التاريخ : الثلاثاء 23 مايو 2023 . القسم : الأخبار

وصايا الإمام البنا بالشباب


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته ومن والاه

 سئل الإمام البنا يوما عن المستقبل فقال: "إنه يبدأ الآن، عليكم بهذا النشء جِدوا في تكوينه، وأحسنوا تربيته وتوجيهه؛ علموه استقلال القلب والنفس، بعيدا عن الآبائية والتقليد. علموه استقلال العقل والفكر بعيدا عن النمطية والتكرار، علموه استقلال العمل والجهاد بعيدا عن الجمود والمراوحة في مكان واحد. جندوه تحت زعامة النبي ورايات القرآن، وسوف تجدون منه -غدا - الحاكم المسلم الذي يجاهد نفسه ليسعد غيره".

الذين تكلموا عن الإمام البنا، رحمه الله، قالوا: إنه عندما سئل عن موقفه من الشباب، وأنه يقضي وقتا طويلا مع ناشئة صغار، وموقعه بين مجالس العلماء وفي مجتمع الفضلاء. رد عليهم فقال: "أعرف ذلك ولكنني أصنع منهم رجال الغد الذين سوف يخصهم بتبعاته، فإن المزايا الإنسانية واجبات وأعباء؛ من حضرته مزاياه قام بأعبائه".

والذين تكلموا عنه قالوا: كنتَ لا تحب أن تراه بيننا يوما إلا رأيته يصلي بنا الجمعة، ويخطب لنا العيدين، ويقوم بنا التراويح في رمضان، يتفقد الغائب، ويتعهد المنقطع، ويعود المريض. يبيت في كتائبنا، ويمشي في جنائزنا، ولا يتخلف عن اجتماعاتنا إلا لعذر قاهر، ويؤثرنا بحبه ومودته دائما. فكنا نبادله الحب من أعماق قلوبنا.

والذين تكلموا عنه قالوا: إنه تخلى عن وظيفة كان يرتزق منها، ورضي براتب تقاعدي قليل، وانتقص من متعة عيشه؛ ليظفر هؤلاء الذين يريد هدايتهم بجهده كله في هدايتهم غير منقوص ولا مظنون، وليرتفع فوق مناط الظنون، حتى لا يظن الظَّان أنه حين نظر إلى هداية الناس كانت متعة عيشه من جملة آماله.

ولذلك ترك الرجل خلفه جيلا: الذين تكلموا عنه (عن هذا الجيل)، قالوا: إنهم عُرفوا بسمتهم الخاص، وبذوقهم الخاص، وبفلسفتهم العالية؛ بسمتهم الخاص من حال صالحة قوية، وبذوقهم الخاص من إلف المشقة، وتعود الخشونة، وبفلسفتهم العالية من روح الكفاح وافتداء الفكرة.

 كثيرا ما كان يقول: "إنه لا يعنيني من يومي إلا أن يرحل، أما الغد فهو يوم هؤلاء المرتقب"، وكثيرا ما كان يقول: "إن تجاربنا الثرية وإن كانت رغم نجاحها ومصداقيتها التاريخية إلا أنها ليست هي كل الممكن، فهناك صور أخرى ممكنة، وإنها لو أَسَرتنا سوف تؤخر تقدمنا مئات السنين".

 ولذلك حرصت الجماعة على أن يكون الاهتمام بالشباب، وأن يُعدُّوا منهم رجال الغد الذين سوف يُخَصُّون بتبعته، من أولويات اهتمامها ومن دواعي حرصها.  وكانوا حريصين -ولا نزال حريصين- على أن نعد منهم رجال الغد، بحضور عقلي واع - يجمع إلى جانب العلم، حسن الدراية، والتجربة الميدانية- حتى يختاروا الصواب من بين زحام البدائل وضجيج الأصوات. وحسن الدراية حتى يعرفوا الوسط الذي يعيشون فيه، وهذه صفة هامة جدا لكل قائد تغييري من هذا الصنف من الناس الذين يضعون على حوادث التاريخ طابعا لا يُمحى. وبالتجربة الميدانية، لأن من تجمعت فيه تجارب من سبقوه تجمعت فيه محاسن تفرقت في غيره. وهو ما أعانه على اختيار الصواب، وعلى أداء الواجب، وعلى إزالة العائق. وهو ما نحرص عليه؛ لأن لكل جيل كسبه وإضافته. والتجارب الثرية رغم ثرائها ونجاحها ومصداقيتها إلا أنها ليست هي كل الممكن، فدائما هناك صور أخرى ممكنة لو أَسَرتنا لأخَّرت تقدمنا مئات السنين.