التاريخ : الخميس 26 ابريل 2012 . القسم : رسالة الأسبوع
سيناء رمز كرامتنا
رسالة من: أ. د. محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن سار على هديهم، وسلك طريقهم إلى يوم الدين .. أما بعد:
تمر علينا اليوم ذكرى تحرير سيناء وهو يوم الشرف والمجد والكرامة في ظرف استعاد الشعب فيه كرامته وسيادته وحريته بثورته المجيدة في 25 يناير 2011م .
إن سيناء لا تمثل لنا قطعة من الأرض أو مساحة من الوطن فحسب، ولكنها تمثل لنا جزءًا من القلب لأنها تحوى مقدسات، ولأنها درع للدفاع عن الوطن، وكنز مذخور بالثروات، يبشر بالأمل في المستقبل، وصدر رحيب لاستقبال الملايين من أهل الوادي من أجل التنمية الاقتصادية والتوسعة السكانية وتحقيق الأمن القومي .
إن سيناء ذكرت في القرآن الكريم عدة مرات تنويها بقيمتها ومكانتها حيث قال المولى تبارك وتعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ(18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20)) (المؤمنون) وهذه الشجرة إنما هي شجرة الزيتون بفوائده الجمة وزيته الذي يستخدم في الغذاء والدواء وكان يستخدم للإضاءة والنور الذي تم تشريفه في القرآن كقبس من نور الله عز وجل (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ) (النور:35)، وشجرته وأغصانه هي رمز السلام في الدنيا كلها، والتي يقتلع أشجارها في فلسطين- للأسف الشديد – الصهاينة أعداء البشر.
وسيناء هي المكان الوحيد في الدنيا الذي تجلى الله تعالى فيه وكلم فيه نبيه موسى عليه السلام وكان ذلك على جبل الطور، ثم أقسم الله تعالى به إضافة إلى بقية الأماكن المقدسة: فلسطين حيث مولد السيد المسيح عليه السلام مشيرًا إليها بشجرتين تكثران فيها وهما التين والزيتون، ثم مكة المكرمة حيث مولد وبعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي عبر عنها بهذا البلد الأمين، وذلك كله في قوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) وَطُورِ سِينِينَ(2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3)) (التين)
وكانت سيناء هي الطريق الذي سلكه الأنبياء إبراهيم ويوسف وأبوه يعقوب وموسى عليهم السلام دخولاً إلى مصر ومرورًا بها وخروجًا منها، وكذلك السيدة العذراء وابنها المسيح عليه السلام في طفولته حينما هربت به من بطش الحاكم الروماني.
وكما كانت سيناء مسارًا لهؤلاء الأطهار، فإنها أيضًا كانت البوابة التي دخل منها الغزاة والتي طاردت عبرها جيوش مصر الهكسوس وغيرهم من الطامعين، وكان ذلك في الزمن القديم.
أما في التاريخ الحديث فقد عظمت المطامع فيها لا سيما مع ظهور الحركة الصهيونية؛ حيث طرحت كأحد البدائل لإقامة الوطن القومي للصهاينة، ورغم إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين الحبيبة، إلا أن تلك المطامع في سيناء لم تنقطع، لذلك قام الصهاينة باحتلالها سنة 1956 مستعينين بعدوان إنجلترا وفرنسا على مصر على إثر تأميم قناة السويس، وأعلن بن جوريون أنها أصبحت جزءًا من الكيان الصهيوني، إلا أنهم اضطروا للانسحاب منها مع اضطرار إنجلترا وفرنسا للانسحاب من بورسعيد والأراضي المصرية، ثم عادوا لاحتلالها مرة أخرى سنة 1967 إثر عدوان غادر دعمتهم فيه عدد من دول الغرب، إلا أن المصريين جندوا كل طاقاتهم المادية والمعنوية وقدموا آلاف الشهداء والضحايا من أجل تحرير هذه الأرض المقدسة، واستمروا سنين في حرب استنزاف لقوى العدو، حتى حان الوقت المحتوم لخوض أشرف حرب في العصر الحديث حرب أكتوبر– رمضان-؛ حيث أبلى الجيش المصري العظيم أعظم البلاء، وقام بمعجزات عسكرية لعبور القناة وتدمير الحصون وأسر ضباط وجنود العدو الصهيوني بعد إلقاء الرعب في قلوبهم، فعل ذلك جنودنا وضباطنا العظام في ملحمة رائعة ما تزال تدرس في كثير من كليات الحرب وأكاديمياتهم في العالم، وتم لنا النصر بفضل الله بعد أن لجأنا إليه واعتمدنا عليه وانحزنا إلى جنابه، وكان شعار كل فرد في جيشنا البطل هو (الله أكبر) عندئذ استعدنا أرضنا وحررنا جزءًا عزيزًا من وطننا، وظللنا ثابتين حتى استعدنا سيناء كاملة التي هي رمز لكرامتنا وعزتنا وحريتنا، إلا أنه بقيت هناك بعض القيود تغل أيدينا أن تكون حريتنا فيها مطلقة، لذلك ينبغي أن نستمر في الصمود والثبات والتوحد من أجل التحرر من هذه القيود.
الدرس المهم من هذا كله أن هذه المنطقة هي أمننا القومي الذي ينبغي أن ندعمه وأن نحصنه أمام كل المطامع، ومن ثم كان المفروض أن نعنى بسيناء كل العناية، إلا أنه للأسف الشديد تعامل معها النظام البائد تعاملاً غير مسئول، فقد قام باضطهاد أهلها واعتبرهم مجرمين في حين أنهم مواطنون وطنيون في غالبيتهم العظمى، ومن ثم أطلق عليهم رجال مباحث أمن الدولة يعتقلونهم ويعذبونهم بل ويقتلون منهم، كذلك تركها منطقة شبه فارغة إذ أن الكثافة السكانية فيها قليلة للغاية، كما حرمها من كل مشاريع التنمية فبقيت فقيرة فارغة، الأمر الذي يمثل خطرًا داهمًا على الأمن القومي ويبقي المطامع الصهيونية فيها قائمة ويحرم البلاد من ثرواتها الطبيعية، وتلك التي يمكن تنميتها.
وإذا كان النظام البائد قد زال بكل جرائمه ومفاسده بعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة فإن الإخوان المسلمين يرون أن واجبنا المقدس ونحن نحتفل بعيد سيناء ألا يقتصر الاحتفال على استعراض أو عطلة رسمية، وإنما ينبغي أن يكون خطة متكاملة ذات عناصر متعددة تتمثل في احتضان أهل سيناء في حضن الوطن والمجتمع ومنحهم الثقة والاعتبار، وفي إقامة مشروعات اقتصادية تنموية لا سيما وهي ذاخرة بثروات عديدة، وهذه المشروعات تشمل مشروعات زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية وصيد أسماك واستغلال المناجم والرمال والرخام وإقامة مناطق للتجارة الحرة حول القناة، وتشجيع المواطنين على استيطانها فهي تستوعب عدة ملايين من المصريين، وبذلك نخفف العبء عن الوادي الضيق؛ حيث الكثافة السكانية العالية، ونوجد فرص عمل للملايين ونقضي على نسبة كبيرة من البطالة، ونرتفع بمستوى الأفراد والأسر، وأيضًا بالدخل القومي المصري، إضافة إلى أننا بذلك نكون قد أسهمنا في حماية الأمن القومي المصري بوجود أعداد كثيفة من المواطنين في هذه المنطقة، ومن ثم تصبح منطقة مسكونة وآهلة، الأمر الذي يقضي على المطامع الصهيونية في الاستيلاء عليها مرة أخرى، ونؤمن بذلك أمننا القومي.
إن الاحتفال الحقيقي بعيد سيناء إنما يكون بالشروع في ذلك كله وبإنجازه بأسرع ما يكون حتى يتحقق لها ما نصبو إليه في هذا العهد المفعم بالأمل المقدر للمسئولية المتطلع للنهضة لتصبح سيناء العظيمة (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (سبأ:15) صدق الله العظيم
القاهرة في: 5 من جمادى الآخر 1433هـ الموافق 26 من أبريل 2012م