التاريخ : الجمعة 21 أكتوبر 2022 . القسم : رسالة الأسبوع
الرجل القرآني حسن البنا في ذكراه.. قواعد صناعة الدعاة وتجديد الدعوات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
ففي الرابع عشر من أكتوبر عام 1906 جاء إلى الدنيا ذلكم الرجل الرباني المصلح الإمام حسن البنا..
وقد أذن الله بمقدمه، والعالم أحوج ما يكون إلى مثله…
في وقت عصيب حيث الجهل، وشرك القبور، وضعف الدين، ومواخير الدعارة تملأ البلاد، والمساجد فارغة من الشباب، والمحتل يعربد في شرق البلاد وغربها، والخلافة كانت على وشك السقوط، ثم سرعان ما سقطت بفعل الخيانات والدسائس…
وكأنها سنَّة اللَّهِ بين عباده، ما إن تصل الأرض حد التشقق عطشًا، حتى يدركها غيث رحمته!!
كما قال سبحانه:
"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" سورة الشورى الآية 28.
فكان من غيث الله لمصر وللأمة بأسرها حسن البنا…
ذلك الذي أحدث نقلة نوعية في الدعوة والإحياء الأخلاقي لا زال أثرها حتى الآن، بعد مرور قرن من الزمان.
غزا المقاهي بمصحفه ورقيق كلماته في الإسماعيلية، ورد الشباب إلى المساجد، وأرسلهم لتحرير فلسطين، وأغلق المواخير، وأرهق المحتل، وغيَّر وجه الدعوة في مصر.
كل ذلك في مدة زمنية لم تتجاوز العشرين عاما ضاق فيها المحتل وأذنابه ذرعا بهذا الرجل العجيب، الذي كان يملك بسمة الداعية وبارودة المجاهد، ومشرط الطبيب وضمادته، ورقة الخطيب وقوته… فلم يتركوه حتى قتلوه، ظانين أن قتله سيقضي على فكرته ودعوته، وما دروا أن الفكرة الصحيحة والدعوة الطاهرة يكتب الله لها الحياة بعد موت صاحبها أكثر مما كانت في حياته!!
وقد كان… ما إن مات الإمام حتى ترك في الناس ألف إمام!!
الغزالي وقطب والقرضاوي وآلاف العلماء والمصلحين الذين أنبتتهم أرض الدعوة، وسقتهم تعاليم الإمام المؤسس رحمه الله، فاستكملوا طريقه، ودعوا بدعوته، كما قال الشاعر:
إذا مات منا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول.
ومضات من تراث الإمام:
يتحدث الشهيد بنعمة الله عليه فيقول: “أنا ورقة بيضاء ناصعة البياض، أنا من ضوء محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى ضوء محمد أسير، وهذا سر ما يدركني من نجاح فهو من توفيق الله وحده، لست عبقريا كما تصورونني، ولست فذا مفردا في علم أو خبرة، فهذا البناء الضخم يساهم في بنائه كثيرون مجهولون لعلهم عند الله أكبر ثوابا مني، فأنا قد أخذت في الدنيا حظا من شهرة ومعرفة حرم منه هؤلاء. لقد أخذت من الدنيا نصيبا من الشهرة وإقبال الناس علي، وكان الصالحون من المتصوفة يعتبرون ظهور الكرامة على يد الولي نقصا، وأنا أرجو أن يكرمني الله فيجعل هذه المظاهر خالصة له ولدعوته، ويجعل سبحانه من هذا الإقبال أو الجاه نصرا لدعوته ودينه” ...
ويقول رحمه الله متحدثا عن مصدر التربية ومعين التلقي عند الإخوان:
“القرآن الكريم محور التربية الإخوانية، ولهذا يُكثر الإخوان من تلاوته، والتعبد بقراءته، والتقرب إلى الله تعالى به”. رسالة: (هل نحن قوم عمليون؟) 1353هـ – 1934م
ويقول أيضا:
“وترى الجماعة أن من عوامل تحلل كيان الدولة الإسلامية؛ إهمال كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، والجمود والتعصب للآراء والأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء”. رسالة: (بين الأمس واليوم) – 1943م
كما يقول رحمه الله متحدثا عن أساس دعوته ومنطلقها:
"كذلك كانت وستظل دعوة إسلامية محمدية قرآنية، لا تعرف لونًا غير الإسلام، ولا تصطبغ بصبغة غير صبغة الله العزيز الحكيم، ولا تنتسب إلى قيادة غير قيادة رسول الله ﷺ، ولا تعلم منهاجًا غير كتاب الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”
المصدر: مذكرات الدعوة والداعية) للإمام حسن البنا، ص 162.
وأخيرا أقول للإخوان ولغير الإخوان:
إن جهودًا تبذل بلا هوادة لإخفاء سيرة هذا الرجل الملهَم الملهِم… لأنه أفسد على المحتل خططه، ولا يزال أتباعه شوكة في حلق وكلاء هذا المحتل إلى يوم الناس هذا …ولعمري لو كان حسن البنا في أمة أخرى لافتخروا به ودرسوا سيرته لأولادهم ...
أتمنى على الإخوان والمنصفين من غيرهم ألا يشاركوا في ظلم هذا الرجل، وأن يعودوا إلى رسائله المرشدة، وكلماته الملهمة المفهمة فيقرأوها ويتدارسوها، فقد كان رحمة الله عليه مسددًا واعيًا، وكأنه يقرأ حاجات أمته من وراء حجاب.
رحم الله الإمام البنا، وتقبله في الصالحين المصلحين، ونفع بتلامذته وفك أسر أبناء دعوته في مشارق الأرض ومغاربها، فما أحوج الأرض إلى أمثالهم
إبراهيم منير
نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون" والقائم بالأعمال
الجمعة 25 ربيع أول 1444 هـ؛ الموافق 21 أكتوبر 2022 م