التاريخ : الأربعاء 23 سبتمبر 2020 . القسم : رسالة الأسبوع
انتصار الإيمان
تذكروا ولا تنسوا أن الحياة بدأت عندما بدأتم وستنتهي عندما تنتهون، فأنتم البداية لحياة لا نهاية لها كما هي الرسالات السماوية وكما هي الثورات التاريخية التي غيّرت معالم التاريخ، ليكون تاريخكم كما هم العظماء، ففي كل الأوطان هناك عظماء فاذكروهم لتغيروا مجرى الحياة كما هم غيروا تاريخ البشرية، وكان البعض ينظر لهم في البداية أنهم ضحايا أو وقود، ولكن استمرارهم وإصرارهم وعزيمتهم التي لم تلِن جعلتهم منارات شامخة وأصبحوا كالشمس الساطعة على الأوطان.
اذكروا غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كنج فأنتم كبار مثلهم، وأعظم بإيمانكم وانتسابكم إلى الله أن استمررتم وطاولتم هؤلاء الكبار لئلا تصغروا فبداياتكم مثل بداياتهم، وما تسعون له هو نفسه ما سعوا له، فالأمل بكم وما يؤهلكم للعطاء ريعان شبابكم المزهر كما هو زهر الربيع، فلا تقبلوا إلا بالربيع الدائم. وتذكروا من رحم الآلام تولد الآمال.. فالعظماء لا تهزمهم أخطاؤهم، وإنما تنحني السنبلة لأنها مثقلة كما تكون مرونة الكبار مع العواصف.
أيها الأحرار الأباة
يتقاصر الزمان، ويتقارب كثيرا وعندما نُسقط أحداث التاريخ وعِبَره على واقع حياتنا، وتتراءى لنا الصور والأحداث كأنها تعيد نفسها، وتأتي المشاهد بين متشابه ومكرور؛ فالطغاة يقف بعضهم أثر بعض، ولا يمايز بينهم إلا اختلاف الوسائل، وتنوع الأساليب. وهناك صفوة المؤمنين، الذين استعصوا على الفتن، وثبتوا لها، وألزموا أنفسهم كلمة التقوى، ﴿كَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ (الفتح: 26)، فسمَت بهم إلى آفاق عوالٍ لا يرقى إليها تعليق ولا مقال، وعصمتهم من الاعتزاز بغير الله، ومن الذلة إلا إليه سبحانه وتعالى. وقد مضت سنة الله: أن يعري الاستعلاء بالإيمان أهل الباطل، ويكشف ضعفهم وزيفهم، وخواء نفوسِهم، وحقارة ما يعظمون. فليس بدعا بعد هذا أن تُبنى سياسة الظالمين وأعوانهم على اقتلاع بذور الخير، وقطع أيدي باذريها، وتشويه صورة الدعاة المخلصين، ومحاربتهم في أرزاقهم، وسمعتهم، أو اعتقالهم وسجنهم ثم قتلهم في نهاية المطاف.
إن تاريخ الجبارين والمتسلطين طافح بالفجائع والمآسي التي كان ضحاياها رموز الخير وأعلام الصلاح. كما أن تاريخ الدعاة حافل بمواقف البذل والعطاء التي استعلى أصحابها بإيمانهم، وترفعوا فوق جميع المغريات، وأبوا إلا الالتزام بشمول الرسالة وتبليغها للناس كاملة، غير مبالين بما يصيبهم في سبيل الله. وكانت حياتهم شجى في حلوق الظلمة والجبارين، ودماؤهم هاجس رعب يكدر على المجرمين دنياهم، ويشخص لهم ما ينتظرهم من سوء المصير، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 26). يستعلون بإيمانهم على قوى الأرض الحـائدة عن منهج الله، على قيم الأرض التي لم تنبثق مـن أصل الإيــمان، على تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمـــان، على قوانين الأرض التي لم يشرعها الله، إنه استعلاء الإيمان مع ضعف القوة، وقلة العدد، وفــقر المال والهزيمة في الظاهر فهم الأعلى شريعة ومنهاجا وسند ومصدرا، وضميرا وشعورا وخلقا وسلوكا، لا يصيبهم الوهن في أبدانهم، ولا الحزن في قلوبهــم؛ لأنهم الأعلون بإيمانهم؛ لأنهم الأعلون بتوحيدهم، لأنهم الأعلون بعقيدتهم. ولأنهم الأعلى بالتزامهم بشريعتهم القرآن وسنة رسول الله وشعارهم ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139).
وإن المؤمن الصادق مهما تبدلت الأحوال، وتغيرت الظروف، فلا يفارقه الشعور بأنه الأعلى، مهما كانت الغلبة والدولة للباطل ومهما ضج الباطل وصخب، وارتفع صوته وريشه انتفش، وأن غلبة الباطل فترة وجيزة وتمضي، وأن للإيمان كرّةً لا مفر منها، وإنما دولة الباطل من المتاع القليل ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196- 197). ولا يفارقه شعور بأنه الأعلى مهام غرق المجتمع في الشهوات، وتلبس بلباس الملذات والمغريات، كان المؤمن في شغل بطاعة الله، وعلى يقين بوعد الله له ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97). ولا يفارقه شعور بأنه الأعلى مهما ضحك الضاحكون، واستهزئ المستهزئون، وسخر الساخرون، وكان على يقين أن نهايته ونهايتهم متمثلة في قول رب العالمين ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المطففين:29- 36).
أيها الأحرار الأباة
ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولا، واذكروا أن الدنيا جميعًا تترقب جيلًا من الشباب الممتاز بالطهر الكامل، والخلق القوي الفاضل، فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا، وضعوا نصب أعينكم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا الأمانة إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم). ثم انظروا هل أنتم كذلك؟ وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.
أنتم على درب العظماء
استعلوا بإيمانكم فإذا كنا نعيش في زمن أشباه الرجال فمازال هنالك بين ظهرانينا رجالًا شرفاء أوفياء لدماء الشهداء وتضحيات آلاف المعتقلين والجرحى العظماء.. وإذا كنا في زمن الأقزام والوجوه القبيحة فما زال هنالك جبابرة مرابطة في أرض المحشر والمنشر تعلن وجودها بدمائها الطاهرة ، وإذا كنا في زمن التآمر والتخاذل والخذلان والمساومة فمازال هنالك من الأوفياء الصناديد أصحاب الأيادي المتوضئة والضمائر الحية والقلوب المؤمنة ممن يُسطرون لنا وللأجيال القادمة بدمائهم وعرقهم وجهدهم أنصع الصفحات وأروع الملاحم البطولية، وإذا كنا في زمن يسارعون ويهرولون في الذل والتطبيع وبيع الأرض والتفريط في العرض فما زال هنالك أسود عمالقة يعتلون سلم المجد لا يقبلون الضيم ولا ينزلون على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية من دينهم أو وطنهم ومن يدافع عن وطنهم وأبناء شعبهم ضد المحتل وعملائه المارقين.
أيها الأحرار الأباة
اعتبروا أن معركتكم الحقيقية قد بدأت الآن وانطلقوا ووحدوا صفوفكم أكثر وأكثر ولا تقبلوا الانجرار للمكائد والمصائد فأنتم الآن أكبر منها، واعتبروا أن النهج السلمي هو النهج القاتل لمن يناصبكم العداء وهذا النهج هو ما يغيظ أعدائكم ويزيد من أصدقائكم وبه تسعون لكسب أعدائكم مثلما تسعون لكسب أصدقائكم.
كونوا عدالة الأرض المستمدة من السماء، لا تجعلوا السجن قبرا للحرية بل اجعلوه خزانا يغذي الأرض العطشى لها لترتوي وبعدها يزهر الربيع، فلن يكون هناك ربيع بدون ماء وأنتم سجونكم استمطرتم السماء شتاء وخزنتم مياه السماء لتغذوا الأرض القاحلة لتجعلوها أرضا خصبة.
أيها الأحرار احملوا مشاعل الحرية واجعلوها وقودا لا يحرق بل ينير الطريق وعندها ستجدون أن مشاعل الحرية هي قاتلة الظلم والظلام وستحرقون بها آفات الفساد لنستقبل الغيث الذي هو من صنعكم، استمطرتموه على عدالة الأرض المستمدة من السماء لا تقبلوا بزرع من غير سنابل، ولا بأشجار من غير ثمار، فالوصول إلى الحرية هو قطف الثمار فاسعوا سعيا حثيثا لتأتوا لنا بالخير الوفير، بثمر نظيف لا سوس ولا دود فيه فاقضوا على الآفات قبل أن تقضي هي على الثمار. ننتظركم بفارغ صبرنا ولا فارغ لصبركم فأنتم أهل الصبر والرجاء وبالأمل نسير خلفكم، فأنتم من تقودون الآن مركب الحرية فلا تنظروا الى وعورة الدرب فكل الدروب لم تكن ممهدة لنا لنسير عليها بل كانت هناك أيدٍ مباركة هي من مهدتها لنا.
اللهم إنا نسألك عزة الإيمان، ونور اليقين، وبرد الرضا، وحلاوة الإيمان، وحسن الاعتقاد، وصلاح العمل، اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الطلب إلا منك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم، اللهم استعملنا فيما يرضيك، ولا تشغلنا فيما يباعدنا عنك، واقذف في قلوبنا رجاءك، واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحدًا غيرك، واجعل الدنيا بأيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، وارزقنا منها ما تقينا به فتنتها، واجعل حظنا الأوفر والأكبر يوم لقائك. اللهم إنا نعوذ بك من مواقف الفتن، ومضلات الفتن، ومصارع الفتن، ونسألك اللهم يقظة منك تامة تنجينا بها من مصارع الغفلات، ونعوذ بك اللهم أن نكون وعاظًا للسلاطين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر لا نخاف في الله لومة لائم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.