التاريخ : السبت 15 مارس 2014 . القسم : رسالة الأسبوع

رسالة الإخوان المسلمين .. الديكتاتورية وخراب الدول


 للعمران أسباب، وللخراب أسباب، وعلى رأس أسباب الخراب الديكتاتورية والاستبداد، والتاريخ القديم والحديث مليء بالنماذج التي انهارت فيها الدول وتمزقت فيها الشعوب، وتبددت فيها الثروات، وضاعت فيها المكانة، وسالت فيها الدماء، وانهزمت فيها الجيوش، نتيجة لاستبداد شخص قاده جنون العظمة للعلو في الأرض واعتقاد أنه مبعوث العناية الإلهية والمخلص والقائد والزعيم، وأحاط به مجموعة من المنافقين التابعين المنتفعين، فراحوا يزكون فيه هذا الغرور، ويسحقون إرادة الشعب، بل يسحقون من الشعب كل من يرفض الخضوع للديكتاتور، وفي مقابل ذلك يغض المستبد الطرف عن فسادهم، ويلتحم الاستبداد والفساد فيعجلان بالخراب الكبير. 



وسنعرض هنا لعدد من الأمثلة، حتى ينتبه الغافلون من المصريين لسوء المصير الذي ينتظرهم وأجيالهم ووطنهم إن خضعوا للديكتاتورية مرة أخرى، بعد أن أنقذهم الله منها على يد أبنائهم الأحرار في ثورة 25 يناير 2011 التي قدم فيها هؤلاء الأحرار التضحيات من دمائهم وأرواحهم حتى يعيش شعبهم حرا كريما في مناخ من العدل والمساواة، وينطلق في طريق البناء والنهضة والعمران. 


مثال فرعون: 
المثال الأول من التاريخ القديم، وهو فرعون الذي ورد ذكره في القرآن الكريم 74 مرة، ليحذر المسلمين من هذا النموذج الذي استعلى على الناس وقسمهم إلى شيع، يستضعف طائفة منهم، وذبح أبناءهم، وفرض عليهم رأيه ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾، وغرَّه سلطانه ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون﴾، وتمادى في غيه حتى قال لشعبه ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾، فلم يجد من يرده عن هذا الضلال، فالكهنة يلوذون به، والسحرة قبل الهداية يطمحون إلى الأجر والقرب، والشعب صامت خائف، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، فأغرقه وجنوده في البحر، فقال وقد أخذته غرغرة الموت ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، فرد عليه المولى تبارك وتعالى بقوله ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾، ثم القى الله تعالى جسده على الشاطئ ليكون عبرة لمن بعده ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُون﴾.


مثال دول المحور وهتلر: 
أما الأمثلة التالية فكلها من التاريخ الحديث، فمن أوضحها (هتلر) الذي حكم ألمانيا، ونهض بها نهضة مادية عظيمة في المجالات الاقتصادية والصناعية والعسكرية وغيرها، بيد أنه كان حاكما طاغيا قضى على كل صاحب فكر ورأي، وأباد كثيرا من الأقليات في ألمانيا، وتحول إلى ديكتاتور رهيب، وملأه الغرور بالنفس والعرق، فزعم أن الجنس الآري هو أرقى الأجناس، ورفع شعار (ألمانيا فوق الجميع)، ولكي يحقق ذلك أشعل الحرب العالمية الثانية، التي غزا فيها معظم دول أوربا، واقتحم حدود روسيا، وغزا دولا في شمال إفر يقيا، بالتعاون مع دولتي المحور إيطاليا واليابان، وكان (موسوليني) في إيطاليا مثله ديكتاتورا رهيبا، وكانت اليابان يحكمها امبراطور زعم أنه من سلالة الآلهة المقدسة، أي أن الديكتاتورية الفردية كانت هي التي تقود تلك الدول الثلاث وتسوق ملايين شبابها إلى حتفهم في الحروب، دون رأي حر من الشعوب في خوض غمارها، وأسفرت هذه الحرب عن مصرع نحو ستين مليونا من البشر، وإصابة أضعافهم، وخراب دول ومدن بأكملها، وهي التي استخدمت فيها أمريكا القنابل الذرية لأول وآخر مرة حتى الآن، وكانت النتيجة هزيمة دول المحور الديكتاتورية الثلاث، واحتلالها من قبل دول حلف الأطلنطي، وتقسمت ألمانيا إلى دولتين، بل تقسمت عاصمتها (برلين) إلى أربعة أقسام تحتلها أمريكا وروسيا وانجلترا وفرنسا، كل ذلك إلى عهد قريب، وانتهت حياة (هتلر) بالانتحار، و(موسوليني) بالإعدام والسحل لجثته في الشوارع، والامبراطور بالخضوع للاحتلال الأمريكي، ولا تزال آثار هذه الهزيمة مؤثرة حتى الآن.


مثال الاتحاد السوفيتي: 
أما المثال الثاني فهو الاتحاد السوفيتي الذي كان امبراطورية ضخمة تضم عددا كبيرا من الدول والأعراق، قامت على أساس النظرية الشيوعية المؤسسة على ديكتاتورية الطبقة العاملة، التي انتهت إلى ديكتاتورية الحزب الشيوعي، ثم ديكتاتورية اللجنة المركزية أي ديكتاتورية بضعة أفراد، وعلى إلغاء الملكية الفردية، وقتلت ملايين البشر من أجل فرض هذه النظرية الصادمة للفطرة على الناس فرضا، وكانت النتيجة أن فقد الناس معنى الحياة، فلا حرية ولا ملكية ولا رأي ولا أمن، ومن ثم انعدام الولاء للدولة، وضعفت الرغبة في العمل والإنتاج، فانهارت الامبراطورية القائمة على نظرية اقتصادية، للفشل التام في الاقتصاد كنتيجة للديكتاتورية والفساد، وانقسمت إلى دول عديدة مستقلة، ووقفت روسيا وحدها تحاول منع الدول التي كانت جزءا منها من الارتباط والانحياز للغرب.


العسكر في مصر بعد يوليو 1952: 
وننتقل إلى العالم العربي والأمثلة فيه كثيرة نبدأها بمصر التي حكمها العسكر منذ يوليو 1952 حكما ديكتاتوريا، قضى تماما على الحريات العامة وعلى الرأي الآخر، وتجسس على الناس وأحصى عليهم أنفاسهم، وحكم بالطوارئ، وفتح السجون والمعتقلات، ومارس التعذيب والمحاكمات العسكرية، وخاض مغامرات عسكرية في اليمن، وتوارث العسكريون الحكم، وعندما اعتدت إسرائيل على مصر وسوريا والأردن عام 1967 انهار الجيش المصري في ست ساعات، واحتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء والجولان وباقي أرض فلسطين بما فيها القدس الشريف، ولا زلنا حتى الآن نعاني من آثار هذه النكبة رغم استعادة سيناء بعد حرب 1973، نعاني من استقلال لسيناء منقوص السيادة، ونعاني في المجالات الاقتصادية والمكانة السياسية العربية والإقليمية والدولية، وفي التعليم والصحة والعمران بصفة عامة. 


مثال الصومال: 
وتقوم الصومال كمثال صارخ لخراب البلاد بتأثير الديكتاتورية، فلقد قام قائد الجيش الصومالي محمد سياد بري بانقلاب عسكري، وتولى الحكم زمنا طويلا، وساق البلاد نحو المسار اليساري، وسجن وقضى على كل معارضيه وقتل العلماء وحارب الإسلام بلا هوادة في دولة 100% من سكانها مسلمون، حتى ثارت عليه القبائل، فهرب من البلاد، إلا أن الصومال من يومها لم تعد دولة، فقد انقسمت إلى عدة دويلات، وقامت فيها ولا تزال حروب طاحنة بين القبائل والجماعات المسلحة المتطرفة، ووقعت اغتيالات عديدة، وساد الخوف، وانتشرت المجاعات، وجفت الزراعات، وهلكت الماشية التي تمثل عنصرا مهما من الاقتصاد، ومات أطفال من الجوع، وأصبح البرلمان ينعقد في إحدى الدول المجاورة؛ لانعدام الأمان، وكانت قبل الانقلاب العسكري دولة آمنة مستقرة.


مثال العراق مع صدام حسين: 
ثم تأتي العراق التي حكمها صدام بالحديد والنار، وقتلا آلافا من الناس بغير حق، حتى اختفى كل صوت معارض، وكان ينجح في الاستفتاءات بنسبة 100%، وسخر مقومات الدولة وهي كثيرة لخدمة طموحاته، وقام بمغامرات عسكرية ضد إيران وضد الكويت، وعرض دولته لحرب أممية بعد غزوه للكويت، ولحصار اقتصادي وعسكري شديد الوطأة، مات جراءه مئات الأطفال، وعندما أرادت أمريكا أن تتخلص منه وكانت في هذه المرة ظالمة معتدية، اتهمته باتهامات باطلة، وشنت عليه حربا بمساعدة بريطانيا، واحتلت العراق، فلم يجد من شعبه الكثير الذي يقف معه ويسانده ضد الغزو الظالم، بل رحب كثيرون بالخلاص منه، وتمت محاكمته وإعدامه، إلا أن ما يدمي القلب أن العراق من يومها والانفجارات والقتل فيه لم يتوقف، وسالت الدماء أنهارا، وتجاوز القتلى المليون شهيد، وهاجر عدة ملايين، وتعيش العراق تحت خطر التقسيم إلى ثلاث دول، وهو مخطط استعماري إلا أن الديكتاتورية هي التي مهدت له الطريق للأسف الشديد، إضافة إلى إضاعة ثروات العراق الكثيرة وتبديد مئات المليارات من الدولارات، وتخلفت العراق التي كانت قد سارت مسارا طويلا على طريق التقدم والرقي.


ليبيا مع القذافي: 
ثم تأتي ليبيا التي حكمها القذافي أربعين سنة، يقتل ويعذب ويسجن ويبدد ثروات البلاد، ويخوض مغامرات حربية في تشاد، ويشتري منصبا هزليا بمليارات الدولارات (ملك ملوك إفريقيا)، ويفرض على الشعب نظرية أسماها (النظرية الثالثة) في كتاب أسماه (الكتاب الأخضر)، وحظر الأحزاب والحريات والإعلام المعارض، وقتل المعارضين الليبيين في الدول الغربية، وأسقط ليبيا (الدولة الغنية) في هوة الفقر، وعندما ثار عليه الشعب واجهه بالسلاح والقتل، وعندما تدخل حلف الناتو لإسقاطه رحب الشعب بذلك وقبضوا عليه وقتلوه في الشارع، والمصيبة الآن أنه ترك ليبيا مملوءة بالسلاح، الذي يشهر لأوهى خلاف، ويهدد استقرار البلد، كما أن العصبيات القبلية اصبحت تهدد وحدة البلد نفسها، ولا تزال الفوضى تسقط الوزارات وتهز مؤسسات الدولة، وتسطو بعض المجموعات المسلحة على آبار البترول وهو الثروة الطبيعية الكبرى للبلد.


سوريا  مع حكم البعث وآل الأسد: 
ثم تأتي كارثة سوريا التي لا تزال مصائبها الفاجعة تتوالى على رؤوسنا كل يوم حتى الآن، فهناك ديكتاتور يقتل أكثر من مائة ألف من شعبه، ويعتقل أكثر منهم، ويدمر المدن والقرى والمنشئآت، ويستخدم الأسلحة الثقيلة والطائرات ويلقي عليها براميل المتفجرات، بل وصل به الإجرام إلى قتل أطفال في عمر الزهور بالغازات السامة، وهو الذي لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير مرتفعات الجولان المحتلة، فعل كل هذه الجرائم حرصا على كرسي الحكم بغض النظر عن إرادة الشعب، وهكذا يتم تدمير سوريا كوطن وكجيش وكشعب، والديكتاتورية هي السبب. 


وأخيرا: الانقلاب العسكري في مصر: 
وأخيرا، وبعد أن تنفست مصر الصعداء بعد ثورة 25 يناير 2011، وذاقت طعم الحرية، وبدأت تسير في مسار الديمقراطية لإقامة دولة ديمقراطية مدنية دستورية حديثة، يتم فيها تداول السلطة بطريقة سلمية، تحترم حقوق الإنسان، وتقرر أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة، إذا بوزير الدفاع يقوم بانقلاب عسكري يطيح فيه بكل هذه المبادئ، ويختطف الرئيس الشرعي المدني المنتخب، ويعطل الدستور المستفتى عليه، ويحل البرلمان، ثم يقوم بمذابح وحشية متتالية طالت آلافا من المصريين، وحرق مئات المصابين، وأجهز على آخرين، وحرق مساجد ومستشفيات، واعتقل 23 ألفا من المعارضين السلميين، كل ذلك لإرهاب الشعب، كما استخدم القضاء للبطش بالمعارضين وتلفيق القضايا وإقامة محاكمات ظالمة، كما قام بسن تشريعات جائرة، لتعود مصر إلى ديكتاتورية عسكرية تفوق مثيلتها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. 


فهل يقبل الشعب المصري أن يرتد كي يعيش في ظل ديكتاتورية تسحق الإنسان، وتلغي كرامته، وتصادر حريته؟ وهل يقبل أن تتخلف بلده 30 أو 40 عاما، مثلما قال قائد الانقلاب الدموي : «إن الجيش إذا نزل الشارع فلا يتكلم أحد عن مصر إلا بعد 30 أو 40 سنة)؟. 


يقينا لن يقبل المصريون أن تخرب الديكتاتورية بلادهم، وأن تتحول إلى سجن كبير، تنتشر داخله سجون أصغر في كل مكان.