التاريخ : الخميس 31 مايو 2012 . القسم : رسالة الأسبوع
مصر.. أولاً (رسالة الأسبوع)
رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
لا شك أن مصرنا الحبيبة تمرُّ بمنعطفٍ خطير، يؤثر في تاريخها كله، حاضره ومستقبله، بل يؤثر في كل ما حولها من ديار العرب والمسلمين، بل في العالم كله.. إنها تنتفض من ذلِّ العبودية والتخلف والتبعية إلى عز الحرية والنهضة والاستقلال الحقيقي.. إنها تنهض لتتبوأ مكانتها العريقة وتستعيد دورها الريادي في المنطقة، بعد أن همَّشها حكامها الظلمة الذين عزلوها وأخَّروها وجعلوها في ذيل الأمم.. إنها تنتفض لتنوقف النزيف الرهيب في ثرواتها والنهب المنظّم لخيراتها، والتجريف المجرم لكل مقدراتها، والتهريب الاستنزافي لأموالها، والفقر والأمراض المهلكة الذين حلَّت بغالبية أبنائها، إلا طبقة اللصوص والمرتشين من الحكام الظلمة والمقرّبين إليهم.. إنها الآن تتوحد حول هدف واحد لإنقاذ الثورة بعد توحُّد الرؤى في مواجهة باطل واحد يريد أن ينقضَّ على الصورة ليتمَّ تركيب رأس فقط بعد خلع الرأس.
ومن ثم كان تعبير أعدائنا عما يحدث في بلادنا أنه "أخطر على إسرائيل من قنبلة نووية وأخطر من مفاعلات إيران"، وأنها- أي "إسرائيل"- قد فقدت "كنزًا إستراتيجيًّا" يتمثل في الرئيس المخلوع ومن حوله بطانة السوء، والذين ما زال بعضهم في مفاصل الحكم يتشبثون بمناصبهم ويحاولون العودة بالبلاد إلى الوراء، ويستميتون لإعادة استنساخ النظام القديم؛ ليجعل أهلها شيعًا ويعيد التفزيع من الإسلام والمشروع الإسلامي في صورة جديدة ربما ينخدع بها البسطاء من أبناء هذا الشعب الطيب الكريم.
ولكننا رأينا أن الله عز وجل مالك القوى والقدر القاهر فوق عباده يريد أمرًا آخر (ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ *ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5-6)، ومن ثم كانت انتخابات الرئاسة ومن قبلها انتخابات مجلس الشعب والشورى شوكة في حلوقهم حتى قال قائلهم "إن إسرائيل كانت في نعمة في غياب الانتخابات الحقيقية في ربوع مصر".
لقد كانوا هم المستفيدين الأوائل من غياب الديمقراطية وغياب الإرادة الوطنية في اختيار المسئولين في حرية ونزاهة لتقديم الأفضل والأخلص والأكفأ والأقدر على إدارة شئون البلاد.
ومن هنا كان إصرارنا الدائم نحن الإخوان المسلمين على إتمام بناء مؤسسات الدولة بالاختيار الحر والانتخابات النزيهة؛ حتى يختار الشعب عن بكرة أبيه من يتوسَّم فيهم الخير والقدرة على مقاومة الفساد ومطاردته وإعادة البناء والإصلاح.
مسئوليةٌ وهموم وتكاليف.. لا مغانم وتشريف
إن قيادة الأمة في هذا الوقت العصيب ليست مغنمًا يُتنافس عليه، ومصر الآن ليست كعكة يُتزاحم لتقسيمها على الطامعين فيها، بل هي مسئولية خطيرة تنوء بحملها كواهل الرجال، ولا يستطيع فصيل واحد- مهما أوتي من الكفاءة وحسن التنظيم وكثرة العدد وتنوع الخبرة- أن يقوم ويوفي بكل أعبائها، ومن ثم كانت دعوتنا الدائمة والملحَّة لكل الكوادر والكفاءات كي يشارك معنا في حمل المسئولية واقتسام الأعباء؛ كي نستطيع (تعويم) السفينة التي أوشكت على الغرق، وسد الثغرات وإصلاح العيوب كي ننجو جميعًا من مهالك محيطة تهدد البلد بأسرها.
اختيار خطير
إنه اختيار صعب..
بين نهضة ممكنة وبين نكسة مهلكة
بين نظام وإحكام وبين فوضى مدمرة
بين تغيير وتجديد وتحسين وبين انغلاق وتخلف
فعلى الشرفاء والأكفاء أن يتقدموا للمشاركة في حمل الأمانة، وعلى الفاسدين المفسدين الفاشلين أن يتراجعوا، فليس الوقت الآن وقتًا للعب بالنار أو محاولة إعادة عقارب الساعة للوراء؛ لأن هذا ضد نواميس الكون وسنن الله قاهرة وغلاّبة وإرادة الشعب الذي استيقظ وانتبه وثار لن تسمح بالتلاعب مرةً أخرى بعد ما ذاقت الويلات على مدار العشرات من السنين.
محاولات الخديعة
وعلينا جميعًا أن ننتبه لمحاولة خديعة جموع الشعب الطيب الصابر واستغلال فقر المواطنين وحاجتهم برشوتهم وخداعهم وشراء أصواتهم من قبل قيادات النظام السابق والمنتفعين منه من رجال الأعمال الذين يصرفون الملايين وربما المليارات (من أمواله المنهوبة المهربة) ليستردوها من جديد إن عادوا- لا قدَّر الله- لأماكنهم التىي طردوا منها.
وعلينا أن ننتبه لآلة الإعلام المضلل الموجه والمملوك لفلول النظام السابق وهو يقطر سمًّا صباح مساء؛ لتلويث سمعة الشرفاء ورميهم بكل النقائص والشتائم؛ لمحاولة صرف الناس عنهم، بعدما خبروه من حسن صنيعهم وسبق جهادهم وبذلهم لخير الأمة وأبنائها.
وعلينا أن ننتبه إلى حرب الشائعات التى تبنَّتها أجهزة منظمة وخبيرة لقلب الحقائق وتلويث الشرفاء، وفي الوقت نفسه تلميع الفاسدين والمفسدين، والذين كان المفروض أن يكون مكانهم الآن المحاكم والسجون، لا المنافسة في انتخابات ثورة قامت لتطهير البلاد من ظلمهم وجرائمهم.
• إن أرواح الشهداء تستحثنا ألا نفُرِّط فيما دفعوا فيه من دمائهم الزكية؛ كي يتخلصوا من كل رموز النظام السابق وكي يعيدوا بناء مصر الحرة الأبية الناهضة الواعدة.
• وإن مستقبل أبنائنا وأحفادنا يستحثنا ألا نضع مقدّرات البلاد مرةً أخرى في أيدي أناس ثبت فشلهم وعجزهم، بل خيانتهم وغدرهم على مدار عشرات السنين..
• وإن الأحرار في كل بلاد الربيع العربي ينتظرون المثل الأعلى للبناء والنهضة لبلد عريق يتمنون لو تبوأ مكانته اللائقة به في ريادة المنطقة لتبدأ عودة أمجادنا من جديد.
يا أبناء مصر..
انتبهوا وخذوا أعلى درجات الحيطة والحذر..
اتحدوا ولا تتفرقوا بشِّروا ولا تنفروا..
اتفقوا ولا تختلفوا يسِّروا ولا تعسروا..
تماسكوا وتقدموا ولا تتهاونوا وتتراجعوا..
تعاونوا وتآلفوا وتصافحوا وتغافروا مع كل الناس حتى مع مخالفيكم في الرأي أو الموقف؛ فإن المعركة والقضية قضية مصر كلها وثورتها ونهضتها.
وامتثلوا لأمر الحق جلَّ وعلا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران: من الآية 103).
استحضروا معاني وقيم وأخلاق ميدان الثورة.. ميدان التحرير.. كي ننجح في معركة البناء والنهضة والتعمير، بعدما نصرنا الله تعالى في معركة الثورة والتغيير والتطهير.
ولتتضافر كل جهود الأمة، رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخًا، مسلمين وأقباطًا.
واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن قوتنا في وحدتنا، وأن مع العسر يسرًا، وأبشروا؛ فإن الخير قادم بفجرٍ جديد (ومَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيْزٍ)
والله أكبر ولله الحمد