التاريخ : السبت 18 سبتمبر 2010 . القسم : بيانات
بيان من الإخوان المسلمين بشأن جريمة حرق المصحف الشريف
القرآن الكريم هو كتاب الله ورسالته الأخيرة إلى البشرية إلى يوم القيامة، الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، وتكفَّل بحفظه إلى يوم الدين.
بهذا يؤمن مليار ونصف المليار مسلم في العالم، ويُقدِّسون هذا الكتاب، ويفتدونه بالغالي والنفيس، ويحيطونه بعنايةٍ لم يحظَ بها كتاب آخر في العالم، فحفظه منهم الملايين عن ظهر قلب، ويتقربون إلى الله بتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة، وشرحه مئات الآلاف عبر القرون، وطبعوا منه مليارات النسخ وترجموه إلى جميع اللغات.
ولقد كان هذا الكتاب الكريم سببًا في نهضةٍ حضاريةٍ انتشلت الناس من وهدة التخلف والهمجية إلى قمة الرقي والإنسانية، وأضاءت للبشرية مشاعل النور والفكر والتقدم، الذين يؤمنون به والذين لا يؤمنون به؛ وذلك بما احتواه من عقائد ومبادئ وأخلاق ومعارف ونظم وقوانين.
فقد جاء بالتوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك ولا نقصٌ لله رب العالمين، والإيمان بالرسل جميعًا دون تفرقة ولا تمييز، والاحترام الكامل لهم وإجلالهم وتوقيرهم وتنزيههم عما ألحقته ببعضهم بعض الكتب السابقة من عبادة للأوثان، والزنى بالمحارم، والسكر وكشف العورات، والسرقة والتآمر، فهم صفوة الخلق ومحل اجتباء الله وقدوة البشرية جمعاء، وكذلك الإيمان بالكتب السابقة في صورتها الصحيحة، وجاء بالحريات العامة: حرية العقيدة والعبادة واحترام أماكن العبادة وحرية الرأي والتعبير، والمساواة الإنسانية العامة والمساواة أمام القانون والقضاء والشورى والديمقراطية والعدل والكرامة الإنسانية والتكافل، والعلم، والحق في اختيار الحاكم ومسئوليته أمام الشعب والحق في العمل والكسب والتملك، وإقرار حقوق الإنسان قبل أن يعرف الناس ما هي حقوق الإنسان، بل اعتبر الإسلام الدم والعرض والمال لهم حرمة لا تُمس ولا يُعتدَى عليها.
بيْد أن باباوات الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في العصور الوسطى ظلوا يهاجمون الإسلام والقرآن وينسبون إليهما ما ليس فيهما بغية صرف أتباعهم عنهما وإثارة الكراهية والحقد عليهما؛ وذلك نتيجةً لزوال سلطان الكنيسة السياسي والديني عن الشام ومصر ودول شمال إفريقيا، ودخول أهل هذه البلاد في دين الله أفواجًا، ورغبةً في إثارة الحماس لدى الجماهير لشنِّ الحروب الصليبية التي استمرت عدة قرون، وأعقب هؤلاء الباباوات في الافتراء على الإسلام والقرآن كبار المستشرقين الأوائل، الأمور التي أورثت أجيال المسيحيين الغربيين كراهية الإسلام.
ولقد ظلَّ القرآن- بفضل الله- هو عاصم هذه الأمة من الذوبان والضياع حتى في أسوأ فترات الضعف والاحتلال، حتى وقف دزرائيلي- رئيس وزراء بريطانيا- في مجلس العموم ممسكًا بنسخةٍ من القرآن قائلاً: إنه لا استقرارَ لنا في هذه البلاد طالما بقي هذا الكتاب بين أظهرهم.
وحديثًا سمعنا تاتشر ومن بعدها سكرتير حلف الناتو يؤكدان زوال الخطر الأحمر (الشيوعية) وبقاء الخطر الأخضر (الإسلام)، وسمعنا جورج بوش الابن وهو يشنُّ حربه على العراق ويقول "إنها حرب صليبية".
وكان ثمرة لذلك أن رأينا قسيسًا في أمريكا ومن بعده بعض القساوسة يشرعون في حرق المصحف الكريم بمناسبة ذكرى أحداث 11 سبتمبر، وهي التي لم يجر تحقيق نزيه أو محايد بشأنها حتى الآن، وحتى بافتراض صحة ما نُسِبَ إلى تنظيم القاعدة فهم أفراد يُعدون على أصابع الأيدي، بينما استنكرها المليار ونصف المليار من المسلمين في العالم، والمثير للسخرية أن هؤلاء الذين شرعوا والذين نفذوا هذه الفعلة النكراء أكدوا أنهم لم يقرءوا القرآن، وهذا إنما يدل على جهلٍ وحقدٍ وتعصبٍ أعمى كنا نظن أن الغرب قد شُفِيَ منه.
والحقيقة أن الإسلام يتعرض لحملة شعواء في أمريكا وأوروبا بكاملها تقريبًا، وهذا مرجعه إلى قوته الذاتية، وأنه صوت الفطرة، وأنه غذاء العقل والروح بجانب رعايته للبدن، فهو دين الدنيا والآخرة والأفراد والمجتمعات، وهو الذي ينظم الحياة ويحترم الإنسانية ويحافظ على البيئة وعلى الكوكب الذي نعيش فيه في سلام واستقرار؛ ولذلك كان عدد الذين يؤمنون به في زيادة مضطردة رغم ضعف المسلمين وتخلفهم في العالم.
إننا نحترم الكتب المقدسة لغير المسلمين رغم ما بها مما ننكره، ولا نسمح لأحدٍ أن يحرقها أو يهينها.
إن العالم قامت قيامته يوم هدم الأفغان تمثالي بوذا، ولكنه لم يحرك ساكنًا يوم العدوان على المصحف الشريف.
إن الغرب سنَّ قانونًا يعاقب مَن ينكر محرقة هتلر لليهود أو يشكك في عدد ضحاياها، ولو كان ذلك نتيجة بحث علمي مدعم بالأسانيد والمستندات والبراهين.
إننا نستنكر هذه الجريمة الشنعاء- جريمة حرق المصحف- ونطالب بالتجريم القانوني لكلِّ من يعتدي على المقدسات، وإلا فستظل مثل هذه الأفعال سببًا في تكريس كراهية المسلمين للغرب ولأمريكا على وجه الخصوص؛ لانتهاك حرمة مقدساتهم، ومقدمة لإعادة الحروب الدينية بين الشعوب، الذين نرجو لهم السلام والوئام والتعاون.
وأخيرًا.. فإننا ندعو المسلمين للتمسك بقرآنهم وتطبيقه والعيش في ظلاله فهذه أنجع وسيلة للدعوة إليه بلسان الحال، فإن الناس لو رأوا منهم ذلك لأسرعوا، فالمستقبل لهذا الدين بإذن الله؛ لأن الذي أرسله قال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (التوبة: من الآية 33)، كما ندعو المسلمين للغضب لمقدساتهم ومعاقبة مَن يتطاول عليها بالوسائل السلمية المشروعة، كما ندعو حكام المسلمين إلى التدخل لدى حكام الغرب لوقف هذه الاستفزازات، وحماية مشاعر المسلمين وحقوقهم في الشرق والغرب.
﴿وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)