التاريخ : الخميس 05 ديسمبر 2013 . القسم : بيانات

بيان من الإخوان المسلمين حول أحداث الاتحادية في ذكراها الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم

إن أحداث الاتحادية إنما هي حلقة في سلسلة متصلة منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، فعندما قامت الثورة اختلفت مواقف القوى والمؤسسات منها، فالغالبية العظمى من الشعب وقفت معها، وشاركت فيها، ووقف النظام البائد ضدها وأيده في ذلك عدد من الأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية الرسمية والإعلامية ووقفت المؤسسة العسكرية موقفًا أقرب إلى الحياد في الظاهر وعندما ظهر أن الثورة في طريقها للانتصار خلع كثير من المناوئين ثيابهم ولبسوا مسوح الثورة قفزوا إلى سفينتها بهدف البحث عن موقع في النظام الجديد يجنون من ورائه مصالحهم وآلت إدارة البلاد إلى المجلس العسكري الذي ارتضاه الناس لهذا الدور المؤقت بستة أشهر؛ باعتباره المؤسسة المتماسكة وردًّا لجميله لرفضه المشاركة في القضاء على الثورة وإطلاق الرصاص على الثوار.

 

كان من أهداف الثورة استعادة الشعب لحريته وسيادته وإقامة حياة ديمقراطية سليمة ونظام حكم مدني، وعندما بدأت العملية الديمقراطية بالاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011م اكتشفت القوى العلمانية والليبرالية واليسارية أن شعبيتها في الشارع ضئيلة، وأن غالبية الشعب تؤيد القوى الإسلامية؛ الأمر الذي أثار حفيظتهم وحفيظة قوى داخلية وإقليمية وخارجية لاعتبارات أيديولوجية ومصلحية متعددة، فالإسلاميون تحكمهم قيم الحرية والعدل والمساواة والإصلاح والكرامة الوطنية، ومن ثم فلن يكون هناك مجال للفساد والامتيازات الشخصية أو الفئوية ولا لهيمنة مؤسسية ولا لتبعية دولية، وإنما سيسعون للأخذ بأسباب النهوض والعمل والإنتاج والتقدم والقوة في مختلف المجالات وتقديم نموذج يجمع بين الارتقاء المادي والالتزام القيمي والأخلاقي نموذج ديمقراطي إسلامي شعرت بعض الدول المجاورة بأنه ربما يثير عليها شعوبها تأثرًا ولو لم يتعمد ذلك فبادرت إلى معاداته، وهكذا أصبحت الثورة- والإسلاميون في القلب منها- هدفًا لكل أولئك.

 

وبدأ التدافع بين هذه القوى التي تريد بقاء حالة الفراغ؛ حيث لا رئيس ولا دستور ولا برلمان وبين قوى الشعب التي تريد التحرك في المسار الديمقراطي والإسراع لإبعاد المجلس العسكري عن الساحة السياسية، وتحت الضغط الشعبي اضطر المجلس العسكري لتحديد موعد الانتخابات البرلمانية، وحاول هو ومجموعة من السياسيين تأجيل الانتخابات أو إلغاءها؛ بافتعال أحداث عنف وقتل في شارع محمد محمود (يرجع لتقرير تقصي الحقائق عن أحداث محمد محمود وقد نشرته "الجزيرة" ومواقع أخرى) إلا أنه اضطر إلى إجرائها في الموعد المحدد، وفاز الإسلاميون بأغلبية كبيرة وحصلت القوى الأخرى على نسبة ضئيلة وعلى الفور بدأت حملة شعواء تشنها أجهزة الإعلام لتشويه مجلس الشعب وأعضائه، وفي الوقت نفسه بدأت محاولة حله، حتى قال رئيس الوزراء وقتها إن حكم الحل موجود في درج رئيس المحكمة الدستورية، وبعد انتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور تم الطعن على تشكيلها أمام محكمة القضاء الإداري التي قضت بحلها، فقامت الأحزاب جميعًا بالتوافق على لجنة جديدة، وتم انتخابها، وبدأت عملها إلا أن طعنًا جديدًا جرى تقديمه على تشكيلها، كما أقيمت دعوى أخرى لحل مجلس الشورى أيضًا للابقاء على حالة الفراغ الدستوري والمؤسسي.

 

بدأت الانتخابات الرئاسية بعد تفاصيل لا داعى لذكرها، وكانت نتيجة المرحلة الأولى جولة إعادة بين الدكتور محمد مرسي الفائز بالمركز الأول والفريق أحمد شقيق؛ الذي جاء في المركز الثاني، وهنا طالب بعض السياسيين من العلمانيين والليبراليين الدكتور محمد مرسي بالتنازل عن جولة الإعادة لصالح حمدين صباحي؛ الذي جاء في المركز الثالث، بالرغم من أن هذا الطلب غير دستوري وغير قانوني وغير عادل، ولا يحترم الإرادة الشعبية التي انتخبت الدكتور محمد مرسي، وأن هذا لو حدث لتم إعلان فوز الفريق أحمد شفيق بالرئاسة دون إعادة مع أحد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما تخفيه صدور هؤلاء الناس ورغبتهم في إقصاء الإسلاميين.

 

أجريت جولة الإعادة وتم تأخير إعلان نتيجتها رسميًّا نحو أسبوع، إلا أن حزب الحرية والعدالة كان قد أعلنها فجر يوم الانتخابات بعد حصوله على محاضر فرز جميع اللجان التي أصدرها القضاة ونشرها، فلم يعد ثمة بدٌّ من إعلانها صحيحة بفوز الدكتور محمد مرسي، وكان المفروض أنه بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية أن يتسلم الرئيس السلطة التنفيذية من المجلس العسكري وينتهي دور الأخير في الحياة السياسية إلا أنه سارع قبل صدور نتيجة الانتخابات بأيام بإصدار حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب واستعاد المجلس العسكري السلطة التشريعية ليظل في قلب المشهد السياسي.

 

حدثت أحداث أدت إلى أن يتخذ الرئيس المنتخب قرارًا بإحالة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان إلى التقاعد، وحل المجلس العسكري، واستعاد سلطة التشريع منه، والتزم بألا يستخدم هذه السلطة إلا في أضيق الحدود، ريثما يتم إنجاز الدستور لتنتقل إلى مجلس الشعب.

 

منذ أن تولى الرئيس مسئولياته فوجئ بقوى كثيرة تسعى لإفشاله من أجل إسقاطه ولم يكن الأمر سرًّا، ولكنه قيل علنًا، وقد قال أحد خصومه السياسيين إنه لن يمكث في المنصب إلا أربعة آشهر، وكتب آخر في صحيفة "الأهرام" يقول: إن المعارضين لا يملكون مشروعًا يقنعون الناس به لينتخبوهم في الانتخابات القادمة، ولكنهم يسعون لإفشال الرئيس لإسقاط نظامه.

 

وقد سخطت عليه قوى الداخل والخارج، فالغرب وعلى رأسهم أمريكا رأوا فيه رئيسًا يسلك مسلكًا استقلاليًّا محوريًّا ويرفض التبعية، ومن ثم لم يعد حليفًا لأمريكا، كما أنه يسعى للنهوض ببلده وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والسلاح، ولا يقبل منه إملاءات أما دولتا الخليج والسعودية فقد سخطتا عليه لاعتزامه إقامة نموذج ديمقراطي إسلامي يمثل منافسًا له جاذبية اجتماعية وسياسية قد تؤثر على نظاميهما فبذلا المليارات للتآمر لإسقاطه.

 

أما السياسيون المصريون ذوو التوجهات العلمانية ليبرالية أو يسارية فهي تكره النموذج الإسلامي من منطلق أيديولوجي، إضافة إلى خسارتهم في كل الانتخابات التي نافسوا فيها الإسلاميين أما الدولة العميقة  وبقايا النظام السابق الذين فقدوا كل مميزاتهم المادية والمعنوية ومناخ الفساد الذي ترعرعوا فيه فقد سعوا لإجهاض النظام تمهيدًا للقضاء على الثورة ذاتها واستخدم الجميع وسائل الإعلام التي راحت تشوه الرئيس والنظام بل وتدعو لإسقاطه.

 

وظل هؤلاء يحركون المظاهرات الفئوية بصفة شبه يومية والمظاهرات العامة التي بدأت تنتهج سبيل العنف والحرق وتخريب المؤسسات العامة والخاصة، واستخدمت جحافل البلطجية ومجموعات البلاك بلوك في ذلك.

 

وراحت مسيرة الإفشال تستخدم القضاء لحل المؤسسات الدستورية (مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور) حتى نعود إلى حالة الفراغ في ظل انغماس نادي القضاة في ممارسة السياسة والانحياز ضد الرئيس والنظام والاصطفاف مع المعارضة.

 

عندئذ أحس الرئيس بالنية في حل الجمعية التاسيسية وتعطيل إصدار الدستور وحل مجلس الشورى  فأصدر إعلانًا دستوريًّا يحصنهما ضد الحل واشتمل الإعلان على بندين متجاوزين، فاستغلت هذه القوى المعارضة هذا الخطأ، وقامت بتحريض أنصارها على الحشد والاحتجاج أمام قصر الاتحادية، وكان الاحتجاج خارجًا على كل الحدود، فالألفاظ والهتافات بذيئة، والرسومات على سور القصر بذيئة، بل تم استخدام العنف بالزجاجات الحارقة التي ألقيت داخل القصر، وتسلق البعض أسواره وحاول أحد الأشخاص انتزاع بوابته بواسطة "ونش" وبدأت الأصوات تطالب باقتحامه والاستيلاء على السلطة وراح البعض إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو لاقتحامه وإعلان بيان بهذا المعنى.

 

وكلما طالب الرئيس وزير الداخلية بتأمين القصر وعدم تمكين المتظاهرين من الوصول إليه ادَّعى أن الشرطة ضعيفة وعاجزة وأنها لم تتعاف من آثار 25 يناير 2011، بالرغم من تشجيع الرئيس لهم، وكلما طالب الرئيس الحرس الجمهوري بالقيام بدوره ادّعى أنه مسئول في حالة دخولهم القصر فقط، وعندما طالب المستشار أحمد مكي وزير العدل حينئذ الفريق السيسي وزير الدفاع بحماية مؤسسات الدولة، قال إنه لا يستطيع أن ينزل الجيش إلى الشارع ولن نقارن بين ما قالوه وبين الواقع اليوم، عندئذ رأى الإخوان المسلمون أن النظام بات مهددًا بطريقة إرهابية انقلابية على الإرادة الشعبية، ولو كان هناك تغيير يتم بطريقة ديمقراطية لرحَّبنا به، ولذلك قرروا التظاهر أمام قصر الاتحادية بطريقة سلمية؛ حتى تستشعر الداخلية مسئوليتها في حماية القصر.

 

وجاء شباب الإخوان في اليوم التالي، وكانت هناك عدة خيام منصوبة، وبها بعض المعارضين، وما إن وصل شباب الإخوان إلى المكان حتى بادرهم المعارضون بالقذف بالحجارة، فبادلهم الشباب القذف بالحجارة، وخلعوا الخيام التي وجدوا بداخلها مواد مخدرة ومواد حارقة تستخدم في أعمال العنف والتخريب.

 

فأصدر قادة ما يسمى جبهة الإنقاذ نداءً لأتباعهم للذهاب إلى قصر الاتحادية والاشتباك مع شباب الإخوان فذهبوا ومعهم عدد كبير من البلطجية المسلحين بأسلحة مختلفة بدءًا من الأسلحة البيضاء إلى الأسلحة الآلية، وبدا الاشتباك بالحجارة والشرطة تتفرج، بل كانت تتدخل إذا كانت الكرة لشباب الإخوان وبدا البلطجية يستخدمون الأسلحة النارية وبدا سقوط الشهداء في جانب شباب الإخوان حتى سقط عشرة شهداء ثمانية منهم من الإخوان، وصحفي (الشهيد الحسيني أبو ضيف) وشخص آخر، وكلاهما سقط في الجانب الذي كان فيه الإخوان، الصحفي ربما يكون قتله من البلطجية حتى لا يقوم بتصويرهم، وتم القبض على عدد كبير من هؤلاء البلطجية، ومعهم أسلحتهم وتم تسليمهم إلى النيابة إلا أنها قامت بإطلاق سراحهم وحفظت القضية، وظلت هكذا حتى وقع الانقلاب العسكري، وتم اختطاف الرئيس وإخفاؤه وبعد فترة بدءوا في البحث عن اتهامات يقدمونه إلى المحاكمة بمقتضاها فوجهوا إليه تهمة التحريض على القتل وذكروا في أوراق القضية الصحفي والشهيد الآخر فقط، وحذفوا أسماء الشهداء الثمانية الذين ينتمون إلى الإخوان المسلمين؛ لأن ذكر أسمائهم ينسف القضية من أساسها لأنه لا يمكن أن يحرض على قتل أنصاره وهل يمكن أن يحرض الرئيس البلطجية على قتل أنصاره، إضافةً إلى أنه ما يزال رئيس الجمهورية الشرعي ومحاكمته لها طريقة خاصة حددها الدستور، كما أن القضية ليس فيها من قام بالقتل إذ إن النيابة أفرجت عنهم بعد القبض عليهم مباشرة، ولم تقدمهم إلى المحكمة إضافة إلى عدم تقديم المسئولين عن حماية المواطنين إلى المحاكمة، كما شهد قائد الحرس الجمهوري أن الرئيس طلب منه فض الاعتصام دون عنف أو إراقة دم.

 

باختصار صارت أحداث الاتحادية قضية ملفقة تلصق بالرئيس الشرعي من مجموعة من الانقلابيين الدمويين الفاشيين المغتصبين للسلطة الفاقدين للشرعية والذين قتلوا الآلاف..

هذه هي حقيقة أحداث الاتحادية

"رحم الله الشهداء وأظهر الحق ومكن للقصاص من القتلة".

الإخوان المسلمون في 2 صفر 1435هـ= 5 ديسمبر  2013