التاريخ : الاثنين 21 فبراير 2011 . القسم : بيانات
بيان من الإخوان المسلمين حول مطالبة الشعب بالقصاص
إن الشعب المصري الذي قام بثورته الشعبية السلمية البيضاء، والذي حافظ على مؤسسات الدولة وحمى الأرواح والأموال والأعراض، في وقت الفوضى والإرهاب العام الذي أشاعته فلول النظام البائد التي خانت أمانتها وتنكَّرت لدينها ووطنها وأهلها؛ من أجل مكاسب شخصية حرام، هذا الشعب الراقي المتحضِّر يربأ بنفسه أن يندفع بغريزة الرغبة في الثأر والانتقام حتى لا يقع في دائرة الظلم لأحد أيًّا كان، ولكن ليس معنى هذا أن نغضَّ الطرف عن مقترفي الجرائم البشعة في حق الشعب والوطن، فإن ترك هؤلاء المجرمين ينعمون بما اقترفت أيديهم وما نهبت أطماعهم غفلة يتنزه عنها الشعب المصري، وتشجيع لغيرهم على نفس السلوك، وإضافة مزيد من الألم للمظلومين، ولذلك فقد قال الحكيم العليم في القرآن الكريم: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: ).
لذلك طالب الشعب- ولا يزال- بتطهير البلاد من هؤلاء الظالمين والمضللين، وأعوان الطغاة المتكبِّرين، وذلك بتحقيق ومحاكمة عادلين، ولكل أركان النظام البائد وأعوانه، لا يُستثنى منهم أحد، فقد آن الأوان ليتساوى الناس فعلاً أمام القضاء والقانون، وليكن البدء برئيس النظام المخلوع وأسرته واسترداد الأموال التي نهبوها وهرَّبوها للخارج، ثم بقية الأركان المعلومين بالاسم، والذين يتحركون بمنتهى الحرية، ويتمتعون بالملايين والمليارات الحرام، حتى بات الناس يخشونهم أن ينقلبوا على الثورة ويسلبوا الشعب ما دفع له أثمن ما يملك أرواح الأبناء ودماء الشهداء، فلا يمكن أن يهدأ الناس ويستريحوا إلا أن ينال هؤلاء القصاص العادل الذي يستحقونه.
وإن من أغرب الأوضاع وأكثرها قلقًا للناس أن يظل جهاز مباحث أمن الدولة قائمًا بقياداته وأشخاصه وصلاحياته ومقاره، وهو الذي ارتكب من الجرائم في حق الشعب ما لا يمكن أن يمحوه التاريخ ولا ينساه الناس، ولا يعفو الله عز وجل عنه؛ لأنه من حقوق العباد، فإلى متى يظل هؤلاء المجرمون في أمن وأمان والشعب في قلق وحرمان؟ وإلى متى سيظل المسجونون السياسيون في سجون الظلم موقوفين؟!
إن الإخوان المسلمين الذين يعزفون عن ذكر دورهم في الثورة وتضحياتهم لنجاحها- لأنهم جزء من الشعب المصري الأصيل، ورغبةً فيما عند الله وليس في ثناء الناس، وإن تحدث الناس بهذا الدور وأشادوا به- ليشعرون بالإدانة والاستنكار لهذه الوجوه الكريهة التي تصدَّرت أجهزة الإعلام الرسمية، وافترت عليهم من الأكاذيب ما تزول لهوله الجبال، ولا تزال تحرِّض عليهم وتمارس الدسَّ والوقيعة بينهم وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمسئولين.
إن العدل والحق والأمانة التي بعثتها روح الثورة تستلزم تنظيف هذه المؤسسات؛ حتى تصبح مؤسسات الشعب وليست مؤسسات أجهزة الأمن.
إن الإخوان المسلمين ليرون أن ما يحدث في ليبيا- رغم وحشيته من قبل النظام الليبي- إنما هو إيذان، بإذن الله، باقتلاع الوتد الفاسد الثالث لخيمة الاستبداد والفساد التي حالت بين الشعوب العربية وشمس الحرية التي عادت للإشراق من جديد، وإننا إذ نحيِّي الشعب الليبي البطل ونترحَّم على الشهداء الأبرار لنرجو من المسئولين في مصر العمل الفوري لتأمين عودة المصريين الموجودين في ليبيا، ثم السماح والمعاونة لقوافل الإغاثة الشعبية الطبية في الوصول إلى المصابين هناك؛ حيث تكاد نداءات استغاثاتهم تصكُّ آذاننا، فنرجو التحرك السريع.
ولقد آن للولايات المتحدة الأمريكية أن تراجع سياستها في المنطقة التي ثبت فشلها وجهلها وظلمها إذ انحازت إلى الحكومات الظالمة الفاسدة المستبدة ضد شعوبها، فإذا بغضبة الشعوب تطيح بهذه الأنظمة كهباءة في الرياح، وآن لها أيضًا أن تراجع سياستها البغيضة من قضية فلسطين، وآخرها استخدام الفيتو ضد قرار لإدانة "الاستيطان" في الأراضي الفلسطينية، مخالفةً بذلك إعلان هيئة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة العديدة، بل وضميرها الوطني، الذي يقوم على الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير- كما تدَّعي- وهي إذ تفعل ذلك فإنها تستزيد من بغض الشعوب العربية والإسلامية وكراهيتها لها، فما أظلمها من سياسة خرقاء، كما نحذِّرها من محاولات الالتفاف على إرادة الشعوب وتشجيع ديكتاتوريات جديدة، فقد شبَّت الشعوب عن الطوق، ودمَّرت قيود الخوف، وذاقت طعم الحرية والكرامة، ولن تفرط فيها بعد اليوم.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
الإخوان المسلمون
القاهرة في: 18 من ربيع الأول 1432هـ= الموافق 21 من فبراير 2011م