التاريخ : الخميس 23 فبراير 2012 . القسم : رسالة الأسبوع
من أسباب نجاح النهضة.. مواجهة التحديات والتغلب عليها
رسالة من أ. د. محمد بديع- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
هل تحقق هدف الثورات العربية؟
إن الثورات العربية التي كانت مفاجأةً بكل المقاييس للعالم قد أفصحت بشكل واضح عن الانتصار لإرادة الشعوب ومدى تحقيقها لآمالها، أمام سطوة الطغيان والأنظمة المستبدة، فكم قدمت الشعوب- وما زالت تقدم- من الدماء والجراحات، في سبيل استرداد حقوقها المسلوبة، وكرامتها المنهوبة، وحريتها الغائبة، وفي حين يتساءل الكثيرون عن أسباب هذه الثورات، تعلن الحقيقة عن أن هذه الشعوب تنتمي لأعظم حضارة عرفتها البشرية، فهذه الأمة التي شرّفها الله بالإسلام أظلت البشرية في وقت قصير على مشارق الأرض ومغاربها، بحياة كريمة سعيدة، وها هي اليوم بعد أن منّ الله عليها بانتصار ثوراتها وسقوط الأنظمة القمعية، تتولى بنفسها استرداد حقوقها وتحديد خياراتها، وأولها حرية الإنسان وكرامته وقيمه وأخلاقيات المجتمع؛ لصياغة نهضتها، وثانيًا في تحطيم صنم العبودية لشخص يظل متحكمًا في الناس حتى يقبض الله روحه، وأخيرًا في إيجاد دستور يصوغه الشعب لا يُفرض عليه، يرسي مبدأ فصل السلطات وتداول السلطة.. فلم يكن الهدف أبدًا الإطاحة برأس النظم السلطوية، وبقاء الركام والسوس ينخر في العظام، والسؤال الآن: هل بعد أن استعادت الشعوب الشرعية التي غُيبت عنها عقودًا هل حققت مبدأ: الشعب هو مصدر السلطات؟!
ولذلك فقد بات اليوم سؤال الساعة- خاصةً أمام التحديات التي تحاصر الثورات العربية-: كيف تكمل الثورات نجاحها وتحقق آمالها وتواجه التحديات التي يحاول أعداء الأمة وضعها في طريقها وسيزيلها الله عز وجل بجهود الشعوب وعون الله الذي لا يُصلح عمل المفسدين؟!! (الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج :41)، أي تشجيع الصلاح وتطهير الفساد.
كيف نحافظ على هدف الثورات العربية؟
ولكي نحافظ على مكتسبات الثورة، على الشعوب أن تحافظ أولاً على مؤسسات الدولة؛ فهي ملكها، وأن تعتقد أن الارتفاع بشأنها وتطويرها وإعادة هيكلتها من ضرورة العمل الشعبي، بما يتناسب مع المرحلة الراهنة والمستقبلية، وذلك بمشاركة من الجميع، رجالاً ونساءً، مسلمين ومسيحيين، حكومات ومحكومين، بجميع أطيافهم السياسية ودرجاتهم الاجتماعية والعلمية؛ فالهموم الوطنية واحدة، والعبور بالبلاد نحو الاستقرار والبناء هدف مشترك، نتواصل به متماسكين معًا من أجل تحقيقه، وإرساء قواعده، وإكمال بنائه، خاصةً أمام حملات التشويه التي لا تنقطع للصورة المشرقة للثورات، والمستمرة بوسائل كثيرة تتكرر بصور مختلفة يراها الجميع، متمثلةً في: إحداث حالة من الشقاق والاختلاف لإبعاد الثوار عن روح وحدتهم، وإفشال مكاسبهم، وفي تعويق أي مسار إيجابي لتحقيق أهداف ثورتهم، من إشاعة الفوضى والانفلات الأمني، بمؤامرات مدبَّرة تصل إلى سفك الدماء والمزيد من الشهداء والجرحى والعائلات المكلومة، وفي دعوات خبيثة بالضغط على حياة الناس ليضيقوا ذرعًا بالحال التي أثقلت كاهلهم بسبب الركود، بدعوتهم إلى الإضرابات والاعتصامات، حتى يتمنَّوا الخروج من الأزمة ولو بعودة الأنظمة البائدة.
ولكي نحافظ على هدف الثورات العربية ونحن في طريق نهضة الأمة، علينا أن نتوحَّد جميعًا ونتفق على أهداف واضحة ومحددة؛ لنحقق بقية أهداف الثورة ومطالبها، يقول تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: من الآية 103)، ونبتعد عن الشقاق والنزاع، يقول تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: من الآية 46)، وأن نتوافق في تقديم المصلحة العليا للوطن ونؤخِّر المصالح الخاصة والأغراض الحزبية الضيقة، وأن نُشعر الشعب بأن همومه وأحلامه لن تتحقق إلا بمشاركته وإيجابية مواقفه، وأن نحافظ على مؤسسات الدولة؛ فهي الهدف الحقيقي للثورات، وتأكيد سيادة القانون والوقوف في وجه كل من يحاول إشاعة الفوضى.
بالتضحيات نواجه التحديات
إن مواجهة التحديات كسبيل لإنجاح ما نصبو إليه من نهضة، يحتاج إلى صلابة الإرادة والتصميم والحفاظ على الصورة الناصعة للثورة، وذلك لا يتحقق إلا بالتلاحم بين القوى الشعبية، وعلى هذا فالإخوان حريصون كل الحرص على الدعوة الدائمة لأبناء الوطن إلى الالتقاء، حول خدمة البلاد؛ حيث نجتمع على الوعي بالمخططات التي تريد النيل من الثورات الشعبية، في كسر إرادتها أو تشويه صورتها أو تفتيت وحدتها أو توجيهها لغير هدفها، وعندما نجتمع يجب أن يكون هدفنا هو تحويل الشعارات إلى أفعال لتخطِّي المرحلة الانتقالية الحالية، التي هي مرحلة البداية، التي لا تستمر إلا بالصبر والصمود معًا، وشعور كلٌّ منا بمسئوليته لإنجاح ثورته، والنهوض بأمتنا في جميع المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصةً الشباب لما له من طاقة دافعة وحماسة صادقة في كل المجتمعات ومعرفة دقيقة بمشكلاتها، والمرأة لما لها من دور فعَّال في إحداث الوعي وإنشاء جيل يشارك بقوة في البناء والنهضة.
إن الشعوب الواعية وهي تقدم التضحيات من دماء أبنائها، لا بد أن تأخذ بزمام المبادرة، في تقديم كل طاقاتها وإمكاناتها في صناعة غد كريم مشرق، لا يتحقق بالتمنِّي، وإنما بالعمل الجادّ المتواصل والإعداد الدائم والمستمر لإنجاح نهضة، ترفع من شأنها، وتسمو بمقدرات أبنائها، وتتخطَّى العقبات الجسام.
أيها الإخوان والناس جميعًا..
هذه كلمات للإمام الشهيد حسن البنا في إعداد الرجال، وكأنه يخاطب اليوم رجال النهضة، يقول فيها: "ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضةً جديدةً وتجتاز دور انتقال خطير، وتريد أن تبني حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهية والهناء، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب؛ في حاجة إلى بناء آخر غير هذه الأمنية.. إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة؛ حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات، ويتغلَّبوا على ما يعترضهم من مصاعب.. إن الرجل سرُّ حياة الأمم ومصدر نهضتها، وإن قوة الأمم تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة، وإني أعتقد أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحَّت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء".
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.