكره الصهاينة في المنطقة، يوم أن تخلَّى الجبناء المستهترون بأوطانهم عن الحق الأصيل.
إن من حق الجماهير الغفيرة التي خرجت بالملايين في ثورة سلمية، يحميها جيشها البطل، الذي أوفى- وما زال- بالقيام بدوره التاريخي في حراسة الوطن وحماية ثورته، أن تتصدَّى لكل إفساد لَحِق سابقًا بقضية فلسطين، وإن من حقها كذلك وقد توحَّدت على هدفها الثوري في التغيير الذي قدمت في سبيله، من التضحيات الجسام، والشهداء الأبرار؛ أن تقف اليوم الموقف الجاد من قضية الأمة الإسلامية، في حق الشعب الفلسطيني بأن يتحرر كبقية شعوب العالم، بل من حق الثورة المصرية الآن أن تنادي بتحرير كل شبر من أرضنا الإسلامية: في العراق وأفغانستان كما هو موقفها من فلسطين، سواء بسواء.
الشعب الفلسطيني والمرحلة الجديدة
لم تكن الثورة المصرية ثورةً على النظام فحسب، وإنما ثورة داخلية على القمع والإذلال والتخويف والتجويع والتيئيس، وثورة خارجية بالمكانة الرائدة في الالتحاق بالعمق العربي وأداء الدور القومي، بعد ثلاثين سنةً ظلت مرهونةً بسياسات المشروع الأمريكي الصهيوني وكامب ديفيد الاستسلامية، وتشهد على ذلك الفضائح المخزية التي ظهرت من عقود بيع الغاز للعدو بخسارة سنوية تبلغ 3 مليارات دولار، قياسًا بسعره في السوق المصرية والسوق العالمية، فالشعب الفلسطيني الذي ابتهج لثورة إخوانه المصريين في كسر حاجز الخوف والتسلح بالجرأة والجسارة، وتحشيد الملايين في الشارع، هو اليوم في مسيس الحاجة إلى التضامن والمصالحة والتعبئة من أجل التغيير وصنع التاريخ الذي يشهد بأن الأمة ما زالت في كامل عافيتها، وليس كما تصوره الأنظمة القمعية بأنهم إرهابيون لا يتقنون سوى تفجير أنفسهم، أو أنهم خاملون لا يسعون لاسترداد حريتهم، وبذلك فالشعب الفلسطيني بإمكانه اللحظة أن يعلن عن بداية مرحلة جديدة للنهضة العربية، تتسارع فيها الخطى لتحرير فلسطين والأوطان الشقيقة المحتلة، فالأرض خلقت حرةً وقد وُلدنا أحرارًا، فالحرية هى الأصل، ولأن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية الإيمانية القرآنية (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء: من الآية 7) فنحن على يقين من أن الله بالغ أمره ولكن قد جعل الله لكل شيء قدرًا.
فماذا بعد؟!
ماذا بعد أن أصبح الاعتبار الأسمى للخيار الثوري؟ وماذا بعد أن أصبح الاعتلاء لتوازن القوى؟ وماذا بعد أن بات الشعب والجيش يدًا واحدة؟ نعم.. لن تكون الحماية للصهاينة بعد اليوم، ولن تبقى فلسطين دون ظهيرها القوي مصر، ولن تبقى غزة محاصرةً أو متسولةً، وبهذا الأمل تعود الثقة بالنفس لدى الشعب الفلسطيني نحو ترتيب البيت الداخلي، في إطار تصالحي فوق القوى والفصائل، وبهذه الهوية الوطنية الواحدة كما رأينا تنهض الشعوب وتنهار الأنظمة المستبدة، فالحكام زائلون، والشعوب باقية، وفوق الجميع الحق تعالى؛ أمره نافذ، وقضاؤه ماضٍ، في نصرة أهله واسترداد حقوقهم المسلوبة، واستعادة عزتهم المغلوبة، وثرواتهم المنهوبة.
ماذا بعد هذا الخوف والذعر الذي أصيب به الصهاينة من المصالحة بين فتح وحماس، والذي هو في الحقيقة خوف من مستقبل القضية الفلسطينية وملف الصراع الذي بات مهددًا بالثورات الوطنية، إلى الحدِّ الذي يعلن فيه نتنياهو أنه لا يمكن إبرام سلام مع كلٍّ من حماس والصهاينة في آنٍ واحد، مبررًا ذلك بأن حماس تطمح لتدمير دولته المزعومة! وما ذكرته إذاعة الجيش الصهيوني من تحريض على الانقسام بأن أبا مازن بدأ يلعب بالنار من خلال مصالحته مع حركة حماس وأن السلطة الفلسطينية تلجأ إلى التطرف، هذه النغمة التي عفا عليها الزمن، بل على أمريكا أن تعي أن العالم قد تغير، فما زال موقفها يحذر من أن حركة إرهابية- تشير إلى حماس- ستكون جزءًا من السلطة الفلسطينية!.
ماذا بعد أن وقف المجلس العسكري موقف الداعم في تصفية الأجواء لصالح القضية الفلسطينية، بعد غياب متعمَّد من النظام البائد؛ الذي عجز عن الاقتراب من الحلول، فقد حقق المجلس العسكري في خطوة جريئة إنهاء حالة الانقسام والتوقيع على المصالحة من الجانبين، وهو إنجاز جديد لمصر ممثلةً في مجلسها العسكري؛ الذي يسعى على تهيئة الأجواء أيضًا لفتح معبر رفح بصفة دائمة بعد طول إغلاق، حرم الأمة من 3 مليارات من تجارة حرة، فيها الضمان في أن تعود أرباح العرب للعرب، فالاستثمارات بدلاً من أن تكون حربًا على الأمة تصبح سندًا لاقتصادها، وزيادةً لحجم التبادل الداخلي؛ ما ينعش حياة الشعوب ويرفع من مستوى معيشتها، ولذلك كانت الفرحة الفلسطينية تعني أن العقبة التي وقفت أمام المصريين وهم يدعمون فلسطين قد زالت، وها هي تتوالى بوادر قرارات المجلس العسكري يومًا بعد يوم.
ماذا بعد أن كانت القضية الفلسطينية محاصرةً (في معاهدة كامب ديفيد، والتطبيع، وتصدير الغاز للصهاينة، والتواطؤ مع العدو في الصمت المخزي للعدوان على غزة وحصارها وتجويعها، وإقامة الجدار الفولاذي على حدودها، والسماح للصهاينة بالدخول بلا تأشيرة، بينما يقول وزير الخارجية في النظام البائد إنه لن يسمح بأن يمر فلسطينيٌّ سليمًا دون أن يكسر قدمه، وكانوا يقومون باعتقال المقاومين وإغلاق معبر رفح، وغير ذلك من جرائم النظام المخلوع)؛ إلا أن نطالب بصوت قويٍّ بـ: وقف قضية التطبيع التي أدت إلى استقرار عدونا، وإنهاء قضية تأمين حدود الصهاينة، وقتل المتسللين إلى العدو، وإلغاء قضية المصالح الاقتصادية، مثل الكويز، وتصدير الغاز التي عادت بالخسارة على أمننا القومي، والعمل الحثيث على إتمام فتح معبر رفح بشكل دائم، وإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد لتُعرض على مجلس شعب منتخب انتخابًا حرًّا؛ ليقول رأيه بعد أن حرم من هذا الحق سنين، وحماية إنجاح المصالحة الفلسطينية، فإذا كان الاحتلال لا يفهم إلا منطق القوة، فليكن الفلسطينيون أقوياءَ، ومصدر هذه القوة اليوم هي في المصالحة والتوحُّد لإنهاء حالة الانقسام، ثم في الانتفاضة الشعبية التي تُنهي حالة الاحتلال، وعودة الأقصى الحبيب، وما ذلك على الله ببعيد!.