التاريخ : الأربعاء 31 أكتوبر 2012 . القسم : بيانات

بيان من الإخوان المسلمين حول الشريعة الإسلامية وهوية الأمة


قامت جماعة الإخوان المسلمين لإحياء روح الإسلام وإيقاظ الإيمان في نفوس أبناء المجتمع، باعتبار ذلك هو السبيل إلى نهضة الأمة واستعادة مكانتها ودورها التاريخي وتحقيق واجبها الشرعي، وقد حدد الأستاذ الإمام حسن البنا- رحمه الله- مهمة الإخوان المسلمين في أنها إرشاد الإنسانية كلها إلى نُظم الإسلام الصالحة وتعاليمه القيمة التي بغيرها لن يسعد الإنسان.

 

ومما لا ريبَ فيه أن الشريعة الإسلامية هي أهم المكونات للشخصية المصرية، وأهم المحددات للهوية المصرية باعتبارها بالنسبة للمسلمين دينًا، ولغير المسلمين ثقافةً وحضارةً ومواطنةً على قدم المساواة.

 

ومفهومنا للشريعة أنها نظام شامل للحياة يسعى إلى تكوين الفرد المواطن الصالح صاحب الضمير الحي والمحب لوطنه والمخلص لأمته والراغب في تقديم الخير للناس من حوله، وتكوين المجتمع المتعاون المتكافل القائم على المساواة والعدل والاحترام المتبادل، وإقامة الحكم الرشيد القائم على خدمة الأمة وتحقيق العدل بين المواطنين وإقامة علاقات دولية متوازنة ومستقلة تسعى لإقرار السلم والتعاون الإنساني، وتأكيد حقوق الإنسان، من منطلق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات).

 

ونظام الشريعة يقوم على إيقاظ الإيمان وإصلاح السلوك وتغيير المناخ إلى الأفضل وتتميم مكارم الأخلاق، عبر الإقناع والتوعية، من غير جبرٍ ولا إرغامٍ ولا إكراه.

 

ولحماية هذا المجتمع الراقي الذي تصنعه الشريعة الغراء فإنها جعلت نظام العقوبات في منتهى العدل والإحكام، فلا عقوبةَ إلا على جريمة، بعد استيفاء كل شروط تحقق الجريمة، ومن ذلك تهيئة المجتمع أولاً لفهم الشريعة وقبولها، والتدرج العملي في تطبيقها، وتحقيقها للمقاصد الكلية التي لا غنى للإنسان والمجتمع عنها، وهي الحفاظ على الدين، والنفس، والعقل والمال والعرض، بما يحقق الأمن النفسي والمادي في المجتمع.

 

كما أن نظام الشريعة يقوم على مبادئ أساسية تتميز بها الشريعة عن كل القوانين الوضعية، فهو يقوم على التيسير لا التعسير، وعلى رفع الحرج وإزالة الضرر عن الفرد والمجتمع وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، وتقديم دفع المفاسد على جلب المنافع، والتوازن بين حقوق الفرد والمجتمع، إلى آخر مبادئ الشريعة المعروفة والتي من شأن بناء القوانين عليها أن تحقق الأمن والرخاء والاستقرار للمجتمعات.

 

كما أن نظام الشريعة يدعو إلى التواصل مع كل الثقافات والحضارات بما يكفل للفرد والمجتمع الاستفادة من كل جديد ومفيد إنساني أيًّا كان منشؤه، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وبهذا الانفتاح على كل الثقافات والحضارات يتقدم المجتمع باستمرار، فهي تحفظ حقوق غير المسلمين، وتعطيهم الحق الكامل في ممارسة شعائرهم والتحاكم إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية وشئونهم الخاصة، وهو ما دعا البابا شنودة الراحل إلى القول: "إن الأقباط يكونون في ظلِّ الشريعة أسعد حالاً وأكثر أمنًا.. إننا تواقون إلى أن نعيش في ظلِّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا".

 

ثم إن نظام الشريعة يرفض تمامًا مفهوم الحكومة الدينية أو الكهنوتية أو التقديس لحاكم أو فئة أيًّا كانت، ويرفض أن يحتكر أحد سلطة التشريع، فالشعب وحده هو مصدر السلطات المختلفة ومُنشئها باختياره الحر انطلاقًا من مبادئ الشريعة دون وصاية من فرد أو فئة عليه.

 

ذلك هو جانب من مفهومنا نحن الإخوان المسلمين للشريعة الإسلامية، التي هي أهم القضايا التي ننشغل بها ونسعى لترسيخها في المجتمع، وتعرَّض إخواننا للاستشهاد والسجن والاعتقال في سبيل ذلك عبر عقود من الزمن، ولا يمكن بحال من الأحوال التفريط في المطالبة بهذه الشريعة الغراء.

 

ولما كان الدستور هو القانون الأساسي الذي تنشأ عنه القوانين، ويتضمن المبادئ الأساسية للعلاقات بين السلطات المختلفة، ويحدد حقوق المواطنين وضمانات المواطنة السليمة، فقد حرص الإخوان المسلمون دائمًا على أن تكون الشريعة في موضعها اللائق من هذا الدستور، بما يساعد البرلمان على وضع قوانين الشريعة الإسلامية موضع التقنين إن شاء الله.

 

من هذا المنطلق كانت المادة الثانية في الدستور تنصُّ على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وتم التوافق بين كل القوى السياسية على إضافة مادة في الأحكام العامة تنص على ما يلي "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"، والمقصود بأدلتها الكلية كل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، والمقصود بالقواعد الأصولية والفقهية: القواعد المستنبطة من عموم الأدلة الشرعية التي لا اختلافَ عليها والتي تحقق مقاصد الشريعة، والمقصود بالمصادر المعتبرة: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وبهذه المادة ينقطع الجدل الدائر حول تفسير مبادئ الشريعة بشكل كامل.

 

وفيما يتعلق بالأسرة والمرأة فقد نصَّت المادة (68) على المساواة بين الرجل والمرأة دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية؛ وذلك حتى لا يكون للمعاهدات الدولية التي تدعو إلى مخالفة شيء من الشريعة مجال لتحقيق أغراضها، كمحاولة تقنين الشذوذ أو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي، ونحو ذلك.

 

كما تضمنت المسودة كثيرًا من المبادئ الشرعية كالنص في المادة (71) على تحريم كل صور استرقاق الإنسان والبغاء والعمل القسري وانتهاك حقوق الإنسان.

 

إلى جوانب مواد كثيرة يتضمنها مشروع الدستور لحماية الحقوق والحريات وكلها مأخوذة ومتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

 

ومن الملاحظ أن ثمة حملة غير منصفة تستهدف الهوية الإسلامية لمصر، وتحاول إيقاف العمل للانتهاء من الدستور الذي سيحقق الاستقرار وقيام المؤسسات في البلاد؛ ما سيترتب عليه تعويق عملية التحول الديمقراطي وعملية التنمية التي نسعى جميعًا لدفعها إلى الأمام.

 

ولذلك ندعو الجميع إلى تغليب المصلحة العليا للوطن ودعم العمل على إنجاز الدستور، الذي يحقق الهوية الإسلامية للدولة المصرية وتقديم المقترحات النافعة بدلاً من الاعتراض لمجرد الاعتراض، ونحن على يقين من وعي الشعب المصري وحرصه على تدعيم حرياته ومشاركته الفعَّالة والبنَّاءة في إنجاز هذا المشروع الدستوري إن شاء الله تعالى.

الإخوان المسلمون
القاهرة في: 15 من ذي الحجة 1433هـ الموافق 31 أكتوبر 2012م