التاريخ : الخميس 14 يوليو 2011 . القسم : رسالة الأسبوع
القيم ودورها في بناء الأوطان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد... الحاجة إلى القيم للقيم أهمية عظيمة في حياة الأوطان والمجتمعات بكل أطرافها، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقى والأمان، ويحظى بالاحترام والنهضة في آنٍ واحد، وما ذلك إلا من ثمار هذه القيم، سواء كانت ما يُعرف منها بالعليا: كالحق والحرية والعدل والصدق والأمانة والإحسان، التي تجعل من الفرد إنسانًا سويًّا مشاركًا في البناء بإيجابية، ملتزمًا بالحقوق والعدل بصدق ومسئولية، قائمًا بحق الله وحق الناس في دافعية وذاتية، مبادرًا بالعمل لنهضة وطنه وأمته، وهذا من أهم أسباب استقرار حياة الفرد ونمائه، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل: من الآية 97). أو ما يُعرف من القيم بالحضارية: كالشورى والمساواة والعمل والتعاون، التي تكشف عن مدى تقدم الأوطان، وتضبط سلوك أبنائها، سواء كانوا حكامًا أو محكومين، أنظمةً أو شعوبًا، حكوماتٍ أو مواطنين، فالتزام كل هذه الأطراف بالتعاون والوحدة، يجعل الوطن متماسكًا قويًّا، تنتشر في ربوعه علامات الأمن، وتتمكن في جنباته آيات السلام، يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: من الآية 2). ميزان القيم إن ما نصبو إليه اليوم من وحدة الأمة وجمع لصفوفها، واحترام لإرادة الشعوب وممارسة لحقوقها، وتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي لها، يستوجب علينا جميعًا، أن نتفق على التلاقي بصدقٍ على ميزان عادل: يعلو على العصبية والأنانية والفردية، روى أبو داود في سننه قول النبي: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَصَبِيَّةً، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ". يرتب الأمور بما يصون للشعوب حقوقها المشروعة، في حدود القواسم والحاجات والمصالح والواجبات المشتركة، إلى أفضل وأعدل الدساتير والقوانين الواعية النافعة، التي تحقق خيرَ الوطن والمواطنين، وخيرَ الإنسانية جمعاء. يبني مستقبل مشرق لأوطاننا ومواطنينا، الذين أثبتوا للعالم عميق حبهم لبلدهم، بفطرتهم النقية، وعملهم بتعاليم دينهم، ووعيهم بمسئوليتهم في خدمة أمتهم بتجرد وإخلاص. فلماذا لا نجهر بالميزان الذي يوحدنا، وهو في أيدينا؟ ولماذا لا نبدأ بالعمل به وقد توحدت عليه قلوبنا؟ يقول تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: من الآية 25)، وبهذا الميزان يستوي الكبير والصغير، والغني والفقير، والقويّ والضعيف، والقريب والبعيد، والصديق والعدوّ، ومن تحب ومن تكره؛ لأنه ميزان من عند ربِّ الخلق والمخلوقات والأكوان الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يحابي أحدًا، ويقول سبحانه وتعالى: (آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ) (النساء: من الآية 11)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) (المائدة)، وهذا هو دين الله وشرعه، يقول ابن القيم: "إنّ الله- عزَّ وجلَّ- أرسلَ رسلَه، وأنزل كتبَه، ليقومَ الناسُ بالقِسْط، وهو العدل الذي قامت به الأرضُ والسماواتُ؛ فإذا ظهرت أمارات العدل، وأشرق نوره بأيّ طريق كان، فثمَّ شرعُ اللهِ ودينُه"، حتى إنه سبحانه- من استقراء سننه في التداول - يقيم الدولة الكافرة العادلة ويزيل الدولة المسلمة الظالمة. نحو تأصيل القيم أولاً: مساندة شعوب الأمة: في تحررها من الاستبداد والقمع والديكتاتورية، بعد أن تراجعت الوطنية والقيم على يد حكام يدَّعون الحرص والعمل من أجلهم، في حين أن هذه الشعوب اكتشفت زيفهم الفاضح وخيانتهم الجلية، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى في تحررها من كل أوجه الاحتلال والهيمنة والتقسيم والتخريب والفوضى، خاصةً بعد ما أعلنه خبراء المشروع الأمريكي الصهيوني، من أن الحرب القادمة ستكون ثقافيةً؛ أي بمعنى العمل على انحسار القيم، ولذلك فإن من مهامنا الحاضرة إعادة النظر بقيمنا وإعادة صياغتها وفق الثوابت التي لا يختلف عليها اثنان، بحيث تضمن تربية الجيل بشكلٍ سليم يعيد له حيويته وقدرته على العطاء والعمل، من أجل حماية حقوق الأمة. ثانيًا: إعلاء شأن الوطن: وليس ثمة طريق للنهضة إلا بالالتزام التام بالتجمع حول القيم الثابتة، من وحدة الصف، والعمل والإنتاج، والصدق والأمانة، واحترام إرادة الشعوب، وغرس الحرية والعدالة، ما يجعلنا نقول لمَن أحسن أحسنت، ولمن أساء أسأت ونقدم له الصواب، ونحثه على تطبيقه، وأما مَن أبطأ وتأخَّر فندفعه ونساعده ونرشده وندعو له، وهذا من ثوابت الإخوان المسلمين، وهم يشاركون الوطنيين في بناء مصر الحبيبة، (وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ) (المائدة: من الآية 2). ثالثًا: التصدي لأعداء الأمة: الذين يفاخرون بأنهم كانوا أساسيين في تلاشي العراق كقوة إقليمية وبلد متحد ومن يرفعون شعار "لا سلام مع الفلسطينيين لسنوات عدة"، وكلها تعتمد على ضعف الأمة وليس على قوة أعدائها. وإنما قوة الأمة في التزامها بالقيم، يقول الله تعالى: (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: من الآية 60)، ولا أدل على ذلك من القرصنة الصهيونية تجاه قافلة الحرية (2)، متحديةً ممثلي 44 دولة من أنصار الحرية مسلمين ومسيحيين ويهود جاءت لرفض تجويع أهلنا بغزة، بل وصل الإجرام في الضغط على اليونان؛ لمنع إبحار قافلة الحرية، مخالفةً في ذلك كل العهود والمواثيق الدولية، بل وصل الأمر لتخريب بعض سفن القافلة. إننا جميعًا في أمسِّ الحاجةِ لإعلاء منظومة القيم الأخلاقية التي تقودنا نحو مستقبلٍ مشرقٍ لأمتنا ولشعوبنا، ولنستعيد أمجادنا التي أهدرها الظلم والطغيان الذي تعرَّضنا له على مدى سنوات طوال.. لنتعاون جميعًا على ترسيخ هذه القيم في نفوسنا وواقع حياتنا. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد
رسالة من: أ.د. محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين