التاريخ : السبت 15 مارس 2008 . القسم : بيانات

بيان من الإخوان المسلمين بشأن الموقف من انتخابات المحليات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سوف يظل الإخوان المسلمون في هذا العصر، وكل عصرٍ يعلنون للعالم كله أنهم أتباع دينٍ عظيمٍ وحملة رسالة عالمية تتسم بالوسطية والاعتدال، وتستهدف إقامة مجتمع العدل والحرية وإشاعة الأمن والأمان والطمأنينة والسلام لكلِّ البشرية، يقول الحق جل وعلا، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143).. ويقول أيضًا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).

 

ولن يكل الإخوان المسلمون أو يملوا من الدعوة إلى الإسلام بشموله وكماله، وأنه نظامٌ شاملٌ يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ ففيه السياسية والاقتصاد، وفيه الاجتماع والثقافة، وأنه كلٌّ لا يتجزأ، وكما أنه دين فهو حضارة، ولن يصلح المجتمع المسلم إلا باتباع منهجه.

 

وقد أعلن الإخوان المسلمون قبولهم بالديمقراطية المرتكزة على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، واعتبار الأمة مصدر السلطات، وأن الشعب هو صاحب الحق الأصيل في اختيار حكامه ونوابه وممثليه، والبرنامج الذى يُعبِّر عن طموحاته وأشواقه؛ وذلك كله عبر صناديق الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة.

 

وقد أكد الإخوان المسلمون أنَّ السعي إلى الإصلاح والتغيير ومواجهة الفساد والاستبداد يجب أن يتم وفق المنهج السلمي وعبر القنوات الدستورية والقانونية، وأن ذلك مهمة الشعب المصري كله بكافة شرائحه وفئاته، وكل قواه الحية، فضلاً عن مؤسساتِ المجتمع المدني، وهو ما يستلزم تكاتف كل الجهود وتضافر كل القوى.

 

ويؤكد الإخوان المسلمون أنَّ ما دفعهم إلى خوض انتخابات المحليات هو ممارسة حقهم الدستوري والقانوني، وضرورة أن يكون لهم دورهم في بناءِ مجتمعهم ونهضة أمتهم ورقي وطنهم، خاصةً من خلال الطبيعة الرقابية للمجالس الشعبية على الخدمات التي تُقدمها الوحدات المحلية التنفيذية في كافة المجالات والميادين المختلفة كالتعليم، والصحة، والإسكان، والبيئة، والنقل والمواصلات، والمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب.. إلخ هذا بالرغم مما سيلحق بهم على يد حماة الفساد والاستبداد من سجن واعتقال ومطاردة وملاحقة وحرب في الأرزاق، فضلاً عن ممارسة كل التجاوزات والخروقات واستخدام كافة أنواع البلطجة ووضع كل العراقيل أمام المرشحين من الإخوان المسلمين، بل وأمام كل الشرفاء من أبناء هذا الشعب.

 

ويكفي أن نذكر في هذا الصدد أن عددَ المعتقلين على خلفية انتخابات المحليات وصل حتى الآن 831 معتقلاً، وأن عدد المرشحين منَّا بلغ 5754 مرشحًا، بنسبة تصل إلى حوالي 12%، هؤلاء تمَّ منع معظمهم من الوصول إلى مقارِّ تسليم طلباتِ الترشيح، ولم تُقبل سوى أوراق 498 منهم، أي ما نسبته 8.3%، من المزمع ترشيحهم فقط، وأن عددَ الدعاوى التي رُفعت أمام القضاء الإداري وصلت إلى حوالي 3912 دعوى تم الفصل لصالحنا في 2664 منها بتمكين المرشحين من تقديم أوراقهم، أو إدراج الأسماء بكشوفِ المرشحين، وجارٍ الفصل في بقية القضايا.

 

وننتهز هذه المناسبة ونقول لحزب السلطة الحاكم: "إن حالة الانسداد السياسي وعدم الرغبة الجادة أو النية الصادقة في الإصلاح ومنع أبناء الشعب المصري من ممارسة حقه الدستوري والقانوني يؤدي إلى مزيدٍ من التوتر والاحتقان المجتمعي العام ويفتح الباب على مصراعيه أمام موجات اليأس التي تفتح الأبواب بدورها أمام كل الاحتمالات.

 

ونقول للقوى السياسية والوطنية إنه من الضروري ألا نترك الساحةَ خاليةً لحزب السلطة الحاكم يعبث بها كما يريد، فهو الأمر الذي يتمناه، هو يريد أن يفرض على الجميع يأسًا وإحباطًا، من خلال الإجراءاتِ الاستثنائية والتدابير الشاذة التي تُمكنه من تزوير الانتخابات حتى يستسلم الجميع وينفضوا أيديهم من مواجهته ومقارعته، وبالتالي فإن تعبئة الرأي العام والدور الذي يمكن أن تقوم به المنظمات الحقوقية والمفكرين والكتاب والأدباء هو دور حيوي في التصدي لهذه الإجراءات الفجَّة وعدم الاستسلام للأمر الواقع الأسيف، خاصةً أن ما سيترتب على هذه الانتخابات من نتائج، إيجابية أو سلبية، سيكون له أثره البالغ على حاضر ومستقبل مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهذا وقت التكاتف والتوحد في وجه السلطة الاستبدادية.

 

كما ننتهز هذه الفرصة كي نتوجه إلى الشعب المصري بكل شرائحه وفئاته ونذكِّره بأن لديه طاقات كامنة وإمكانات هائلة، وأنه قادرٌ على الإصلاحِ والتغيير.. قادرٌ على أن يستجمع قواه ويشحذ همته في مواجهةِ الفساد والاستبداد، وأنَّ هذه المرحلة تحتاج منه إلى التحرك الفاعل والنشط لا لاستردادِ حقوقه فقط، وإنما للمشاركة في صنع الحياةِ وتقريرِ المصير.

 

إن الحرية لا تُوهب، والديمقراطية لا تُمنح، ومن ثَمَّ عليه أن يضع في اعتباره أن هذه هي مسئوليته التي يجب أن يضطلع بها، وتلك هي تبعته التي لا بد أن يقوم بها حتى تتحقق آماله وأحلامه في النهضة والتقدم والرقي، وحتى يرى بلاده وقد احتلت المرتبة اللائقة بها بين الأمم.. ونقول: إن الشعب المصري بكريم عنصره وأصالته وحبه للحق والعدل والحرية سيكون أكثر إيجابية مما يعتقد حزب السلطة الحاكم، وسيكون أكثر بذلاً وعطاء مما يتصور الكثيرون مهما لقي من صعوباتٍ وواجه من تحديات، وهو يعلم يقينًا أن جهاده من أجل الحرية والديمقراطية إنما هو جهاد ضد مشروع الهيمنة الصهيونية الأمريكية الذي يدعم الديكتاتوريات المستبدة التي سَدَّت الأبواب أمام كافة محاولات الإصلاح.

 

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نتقدم بعظيم التقدير وخالص التحية لأبنائنا وإخواننا وأخواتنا في كل محافظات مصر على صبرهم وصمودهم وثباتهم وتحملهم للأذى في سبيلِ دعوتهم ومن أجل أمتهم ووطنهم، ونقول إن وطنًا فيه هؤلاء الأبرار يستحق أن يكون وطن العزة والكرامة والفخار.

 

إن هؤلاء الإخوان يقدّمون لأمتهم أروع الأمثلة في التضحية والبذل والفداء، وإن جهودهم نحو الإصلاح والتغيير لن تضيع سدى ولن تذهب هباء.. نحن فخورون بهم وبأدائهم، ونسأل الله تعالى أن يتقبلها ويبارك فيها ويحقق بها الخير لبلدنا الحبيب، ونؤكد لهم أننا مصرون رغم المعوقات الكثيرة على الاستمرار في خوض هذه الانتخابات، وفي التواصل مع الشعب المصري الأصيل، وسوف نتخذ كافة الوسائل الدستورية والقانونية لتحقيق رسالتنا ما أمكننا إلى ذلك سبيلاً. والله من وراء القصد، وهو يهدي إلى سواء السبيل.

محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين
القاهرة في: 7 من ربيع الأول 1429هـ=  الموافق 15 مــارس 2008م