التاريخ : الخميس 15 سبتمبر 2011 . القسم : رسالة الأسبوع

أكذوبة الإرهاب الإسلامي


رسالة من: أ.د. محمد بديع- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد..

في الحادي عشر من سبتمبر 2011م تطالعنا ذكرى مرور عشر سنوات على تلك الأحداث التي غيَّرت وجه العالم، جاءت هذه الأحداث مع وصول الجناح المتطرف والمُسمَّى "المحافظين الجدد" إلى سدَّة الحكم في أمريكا، ولم يَمْضِ على دخول بوش الابن البيتَ الأبيض سوى بضعة أشهر حتى وقع الحدث.

 

ولأن اليمين المتطرف كان مستغرقًا بالكامل في ذلك الحين في إعداد الخطط الكفيلة بتمكين أمريكا من فرض هيمنتها على العالم أجمع طوال القرن الحادي والعشرين؛ إذ كانوا يصرُّون على أن يكون هذا القرن "قرنًا أمريكيًّا" خالصًا.. فقد صُمِّمت أحداث سبتمبر لتمنح هذا التيار الفرصة الذهبية لإطلاق الآلة العسكرية دون ضوابط لإحكام السيطرة الأمريكية على العالم تحت ستار (الحرب على الإرهاب)، وكان العالم الإسلامي هو المستهدف بهذه الحرب.

 

كانت الرؤية الغربية تجاه العالم الإسلامي أسيرة نظرتَيْن سادتا في ذلك الوقت: الأولى نظرية (صدام الحضارات)، والتي تبنَّاها بوش شخصيًّا، واعتمد عليها في الهجوم على العالم الإسلامي، والأخرى نظرية (نهاية التاريخ)؛ فقد اتفقت النظريتان على اعتبار الإسلام هو الخطر الأكبر والوحيد الذي يواجه البشرية الآن، ومن ثم التحريض على الهجوم على العالم الإسلامي وضربه قبل أن يستفحل خطره.

 

كانت فكرة (محور الشر) واتهام دول بعينها، مثل العراق وأفغانستان، بأنها دول شريرة، واتهام "القاعدة"؛ الشرارة الأولى التي ارتكزت عليها أمريكا لتبدأ المواجهة باحتلال أفغانستان، ثم العراق، لترتكب أمريكا أكبر جريمة عسكرية وأخلاقية انتُهكت فيها حقوق الإنسان في سجنَيْ "جوانتانامو" "وأبو غريب"، وفي السجون المتنقلة والطائرة عبر العالم، والتي كان المعتقلون يُنقلون إليها ليتولى بعد ذلك العملاء من الحكام الطغاة مهمة تعذيبهم بل وقتلهم بالوكالة عن أمريكا.

 

إن الإدارة الأمريكية وهي تحيي ذكرى أحداث سبتمبر، أخذت تُعدِّد خسائرها البشرية والمادية، وتقدم الإحصاءات والأرقام، ونحن كذلك نقدم مثالاً لا حصرًا من ملف النكبة الفلسطينية التي تسببت بها أمريكا؛ فالركام والحطام والدمار الناجم عن تحطيم الاحتلال الصهيوني المرافقَ الفلسطينية؛ يفوق مئات المرات نظيرتها الناجمة عن تدمير برجَيْ مركز التجارة في نيويورك- مع رفضنا التام للحادث- فإذا أضيف إليها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين والمنفيين من وطنهم، علاوةً على حقيقة الحقائق، وهي أن الشعب الفلسطيني صار بلا وطن ولا أمن ولا سلام ولا حرية؛ صارت الكارثة الفلسطينية هي كارثة العصر.

 

إننا نطالب الإدارة الأمريكية في هذه الذكرى بأن تعترف بأن هناك احتلالاً صهيونيًّا، وأن هناك اغتصابًا للأرض الفلسطينية التي قُدِّمت على أطباق "الاستيطان"، وأن هناك تهويدًا للقدس والضفة الغربية، وأن هناك هدمًا لمنازل المواطنين الفلسطينيين، وتهجيرًا لأصحابها الشرعيين بعد مصادرة هوياتهم؛ فإذا كانت أمريكا معنية حقًّا بالقضاء على الإرهاب، فعليها أن تبحث في دوافعه ومسبباته؛ فهي دون شك كامنةٌ في قهر الشعوب والتعالي عليها والكيل لها بمكيال خاص، وهي تحديدًا متجذرة في النكبة الفلسطينية.

 

وتشاء إرادة الله، وقبل أن تحل الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر، أن تنطلق الثورات والانتفاضات العربية ضد الظلم والطغيان والديكتاتورية والفساد والاستبداد، وتطيح بأعتى الطغاة في المنطقة الذين تولَّوا كِبْر ما يُسمَّى "الحرب" على الإرهاب؛ فجففوا المنابع، وضربوا الإسلام، وحاصروه، واشتركوا في ضرب العراق وأفغانستان ومحاصرة غزة؛ فكان "بن علي" في تونس، و"القذافي" عميد الإرهابيين في ليبيا، و"الكنز الإستراتيجي" للصهاينة في مصر.

 

والعجيب أن تدَّعيَ الإدارة الأمريكية أنها بسياستها وفرضها الديمقراطيةَ ودفاعها عن حقوق الإنسان عجَّلت بالثورات العربية؛ فهذه أكذوبة كبرى، بل قامت الثورات العربية لصدِّ تلك الهجمة الصهيو- أمريكية لمواجهة ذلك الانبطاح من الحكام الطغاة إزاءها، وليس أدلَّ على ذلك مما نشاهده من هلع وخوف اعترى الصهاينة بعد ثورة الشعب المصري ضدهم، والتحول في العلاقات الإستراتيجية بين مصر وتركيا، والذي تُوِّج بزيارة أردوغان إلى القاهرة ليشكل محورًا جديدًا في مواجهة المخطط الصهيوني.

 

هذه حكمة الله البالغة أن لكل ظالم نهاية، وإذ نشهد الآن نهاية الطواغيت في أرجاء الوطن العربي، فإننا نشهد بداية أفول نجم السيطرة الأمريكية والحضارة الغربية أيضًا، وها هي الأصوات تتعالى من هناك منذرةً بسوء مصير البشرية في ظلِّ حضارةٍ خاويةٍ من الإيمان، لم تَجْنِ منها البشرية سوى القلق والهموم والأمراض النفسية ومعدلات الانتحار المتزايدة، على الرغم من الرفاهية المادية وإطلاق كل الشهوات بلا ضوابط ولا قيم.

 

وأصبح واضحًا وجليًّا لكل ذي لُب أن الخلاص للبشرية في اتباع نهج الإسلام ومنظومته القيمية رغم المحاولات المستمرة والدءوبة لتشويهه، والتي باءت كلها بالفشل الذريع، وليتضح للجميع أن خلاص البشرية مما هي فيه من ويلات هو في اتباع تعاليم الإسلام في جميع المجالات، ففيها الخلاص والنجاة.. (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)) (البقرة).

 

وإذا كانت "عاد الأولى" قد سقطت سقوطًا سريعًا فما أقرب "عاد الثانية" إلى عاد الأولى.. تلك سنة الله التي لا تتحول ولا تتبدل ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)﴾ (فاطر) هذا وعد الله الذي لا يُخلف وعده ولا وعيده، ولا مبدل لكلماته، وصدق الله العظيم القائل: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ (الأنعام: من الآية 115).

 

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.