التاريخ : السبت 08 فبراير 2014 . القسم : بيانات

رسالة الإخوان المسلمين إلى رجال القضاء المصري


الحمدُ للهِ العَدْلِ في قَضَائِهِ، الحكيمِ في فِعَالِهِ، القائِمِ بيْنَ خلْقِهِ بالقِسْطِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا ونَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، شَاهِدِ الصِّدْقِ لِدِينِ الحَق، ودَلِيْلِ العِبادِ إلى سَبيلِ الرشادِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبينَ العُدُولِ الثِّقَاتِ.

 

وبعدُ؛ فإنَّ أولَ ما يقعُ عليْه بَصَرُك إذا نظرتَ إلى منصَّة القضاءِ العِبارةُ القرآنيةُ الكريمةُ ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾

 

هذا العَدْلُ هو الذي به قامتْ السَّماواتُ والأرضُ، وبه أَمَر رَبُّ العزَّةِ جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِياًّ أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء 135).

 

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: «إِذَا جَلَسَ الْقَاضِي فِي مَكَانِهِ هَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوفِّقَانِهِ وَيُرْشِدَانِهِ مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ».

 

حين يَعْدِلُ القاضي، وحين تكونُ هَيْئَةُ المحكمةِ التي تَنْظرُ القضيةَ هيئةً عادلةً؛ يستقِرُّ المجتمعُ، ولا يَيْأَسُ الضَّعيفُ من الوُصولِ إلى حقِّه، ولا يطْمَعُ المتسلِّطُ أو الماكرُ المخادعُ في سلْبِ حقوقِ الناس، ولهذا كانتْ نزاهةُ هيئةِ العدالةِ والقضاءِ أهمَّ عند كُلِّ العقلاءِ في أَنْحاءِ الدُّنْيَا من نَزَاهَةِ هيئةِ التَّشْريعِ أو التَّنْفيذ، وكان حِرْصُ أُممِ الدنيا على توفير كُلِّ الضَّماناتِ للقُضَاةِ؛ ليحكُمُوا بالحقِّ دُونَ أنْ يَخْشَوْا في اللهِ لَوْمَةَ لائِم، ودونَ أنْ يُضطَرُّوا للرُّضوخِ لأيِّ ضغطٍ منْ ذِي قوةٍ أو سلطانٍ أيًّا كانَ. وهذا ما جعلَ الأممَ الحُرَّةَ تنصُّ في دساتيرِها على اعتبارِ القضاءِ سلطةً مستقِلَّةً مع سُلطَتْي التشريعِ والتَّنْفيذ.

 

وهذا هو الضمانُ الحقيقيُّ لاستمرارِ الدَّوْلةِ وبقاءِ الأُمةِ، وكان سلفُنا الصالحُ يقولون: «إنَّ اللهَ يَنْصُرُ الدولةَ العادِلةَ وإنْ كانتْ كافرةً، ولا يَنْصُرُ الدولةَ الظالمةَ وإن كانتْ مُسْلِمةً».

 

فهل الحكم بالحبس سنة وغرامة 20 ألف جنيه على طفلة عمرها 14 سنة من العدل ، وهل الحكم بسبعة عشر عاما وغرامة 65 ألف جنيه على طلاب الأزهر من العدل ، وهل الحكم بخمس سنوات وبست سنوات على حرائر وطلاب الأزهر والقصر من الأطفال من العدل، وهل حبس آلاف الرموز العلمية من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين ورموز المهن المختلفة لكونهم يعدون معارضين لسلطة الانقلاب من العدل، وهل وهل وهل ؟ الأسئلة الحائرة على باب العدالة الغائبة كثيرة لا حصر لها.

 

أيُّها القضاةُ انتبهوا:

إنَّنا في ظِلِّ المحاولاتِ الآثِمةِ لِجَرِّ القَضاءِ إلى مُسْتَنْقَعِ التبعيَّة للانقلابِ الغاشمِ، ليكونَ عصَا السلطةِ الانقلابيةِ في قمْعِ الشعبِ المصريِّ؛ بل في قمعِ زملائِهم وأساتذتِهم من القُضاةِ الكرامِ الذين أصرُّوا على قولِ الحقِّ مهما كان مُرًّا في وجْهِ الجَوَرَةِ، نُذَكِّرُ السَّادةَ القُضاةَ ورجالَ النِّيابَةِ المحترمين -على اختلافِ درجاتِهم الوظيفيةِ- بتوجيهِه وتحذيرِه سُبْحانَه لنَبِيِّه محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾.

 

كما نُذَكِّرُهم بحديثِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَط»، فإذا كان هذا حالَ القاضي العادلِ يومَ القيامةِ فكيفَ بغيره؟ نسأل الله السلامة.

 

ونُذكِّرُهم بأنَّ التاريخَ سيبْقَى شاهِدَ عدْلٍ على المرحلةِ التي تمرُّ بها الأمةُ اليومَ، وسوف يُسجِّلُ لكلٍّ قاضٍ موقفَه ويضعُه في الصفحةِ التي تليقُ به بين صفوفِ العظماءِ أو في قوائمِ المجرمين، والأملُ يحدُونا أن يكتبَ قضاةُ مصر الحاليون أسماءَهم في صفحاتِ الشرفِ والفَخَار؛ لا في صحائفِ الخزيِ والعار.

 

ثم نُذكِّرُ كلَّ القضاةِ الذين يُجامِلون الانقلابَ الدمويَّ الفاشلَ بأنَّ رِهانَهم خاسرٌ، فالانقلابُ يُسرِعُ الخُطا نحو الانهيارِ الكاملِ أخلاقيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، محليًّا ودوليًّا، وسوف يترككم الجنرالاتُ الدمويُّون في مواجهةِ الشعبِ الذي يستخدمونكم الآنَ لردْعِه وظلمِه بأحكامٍ جائرةٍ، وفي مواجهةِ الشرعيةِ التي يدفعون بكم لمحاربتِها بدلًا من دوركم الطبيعيِّ الذي أقسمتم عليه في حِراستِها، فأدرِكُوا أنفسَكم، وغادِروا سفينةَ الانقلابِ الدمويِّ الفاشلِ إلى سفينةِ الثورةِ والشرعيةِ والوطنيةِ، قبل أن يُضَحِّيَ بكم الانقلابيون الذين لا يُحسِنون سوى الغَدْرِ والخيانة؟.

 

وأخلصُ الدَّعواتِ بالتوفيقِ والبركةِ لكلِّ قاضٍ نزيهٍ شريفٍ يراقبُ اللهَ في كلِّ أحوالِه، ويتحرَّى تحقيقَ العدلِ في كلِّ أحكامِه، ونعوذُ باللهِ العظيمِ من شرِّ قُضاةِ السوء.

 

والله أكبرُ وللهِ الحمدُ، وعاشتْ مصرُ حُرَّةً مُستقِرَّة.