التاريخ : الجمعة 03 ديسمبر 2021 . القسم : رسالة الأسبوع

إلى اليقظة من جديد


جاء الإسلام وجموع البشر يعيشون في اضطراب وشقاء في كافة جوانب حياتهم، فكان هدية السماء العظمى إلى الأرض، ونعمة الله الكبرى التي ارتضاها لخلقه أجمعين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) سورة المائدة الآية ٣.

وعقيدة صحيحة ومنهاج شامل، ونظام حياة قويم للبشرية جمعاء دون تمييز بين جنس وجنس، أو لون ولون، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة سبأ الآية ٢٨.

ورسالةٌ جوهرها تكريم الإنسان كونه خليفة الله في الأرض (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) سورة الإسراء الآية ٧٠.

ومنهاج غايته صيانة حقوق الإنسان في حفظ نفسه وماله وعرضه ونسله، في حياة طاهرة يقيمها على وجه الأرض أساسها المساواة بين بني الإنسان، ومعيار التفاضل فيها تقوى الله تعالى والعمل الصالح (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات الآية ١٣.

ودين دعوة وهداية يسعى إلى تعظيم مكارم الأخلاق، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم الآية ٤، وفي الحديث (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) رواه البيهقي عن أبى هريرة.

وتسري منظومة قيمه على المسلم وغير المسلم يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيراً) سورة النساء الآية ٥٨، فالأمانات يجب أن تُؤدَّى لصاحبها سواء كان مسلماً أو غير مسلم، والعدل هو الذي ينبغي أن يسود بين الجميع حتى وإن اختلفت العقائد.

والوفاء بالعهد واجبٌ للمسلم ولغير المسلم (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ) سورة المائدة الآية ١، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المائدة الآية ٨.

 لقد نعمت البشرية والإنسانية جمعاء حينما طبقت هذه المفاهيم والتزمت بهذه القيم، واليوم وقد دار الزمان دورته، وأخذت البشرية تنتكس من جديد، وأخذ القوي يبسط سيطرته على الضعيف، ويسعى لبسط ثقافته ونمط حياته وأفكاره، وحتى معتقداته، ويسعى لفرض هيمنته على العالم كله بكل ما يملك من وسائل مشروعة وغير مشروعة، مستخدمًا في ذلك جميع ما في يده من قوى ناعمة أو قاسية، وصلت إلى حد إشعال الحروب، وايقاد فتن النزاعات، وإثارة النعرات، وإطلاق الافتراءات تجاه كل رافض لهذه الهيمنة. 

لقد أصبح واضحًا للشعوب كلها -مسلمة وغير مسلمة- بل وللإنسانية جمعاء مدى الحاجة إلى الإسلام، بمفهومه الشامل، وتطبيقه العملي الصحيح، الذي يضمن لها الاستقرار والأمان في ظل قيمه الرفيعة، ونظمه الربانية من خالق الكون والإنسان: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) سورة الملك الآية ١٤.

وإذا كانت الحضارات الإنسانية صرحا هائلًا، قد أسهمت فيه كل أمة بنصيب في سلسلة محكمة الترابط متينة الحلقات، يؤثر السابق منها في اللاحق، فإن الإسلام وحده هو النظام الذي يحافظ على ثمرات هذه الحضارة، بل ينميها ويرقيها، ويجعلها حقًا لجميع الشعوب، ويوزع خيراتها على الناس جميعا دون تفريق أو تمييز. 

ومن أهم ملامح عالمية هذه الرسالة دعوتها لمحاربة الفساد في الأرض وإقامة العدل، ومقاومة الظلم والعدوان، وهذا يتطلب جهودًا جماعية ضخمة، حتى لا تضيع ثمرات تلك الحضارة بطغيان ظالم أو شهوات منحرف.

إن هناك الآن حربًا ضروسًا على الإسلام -الدين الخاتم للرسالات السماوية كلها-وعلى القيم والمبادئ والأعراف، بل حتى على الفطرة الإنسانية نفسها، ومحاولات الانحراف بها، وهذا يتطلب منا جميعًا اليقظة والعمل الدؤوب، والتمسك بالفضيلة والمبادئ القويمة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن نيران الفساد قد اقتربت من أرضنا، بل وتوغلت وتوشك أن تشتعل فينا جميعًا.

يقول إمامنا الشهيد حسن البنا:

فيا أبناء الدعوة.. ويا رجال الصحوة.. ويا كل محب للعدل والسلم الإنساني العام..

المنوط بنا أكبر مما تتصورون، والذي لن ندركه اليوم سيكون علينا بذل أضعاف أضعاف الجهود لمحو آثاره غداَ، والنار المضرمة في الحي إن لم يتداع لها أهل الحي دخلت كل بيت، ولكم آن تتخيلوا أن هذه الحرب التي تدور رحاها على كل ما هو إسلامي، رغم ما تعانيه الحركة الإسلامية ودعوتنا الكريمة من حصار ومطاردة وضغوط وتضييق، 

لذلك أيها الإخوان أهتف فيكم جميعا بقول الشاعر:

قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ ... فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ

 أيها الإخوان..

جددوا في الخطط والأفكار.. وأبدعوا في الوسائل.. واستفيدوا من كل مخلص صاحب رأي وعقل.. فكم في الأمة من غيورين على دينهم.

اجتهدوا في تطهير أرض الله مما علق بها من دنس الفساد بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. وأعذِروا إلى ربكم في أمر إصلاح العباد. 

وثِقُوا أن مع العسر يسرا وأن الله متم نوره.. وأن الدنيا ستنعم بنور الإسلام.. وأن الفلاح والنجاح مع الصبر.. وأن الفرج مع اشتداد الكرب.

 

والله أكبر ولله الحمد

إبراهيم منير

نائب فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون" والقائم بالأعمال

الجمعة ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٣هـ؛ الموافق ٣ ديسمبر ٢٠٢١م