التاريخ : الجمعة 09 ديسمبر 2022 . القسم : رسالة الأسبوع

الإخوان المسلمون.. دعوة ربانية خالدة


 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه..

لأنها تستمد رحيقها من عبق الاسلام الخالد ... تظل جماعة (الاخوان المسلمون) باقية ... غير قابلة للحل ... رغم المحن المتتالية، وتآمر الأعداء والخصوم في الداخل والخارج.

تمر بنا في هذه الأيام ذكرى قرار حل جماعة الإخوان المسلمين 8 ديسمبر 1948 الذي نفذته حكومة النقراشي باشا رئيس الوزراء والحاكم العسكري آنذاك؛ تلبيةً لقرار الدول الاستعمارية التي اجتمع سفراؤها في مدينة(فايد)لبحث سبل مواجهة الجماعة المجاهدة ... بعدما رأوا بطولاتها الأسطورية للدفاع عن فلسطين في مواجهة عصابات صهيون... فاقتيد الشباب المجاهد من ساحات القتال والفداء إلى غياهب السجون والمعتقلات، وكانت الاتهامات الجاهزة التي ما زالت تتكرر في كل محنة، وباسم محاربة الإرهاب والتطرف مورست أقصى صور الإرهاب والتعذيب، وأشدها تطرفًا ضد الجماعة، حتى اغتيل مرشدها وقائدها الإمام الشهيد حسن البنا في 12 فبراير 1949، وأغلقت مؤسساتها التربوية والتعليمية والصحية والرياضية والاقتصادية و التي طالما قدمت خدماتها للأمة كلها دون تفريق بين أبنائها ... وصودرت أموالها وممتلكاتها، وظن الغافلون أنها نهاية الإخوان، حتى إن جنازة الإمام الشهيد حسن البنا لم تحملها إلا النساء، وحضرها من الرجال اثنان فقط...والده الكريم المكلوم ... ومكرم باشا عبيد، الصديق المسيحي الخلوق المقرب من الشهيد حسن البنا.

وانقضى الحكم الملكي وجاء الحكم العسكري منذ يوليو 1952، وعلى مدى سبعين عامًا ظل العداء للدعوة المباركة ورجالها على حاله... يزداد أحيانًا، فتكون محنة عامة، كما كان الأمر في حكم جمال عبد الناصر الذي تباهى في خطاب له بأنه اعتقل ثمانية عشر ألفاً من الإخوان في يوم واحد ... وامتدت مظالمه لتشمل كل صوت حر عارضه، ودفعت البلاد أثمانًا فادحة لحكم الفرد وتسلط الطغيان، من حريتها، وسلامة أراضيها، وكرامة مواطنيها، وتدهور اقتصادها، وتبديد ثرواتها، وإفقار شعبها.

وقد تقل حدة المواجهة - لتوائم ادعاء الأنظمة الحاكمة بالديمقراطية والحرية - فتصاغ القوانين الجائرة لتقييد حرية الدعوة، ويُحرم الدعاة من ساحات التأثير العام، ويُزجُّ بجماعات منهم في السجون، ويقدمون للمحاكمات العسكرية الاستثنائية، وتُزيَّف إرادة الأمة في الانتخابات المتتالية حتى يُحال بين الإخوان المسلمين وتصدر المشهد العام، أو حتى المشاركة فيه ... ويجري التشويه الممنهج للدعوة في عقول الشعب الذي يمنحها ثقته وتأييده في كل اختبار يتطلب ذلك.

وتأتي المحنة الأخيرة ... وهي محاولة متكررة من العدوان على الجماعة، فتلصق بها كل نقيصة، ويُكال لها كل اتهام، ويُقتل أفرادها وقادتها في الميادين ... في مذابح يندى لها الجبين على مرأى من العالم المتحضر (!)، ويصبح الأحياء منهم بين سجناء تُستباح أدنى حقوقهم ... وحرائر في الحبس المهين يشتكين إلى الله ضياع مروءات المجرمين ... ومهاجرين في سبيل الله يتلمسون أسباب الثبات على الحق المر، ويوقنون -مع كل هذا البلاء والابتلاء-أن موعود الله بالنصر لا يتخلف وان طال المدى...(وَعْدَ ٱللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الروم الآية 6.

ونتساءل بعد هذه العقود من أزمنة القهر والاضطهاد والتنكيل: ألم يدرك الطغاة بعد ... أنهم يطلبون المستحيل حين يحاولون هدم ذلك البناء العظيم الذي استعصى على الإفناء، واستعصى على محاولات التذويب والمخادعة (وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) سورة القلم الآية 9.. كما استعلى على رغبات الانتقام والثأر، ومحاولات جره إلى العنف والدماء، وأنهم يواجهون أقدار الله القاهرة حين يحاربون الدعاة إلى دينه وشريعته، وأن الوطن كله يدفع أثمان هذه المواجهة الجائرة حين يُقصى فصيل من أغلى وأخلص أبنائه عن النهوض به والمشاركة في بنائه.

وسنن الله في الخلق ثابتة، يمضي الظالمون جميعًا بعد تخريب البلاد وإذلال العباد، وهم - ومن سار على نهجهم - مرهونون في قبورهم مع حساب رب العالمين ... بينما تبقى الدعوة نقية كغمام السماء... باقية ما بقى وفاؤها لدينها وأوطانها.... تروي شجرتها الباسقة تضحيات أبنائها، وثبات رجالها ونسائها. 

إن (الإخوان المسلمون) ...  فكرة ومنهاج وجماعة ... كانت وما زالت وستبقى، على طريق الدعوة إلى الله سائرة، وفاءً لعهدها مع الله... وفية لوطنها وشعبها... ملتزمة بمنهجها الأصيل في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة عبر كافة الأساليب السلمية في إطار القوانين العادلة...

إن (الإخوان المسلمون) ... دعوة الحق والقوة والحرية ... وقد تعدت الحدود الجغرافية، والتخوم الأرضية، لتعاهد أمتها وشعوبها وأوطانها، على استمرار العمل لخدمتهم ونصرة قضاياهم، وفية لمبادئها...حتى تنعم أمتنا بالحياة الحرة الكريمة ... وحتى تسعد الإنسانية كلها بنور الإسلام العظيم، ومبادئه القويمة، وشرعه الذي ارتضاه الخالق في علاه ... شفاءً للإنسانية وسعادة للبشرية.. ولن يفت في عضد أبنائها حكم جائر، أو طغيان سلطة ظالمة … (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ) سورة يوسف الآية ٢١".

 

والله أكبر ولله الحمد

د. محيي الدين الزايط 

القائم بتسيير أعمال المرشد العام بجماعة الإخوان المسلمين

الجمعة 15 جمادى الأولى 1444 ه؛ الموافق 9 ديسمبر 2022 م