التاريخ : الاثنين 20 مارس 2023 . القسم : رسالة الأسبوع
الإخوان المسلمون.. التأسيس الواعي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته وصحبه ومن والاه.
في كل عام في مثل هذه الأيام.. تمر ذكرى تأسيس الإمام حسن البنا - رحمه الله- جماعة "الإخوان المسلمون" ... لتكون دعوة الإصلاح والتغيير، والعودة بالأمة لمسار نبيها صلى الله عليه وسلم بعد أن فقدت بوصلتها.. ففقدت طريقها.. ومن ثم مكانتها بين الأمم.. ولم يكن قتل حسن البنا إلا حلقة في سلسلة وأد الإفاقة والعودة لأمة لو استيقظت لملكت وسادت.. وما زال الأعداء يصنعون الحلقة تلو الحلقة ليمنعوا هذا البنيان من الإصلاح والتغيير.
وقد أسس الإمام البنا - رحمه الله - جماعة (الإخوان المسلمون)، وأقام منهجهم في الإصلاح، ونَمَطهم في التغيير على ستة محاور:
١- رؤية واضحة.. تقوم على تصحيح الفكرة بما يتسع احتياجات الأمة جميعا.. فكرة ناضجة ومحررة من دخنها.. فهمها فهماً واسعاً فسيحاً.. وعرضها عرضاً لائقاً كريماً.. وجعلها في حلة أنيقة متألقة لم تتح لغيره من الساسة أو رجال الدين.. ولربما كان ذلك من أهم أسباب مقتله رضى الله عنه. وكان المعروف عن الإمام البنا أنه كان دائماً يقول: "القادة التغييريون هم الذين يضعون على حوادث التاريخ طابعاً لا يُمحى، ويتصفوا بصفتين: سيرة فذة، وحكم صادق على حوادث التاريخ".. وقد كان منهم. يقول روبير جاكسون: "سأظل أسأل.. هل هناك ارتباط بين الإسلام كما يفهمه البنا ويدعو إليه وبين نهايته التي جاءت كحياته على نحو غير مسبوق؟.. أدع الإجابة للتاريخ".
٢- عقلية مرنة.. تستشرف من التراث القرآني ما يعين اجتهاد العقل.. وتستفيد من تجارب من سبق بفقه وحسن دراية .. مما أتاح للإمام أن يَعْبُر بدعوته إلى مراحل وغايات ومهارات دون ارتطام أو صراع.. وتجلت في مواجهته لقضايا شائكة حوتها مجلدات ضخمة فواجهها بجرأة وثقة وفضها في سهولة ويسر.. لتبدو هينة لا تحتاج إلى ضجة ولا إعنات .. وعندما سئل عن هذا، فقال: "أردت ألا ألتفت إلى الماضي، ونداء المستقبل يلح علىّ".
٣- حركة جادة.. تقوم على قاعدتين: أولهما: العمل المنظم الذي يقوم على نظام يحترمه الجميع.. فقوة الجماعات من قوة نظامها .. وإحكام خططها .. ونجاحها في الوصول إلى غاياتها.. وتغلبها على ما يعترضها من صعوبات وعقبات ... وثانيهما: تقوم به الملايين فالحاجة في العمل المنظم إلى الطاقة البشرية القوية التى تعطي للجماعات والأمم العصبة والمنعة .. فلا يكون الظالم قوياً أمامها .. ولا يسري - في وجودها - الفساد في جموع المسلمين.
٤- عبقرية التنفيذ.. وقد أقامها الإمام على قاعدتين: أولهما: العناصر الصالحة .. فاهتم بها، وبذل جهده معها .. يعلمها ويرشدها لتختار الصعاب .. ويرعاها لتؤدي الواجب .. وينظمها لتعرف النظام وتقدر التبعة ... وكان يقول "أدركت منذ نعومة أظفاري أن عليّ واجباً ينبغي عليّ أداؤه .. وأن لديّ طاقة ينبغي عليّ ألا أدخرها عن خدمة ديني ووطني وقضايا أمتى الكبرى" .... وثانيهما: كبار الأمة ورجالها البارزين .. كان الإمام يقول دائماً، "أريد أن أتصل بالجميع، وأن أتحدث للجميع، وأن أجمع شتات الجميع .. لأننا لسنا وحدنا قادرين أن نحقق المشروع، فهو طويل الأمد والعنف لن يدخل ضمن مراحل تحقيقه ... لأن في الناس صنف قليل نادر لكنه مبارك ميمون ... إذا كان في الناس كان أول الصف .. ولَعُدَّ في الميدان بألف" .. وكان كثيرا ما يمتدح الرجال البارزين أصحاب الهمم المتوثبة والغيرة المتوقدة والفهم الكامل.
٥- وسائل مكافئة.. ما بين جهود ذاتية ووسائل رسمية .. وضبطهما بأن تكون سائغة شرعاً .. ومكافئة لأسلحة الخصوم .. ومناسبة للعصر .. بأسلوب بسيط مباشر وحضور مشرق محبب .. وهذه طريقة الدعاة ... الأسلوب البسيط المباشر ويفهم به القضايا الشائكة للأمة .. عندما سأل الأستاذ محمد عاكف - رحمه الله - .. ما الفرق بيننا وبينكم؟، قال: "ظفرنا بمعلم قدير، كان يعرف كلا منا معرفة جيدة .. فوجد كل منا فيما يهمه عملا يعمله" ... وعلق روبير جاكسون على هذا فقال للإمام: " سمعت أنك خاطبت اللصوص يوماً ففهموا عنك فماذا قلت لهم؟ .. قال: بشرتهم بالتوبة ويسرت لهم طريق الغفران .. فأقبل عليه الجميع، فأحست السلطة بخطره، لم يكن بد من إيقافه إلا بالإطاحة به، - وهو ما كان -".
٦- أسلوب المحترف.. يعتمد فيه تقليل الأخطاء وانتهاز الفرص ... وسئل الإمام .. ما هو أسلوب المحترف؟ .. قال: "إن الدعوات تحتاج من دعاتها أمرين ... أن يكونوا محترفين متفرغين.. لأن المحترف يقلل الخطأ ويوفر الفرص .. فكثرة الصواب هو ما تحتاجه الأمة .. والخطأ عارض والصواب أصل" .. فكان دأب المرشدين من بعده الاحتراف في حركتهم .. فالأستاذ الهضيبي اختار التحمل والكفاح لأن الظروف كانت أقوى منه بما لا يقارن .. أما الأستاذ التلمساني فاختار أن يفاوض ويحاور، لأن موازين القوى اختلفت، وكان يرى أن الوقوف عند نقطة ساكنة ومن حولنا العالم يتحرك سوف يكلفنا أثماناً باهظة .. أما الأستاذ حامد أبو النصر فبدأ زحفاً بطيئاً لا يقاوم ... وجاء الأستاذ مصطفى مشهور فاقتحم المجتمع يستثمره، فكانت الانتخابات والنقابات والاتحادات .. ثم جاء الأستاذ المأمون الهضيبي فاحتفظ بكل كسب لا شك في نفعه .. ومن بعده الأستاذ محمد عاكف فأنذر وانتظر، فكانت الأمة بها حراك ودعوات من أجل تحرير الإرادة .. ثم جاء الدكتور بديع فقبل المجازفة وقام بالمحاولة على غير مثال
رحم الله الإمام الشهيد .. وبارك دعوته .. ولم شمل رجالاته .. ومكَّن لعناصره الصالحة .. وأزال الله وطأة الابتلاء والاختبار عن تلاميذه .. فهي دعوة رجل صالح .. تربى على مائدة القرآن وسنة نبي الأمة صلى الله عليه وسلم .. عمل وجاهد واستشهد في سبيل ما آمن به وعمل له فكان أفضل تطبيق وأصدق نهاية .. وكأن دماءه الذكية الطاهرة تنادي أصحابه أن قوموا فاعملوا عمله، وجاهدوا جهاده، وموتوا على ما مات عليه .. (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ) سورة العنكبوت الآية 69.
والله أكبر ولله الحمد
د. صلاح عبد الحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمون”
الإثنين الموافق 20 مارس 2023 م
الموافق 28 شعبان 1444 هــ