التاريخ : الجمعة 07 يوليو 2023 . القسم : ترجمات غربية
وثائق مسرَّبة: رويترز ساعدت في الإطاحة بالديمقراطية المصرية
نشر موقع ذا جراي زون الأمريكي في الخامس من يوليو 2023 تحقيقاً صحفياً استقصائياً بعنوان: "وثائق مسرَّبة تكشف مساعدة رويترز في الإطاحة بالديمقراطية المصرية". أعدّ هذا التحقيق كيت كلارينبرج، وهو صحفي استقصائي يركز على استكشاف دور أجهزة المخابرات في تشكيل السياسة والتصورات؛ والذي كشف في تحقيقه كيف أن العملاق الإعلامي رويترز عمل عن كثب مع وزارة الخارجية البريطانية في التهيئة للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر في 3 يوليو 2013.
وفيما يلي ترجمة كامل التحقيق الاستقصائي الذي نشره الموقع الأمريكي:
كشفت وثائق مسرّبة أن مؤسسة رويترز قد عملت لصالح وزارة الخارجية البريطانية كقناة لتقديم تمويل سري لمنفذ (إعلامي) مصري كان ينادي بالإطاحة بأول زعيم منتخب ديمقراطياً في البلاد.
يوافق الثالث من يوليو من هذا العام الذكرى العاشرة للاستيلاء العنيف على السلطة في مصر، والذي قام به قائد الجيش آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي. حيث أُطيح بمحمد مرسي، أول زعيم منتخب ديمقراطياً للبلاد على مدى خمسة آلاف عام من التاريخ المصري، من منصبه (كرئيس للجمهورية)، وقُتل المئات من أنصاره في مذابح عدّة، وتُوفّي هو بالسجن في نهاية المطاف. ثم سرعان ما قام السيسي، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بعكس أي مكاسب ديمقراطية مؤقتة كان قد تم تحقيقها خلال فترة الانتقال القصيرة والصعبة للبلاد من حكم الرئيس المستبد حسني مبارك الذي كان مدعوماً من الغرب لفترة طويلة.
وعلى مدى العِقد من الزمان الذي أعقب انقلاب السيسي، قامت حكومته بسحق المعارضين لحكمه بشكل ممنهج. وتم كذلك حظر الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المنتقدة لسياسته بشكل جماعي، وتعرض النشطاء والصحفيون والقوى الفاعلة في المجتمع المدني للمضايقة والإخفاء القسري والتعذيب والسجن، وتحولت السجون إلى بؤر لممارسة العنف الجنسي الممنهج وغيره من الانتهاكات المروِّعة (ضد المعتقلين). وتشير التقديرات إلى أن نصف المعتقلين، البالغ عددهم 120.000 سجين، محتجزون حالياً لأسباب سياسية، وهي واحدة من أعلى المعدلات في العالم.
وقد تم التوثيق جيداً للظروف التي صاحبت الإزاحة القسرية لمرسي من منصبه، وانتكاس مصر في ظل حكم السيسي لتصبح واحدة من أكثر الدول قمعية على وجه البسيطة، على الرغم من اضطرار العديد من المنظمات غير الحكومية والمنافذ الإخبارية للفرار من البلاد في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فهناك عنصر حاسم في السجل التاريخي (لتلك الأحداث) لم يتم الكشف عنه حتى الآن.
وكشفت الوثائق المسرَّبة التي تحقق منها موقع "ذا جراي زون" أن العملاق الإعلامي رويترز عمل عن كثب مع وزارة الخارجية البريطانية لقيادة الأحداث المصيرية التي وقعت في 3 يوليو 2013. وما سنورده هنا هو قصة كيف تم تقويض أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في تاريخ مصر، وكيف تم غسيل سمعة انقلاب السيسي الملطخ بالدماء، وكيف تم ترسيخ وضع الجيش في السلطة، وذلك من خلال دعاية خفيّة تمولها لندن بشكل سري.
جواسيس بريطانيون يُبرمون صفقة سرية مع رويترز
في أعقاب الثورة المصرية (وسقوط مبارك) في فبراير 2011، سادت الفوضى المطلقة في البلاد. لم يكن واضحاً على الإطلاق ما هو المسار الذي كان على الدولة أن تسلكه حينها، وهل كانت ستُجرى انتخابات حرة في نهاية الأمر، ومتى قد يكون ذلك؛ وإذا كان الأمر كذلك، فمن يا تُرى الذي ستكلّفه الجماهير بحكم البلاد والمضي بها قُدماً.
كانت الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الإدارة العسكرية المؤقتة التي تولت السلطة في البلاد بعد رحيل مبارك حدَثاً متكرراً بشكل شبه يومي، وكذلك الاشتباكات العنيفة والمميتة أحياناً بين المتظاهرين وقوات الأمن. وخلال ذلك، كان بعض المتظاهرين يقومون بنهب واحتلال مكاتب قوات الشرطة المحلية وأجهزة المخابرات، ويهاجمون السفارات الأجنبية، وأحياناً يُضرمون النار في المباني الحكومية.
وفي ظل هذه الأوضاع المضطربة، كانت مصر تستعد لتنظيم أول انتخابات برلمانية حرة في أكتوبر 2011. وعلى الرغم من ترحيب العديد من المواطنين بالانتخابات، فإن المسؤولين في جميع دول الغرب يُعربون عن قلقهم علانية من خروج جماعة الإخوان المسلمين ذات الشعبية وهي منتصرة في هذه الانتخابات وتتبع مساراً مستقلاً عن الغرب. وقد ظهرت مثل هذه المخاوف بشكل صريح في بريطانيا على وجه الخصوص، الإمبراطورية التي كانت تحتل مصر في السابق، وأكبر مستثمر لها اليوم.
وكما لو كان ذلك بمثابة إيعاز بما ينبغي عمله، فقد قامت مؤسسة طومسون رويترز، الذراع الخيرية لمجموعة طومسون رويترز للأخبار العالمية، بتأسيس منصة "أصوات مصرية"، كوسيلة إعلامية مستقلة ظاهرياً، لتغطية الشؤون المصرية. ودون علم جماهير الشعب المصري، فقد تم تمويل هذا العمل بالكامل من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وحتى مجيء الوقت الذي أُغلقت فيه "أصوات مصرية"، كانت المملكة المتحدة قد ضخت في هذه المبادرة، مبالغ مذهلة تُقدّر بمليوني جنيه إسترليني.
اقتباس 1 من الوثائق المسرّبة:
تعاقدت وزارة الخارجية البريطانية مع مؤسسة طومسون رويترز لدعم المنفذ الإعلامي "أصوات مصرية"، وهي منصة إخبارية مستقلة في مصر، كما هو مفصل أدناه. وقد بلغ إجمالي قيمة العقد 2,085,161 جنيه إسترليني.
الفترة
المبلغ
من نوفمبر 2011 إلى مارس 2012 119000 جنيه إسترليني
من إبريل 2012 إلى مارس 2013 348،310 جنيه إسترليني
من إبريل 2013 إلى مارس 2014 440297 جنيه إسترليني
من يوليو 2014 إلى مارس 2015 263173 جنيه إسترليني
من يوليو 2015 إلى مايو 2016 415،007 جنيه إسترليني
من يونيو 2016 إلى مارس 2017 499374 جنيه إسترليني
"أصبحت (أصوات مصرية) مؤسسة إعلامية محلية رائدة ومستقلة في مصر حتى وقت إغلاقها ... وكان محتواها يُقدّم للتداول بشكل مجاني في جميع أنحاء المنطقة،" كما تتفاخر وثيقة مؤسسة طومسون رويترز المسرَّبة. "و في عام 2016، أصبحت (أصوات مصرية) واحدة من أكثر 500 موقع يتم تصفحها على الشبكة العنكبوتية في مصر."
ووفّرت مكاتب رويترز في القاهرة للعاملين بموقع (أصوات مصرية) "الرواتب الشهرية والموارد البشرية والدعم الأمني"، وكان المنفذ الإعلامي قائماً هناك طوال مدته. ويشير ملف تعريف له على الإنترنت إلى تدريب 300 مصري من خلال المشروع حتى وقف المنصة، وهو جيش حقيقي من الصحفيين يُنتج أكثر من 300 من التقارير الخبرية كل أسبوع باللغتين الإنجليزية والعربية. ثم يتم إعادة تدوير هذه الأخبار من قِبل أكثر من 50 منفذاً إعلامياً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وكالة رويترز.
وكان منطق لندن في تدشين "أصوات مصرية" واضحاً. فقد منح إنشاء منصة إخبارية محلية (في مصر) وزارة الخارجية البريطانية درجة لا مثيل لها من السيطرة على السردية الخبرية على أرض الواقع، مع تطور الأحداث في مصر، على الصعيدين المحلي والدولي. ومن المعلوم أن للمخابرات البريطانية سجلاً طويلاً في تمويل المنافذ الإخبارية في الخارج لهذا الغرض المحدد - بما في ذلك رويترز.
اقتباس 2 من الوثائق المسرّبة:
رابعاً، نقترح إنشاء منصة إخبارية مؤقتة مستقلة في أوكرانيا من قبل مؤسسة طومسون رويترز، في توقيت يسبق انتخابات 2019. حيث يمثل الافتقار إلى تغطية إخبارية مستقلة ومتعمقة إشكالية بشكل خاص في المراحل السياسية الرئيسية مثل الانتخابات، لا سيما عندما تسعى المصالح الخاصة إلى التأثير على الانتخابات للحصول على نتائج معينة. وفي الوقت الحالي، نقترح هذا الأمر لأوكرانيا فقط، ولكن إذا نجح هذا النهج وتوافر تمويل إضافي محدود، فيمكننا أن نتطلع إلى تكرار ذلك في جورجيا في عام 2020. وستقوم هذه المنصة بنشر محتوى إخباري مستقل ومدقَّق، وسيتم مشاركته مجاناً على مستوى وسائل الإعلام المحلية والوطنية. وسيتم تشغيلها بشكل كامل من قِبل محررين وصحفيين محليين، وسوف يقدم خدمة حيوية، ويشجع على تغطية صحفية أكثر عدلا بشكل عام. وتتمتع مؤسسة طومسون رويترز بخبرة في إنشاء مثل هذه المنصات، بما في ذلك "أصوات العراق" في عام 2004، و "أصوات مصرية" الحائزة على عدة جوائز، والتي تأسست في عام 2011 في الفترة التي سبقت أول انتخابات حرة تجري في مصر، و "ميانمار الآن"، التي تأسست في ميانمار، بورما، عام 2015 في الفترة التي سبقت أول انتخابات حرة في البلاد. وسنقوم بقياس أداء هذه المنصة من خلال عدد التقارير الإخبارية ومقاطع الفيديو المنشورة باللغتين الروسية والمحلية، ومدى انتشار هذه المواد، والمدى التقديري لوصول هذه المادة المنشورة.
وخلال أواخر الستينيات، موّلت لندن إنشاء خدمة رويترز للشرق الأوسط. وقدّمت المجموعة تقارير إخبارية محرّفة عن الأحداث المحلية والعالمية لإعادة استخدامها من قِبل الصحفيين في أماكن أخرى، باللغتين الإنجليزية والعربية – بنفس الطريقة التي كانت متبعة مع "أصوات مصرية" تماماً.
"وهناك سبب للاعتقاد بأن رويترز تتقبل فكرة أنه يتعين عليها تقديم شيء ما في المقابل ... فما يمكن أن تؤمّنه "المخابرات البريطانية"، في الواقع، هو فرصة التأثير في بعض المقاييس على إنتاج رويترز بالكامل،" وذلك بحسب وثيقة لوزارة الخارجية البريطانية رُفعت عنها السرية. "وهناك فرصة هنا لتطوير العلاقة مع رويترز ... وينبغي أن يخدم الترتيب الجديد المصالح البريطانية بشكل جيد."
اقتباس 3 من الوثائق المسرّبة:
2.2.3. إظهار الخبرة الإعلامية عبر عدد من الأسواق الدولية: فلدينا خبرة واسعة في تطوير وإدارة أدوات الاتصال الاستراتيجي، بما في ذلك مركز إدارة المعرفة لبرنامج "بناء المرونة والتكيف مع الظروف المناخية القاسية والكوارث" (BRACED)، الممول من وزارة التنمية الدولية البريطانية بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني؛ ومنصة: "الممتلكات، والأرض، والوصول، والاتصالات، والتمكين" (PLACE)، الممولة من شبكة أوميديار (Omidyar)، وهي منصة مبتكرة تعزّز تغطية حقوق الأراضي والممتلكات، وهي واحدة من أكثر القضايا التي لا تلقى تغطية كافية والمرتبطة بالنزاع في جميع أنحاء العالم. وقد طورنا نهجاً "مناسباً لهذا الغرض" لتصميم وتطوير وتشغيل منصات الاتصال في بيئات معادية للصحافة الحرة والمستقلة، والتي تستهدف المؤثرين في الصناعة، والعاملين في مجال الإعلام أو المواطنين على المستوى الوطني. وفي السنوات الأخيرة، قمنا بتطوير منصتين حازتا على جوائز، وهما: "أصوات مصرية" (في مصر) و "ميانمار الآن" (في بورما)، وقد تم تأسيسهما بالشراكة مع منظمات محلية مراعاة لضرورة الاستدامة. كما نقدم دعم التطوير المهني المستمر للحفاظ على مستويات عالية من النزاهة وتمكين تلك المنصّات من اكتساب المصداقية والشرعية.
رويترز تُضخّم أعداد المحتجين بأوامر الجيش
في أواخر عام 2012، أصدر مرسي إعلاناً دستورياً، تولى بموجبه مؤقتاً سلطات تنفيذية كاسحة، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات صغيرة. وفي هذا السياق، كانت "أصوات مصرية" في الطليعة من حيث إدانة القرار وتصويره على أنه مخطّط من قبل الرئيس - وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين - للسيطرة الكاملة والدائمة على جميع مفاصل الحكومة المصرية.
والواقع، أنه كان من المقرر أن يستمر هذا الإعلان الدستوري لمدة ثلاثة أسابيع فقط، وأنه تم إصداره بسبب تغوّل السلطة القضائية القوية والمسيّسة بشكل كبير في القاهرة والتي حاولت مراراً إعاقة التحول الديمقراطي في مصر. وكان القضاة حتى ذلك الوقت قد ألغوا بالفعل أول جمعية دستورية في البلاد والبرلمان المنتخب مرّة (مجلس الشعب، الغرفة الدنيا للبرلمان)، وهددوا بفعل ذلك مرة أخرى (مجلس الشورى، الغرفة العليا للبرلمان)، لأن مشروع الدستور الجديد للبلاد عمل على الحد بشدة من انخراط القوات المسلحة في السياسة. لكن المخاوف الذي أثارتها وسائل الإعلام مثل "أصوات مصرية" ووسائل الإعلام الغربية (التي نقلت عنها) حرضت حشود المتظاهرين على العودة إلى الشوارع من جديد.
وعلى الرغم من تحرك مرسي لإجراء انتخابات برلمانية جديدة واستفتاء على الدستور الجديد، إلا أن التغطية الإعلامية السلبية للإعلان الدستوري وتراجع التظاهرات أقنعت السياسيين المعارضين بالبدء في عقد اجتماعات سرية مع قادة الجيش، ومناقشة سبل عزل الرئيس، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
وتطورت الأمور بسرعة وصولاً إلى أبريل 2013، حيث برزت بشكل مفاجئ مجموعة شبابية غامضة تحت اسم "تمرد" لجمع توقيعات تطالب بعزل مرسي بحلول 30 يونيو. وفي غضون ذلك، طالب قادة المعارضة بتنظيم مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء مصر، وخاصة أمام القصر الرئاسي. ومنحت "أصوات مصرية" منحت الحركة الجديدة، تمرد، تغطية شاملة. وبينما كانت استطلاعات الرأي في تلك الفترة تشير إلى أن 53% من الجماهير كانوا لا يزالون يؤيدون الرئيس مرسي، فإن "أصوات مصرية" كانت بمثابة بوق إعلامي لا يتوقف لصالح المعارضة.
وبحلول 30 يونيو، امتلأت شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية الكبرى بالمتظاهرين، حيث كان مرسي قد رفض الاستقالة. وقالت مصادر عسكرية لرويترز إن ما يصل إلى 14 مليون شخص أو ما يقرب من 17% من سكان البلاد قد خرجوا للتظاهر. وبينما أقرّت وكالة رويترز للأنباء بأن الرقم "يبدو مرتفعاً ومبالغاً فيه بشكل غير معقول"، إلا أنها حاولت إقناع القراء بأن الجيش "استخدم طائرات الهليكوبتر لمراقبة الحشود".
وتم إعادة تدوير المزاعم ببلوغ عدد المتظاهرين 14 مليوناً، وتداولها من قِبل المؤسسات الإخبارية في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك "أصوات مصرية". واستغل السيسي الاحتجاج الدولي والاضطرابات الداخلية لإزاحة مرسي عن السلطة، وتعليق العمل بالدستور الذي كان قد تم إقراره مؤخراً. وواصلت شخصيات المعارضة تضخيم العدد الإجمالي للمتظاهرين أكثر من أي وقت مضى.
وتطورت المزاعم بأعداد المتظاهرين لتصل إلى رقم خيالي ذاع صيته، 33 مليوناً، وذلك بالنظر إلى أن هذا الرقم كان في المقام الأول أعلى من إجمالي عدد الناخبين المصريين الذين صوتوا لمرسي.
والحقيقة أن تحقيقات لاحقة كشفت أنه كان هناك ما بين مليون ومليوني متظاهر على الأكثر. وكما كتب ماكس بلومنثال من موقع "ذا جراي زون" في ذلك الوقت، "لا يبدو أن مزاعم هذا الحشد الخيالي (للمعارضة في مصر) والتي انتشرت في جميع أنحاء العالم، يمكن أن تصمد أمام أي تدقيق نقدي. ومع تبخّر سراب مسيرة (قالوا إنها) ضمت 30 مليون شخصاً، سينكشف وجه انقلاب عسكري بغيض ".
وقد كشفت التسجيلات المسرّبة التي تم إذاعتها في أعقاب الانقلاب لاحقاً أن "تمرد" تم تمويلها من قبل الإمارات العربية المتحدة، وهي مستعمرة بريطانية سابقة أخرى. كما أظهرت التسريبات كيف أن كبار المسؤولين العسكريين - الذين استفادوا أيضاً من صندوق الرشوة هذا - ناقشوا علناً استخدام الاحتجاجات للتخلص من مرسي الذي يتدخل في شؤونهم.
"أصوات مصرية" وتبييض واقع مصر السيسي
لم تذكر "أصوات مصرية" ولا "رويترز" هذه الفضائح التي خرجت بشكل مفاجئ. والتزمت "أصوات مصرية" أيضاً الصمت بشكل عام عندما قامت قوات الأمن المصرية تحت قيادة السيسي في أغسطس 2013 بسحق المتظاهرين المعتصمين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة بكل وحشية، مما أدى إلى مقتل 817 شخصاً على الأقل. ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش إراقة الدماء التي جرت في ذلك اليوم بأنها "قد تكون أكبر مقتلة جماعية للمتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث".
وسجّلت المنظمة الحقوقية أن "أفراد الشرطة والجيش استخدموا ناقلات جند مدرعة وجرافات وقوات برية وقناصة، في مهاجمة مقر الاعتصام وقتلوا المتظاهرين رمياً بالرصاص".
ومع ذلك، نشرت "أصوات مصرية" تحقيقاً رسمياً حول المجزرة ألقت من خلاله باللوم على المتظاهرين أنفسهم في الحصيلة الفادحة للقتلى، زاعمة أنهم من "بدأوا" الهجمات على قوات الأمن. وتم تجاهل المضمون الذي أعلنته منظمة العفو الدولية بأن التحقيق كان بمثابة تبييض منسق (للحكومة)، وأنه قد جرى إعداده خصيصاً لحماية قوات الأمن من إلقاء اللوم عليهم، حيث تم تجاهله بشكل غامض في التغطية.
وكما كان متوقعاً، نقلت المنصة الإعلامية "أصوات مصرية" دون أدنى انتقاد تقارير تفيد بفوز السيسي "الساحق" في الانتخابات في مايو 2014، عندما حصل قائد الجيش على 96.91% من الأصوات، وكان ذلك يرجع في جزء كبير منه إلى انسحاب معظم المرشحين المنافسين من السباق، أو سجنهم قبل يوم الاقتراع.
وكانت القاهرة قد انزلقت بالفعل إلى الديكتاتورية بحلول ذلك الوقت، وكان واضحاً أنها سوف تسقط أكثر في الحكم الاستبدادي في السنوات التالية. ومع ذلك، لم ينعكس أي أثر لهذا الواقع على صفحات "أصوات مصرية". وعلى نحو ملائم لحقيقة دورها، أوردت المنصة الإعلامية في نوفمبر 2016، تقريراً بأن السيسي شرح للمشرعين الأمريكيين أنه لا ينبغي النظر إلى حقوق الإنسان في مصر من "منظور غربي"، بسبب "الاختلافات في التحديات والظروف المحلية والإقليمية"، دون أن توجه أي انتقاد لذلك.
وبحلول عام 2017، ازداد الوضع سوءاً في مصر لدرجة أن وزارة الخارجية البريطانية لم تعد قادرة على تجاهله. ففي فبراير من ذلك العام، صنّفت المملكة المتحدة مصر بأنها "دولة ذات أولوية لحقوق الإنسان". وأشار بيان الحقائق المرفق إلى أن "تقارير التعذيب ووحشية الشرطة والاختفاء القسري" قد تصاعدت في السنوات الأخيرة، وكذلك القيود المفروضة على "المجتمع المدني" و "حرية التعبير"، في حين كان "عدد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان ممنوعين من السفر".
وبعد شهر واحد من ذلك، أغلقت "أصوات مصرية" أبوابها نهائياً. وأشار بيان صحفي صاحب القرار إلى أن مؤسسة طومسون رويترز لم تتمكن من "العثور على مصدر مستدام لتمويل المنصة". ومن غير المؤكد معرفة السبب وراء توقف البريطانيين عن دعم هذا المنفذ الإعلامي، على الرغم من أنه حقق بشكل واضح هدفه المتمثل في المساعدة في ضمان إقامة حكومة صديقة ومطيعة بشكل مناسب في القاهرة، ومن المحتمل أنه لم تعد هناك حاجة إليه، نتيجة لذلك.
اقتباس 4 من الوثائق المسرّبة:
موضوعات مثل الصحافة الاستقصائية والعبودية في العصر الحديث. لقد قُدنا الصحافة النوعية من خلال إنشاء خدمات إخبارية مستقلة في البلدان التي تتعرض فيها حرية الصحافة للخطر، بما في ذلك العراق وميانمار ومصر وزيمبابوي. وبتمويل من وزارة الخارجية البريطانية، أصبحت "أصوات مصرية"، وهي خدمة إخبارية مصرية مستقلة أنشأتها مؤسسة طومسون رويترز في عام 2011، مؤسسة إعلامية محلية رائدة في مصر حتى إغلاقها في عام 2017. وقدمت لعامة المصريين أخباراً مجانية وموثوقة وجذابة وموضوعية وفقاً للمعايير الدولية. كما تم إتاحة محتواها مجاناً في جميع أنحاء المنطقة. وفي عام 2016، أصبحت "أصوات مصرية" واحدة من أكثر 500 موقع على الشبكة العنكبوتية في نسبة التصفح في مصر. وقد أطلقنا منصات مماثلة في زيمبابوي (www.source.co.zw) وميانمار (http://www.myanmar-now.org)، ونقدم مساعدة تطوير مهني طويل الأجل للصحفيين الذين يعملون هناك لتقديم أخبار دقيقة وغير منحازة لمواطنيهم بشكل مجاني. ونعمل بشكل مباشر مع الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام لتطوير مهاراتهم الاستقصائية وتعزيز المعايير الأخلاقية مثل برنامج ثروة الأمم (WON) الذي تموله الوكالة النرويجية للتنمية والتعاون (NORAD)، حيث تعمل مؤسسة طومسون رويترز مع غرف الأخبار في جميع أنحاء إفريقيا والعراق للتحقيق في تدفقات الأموال القذرة وتحسين التقارير الخاصة بالنفط. وفي خلال الفترة 2013-2015، عمل برنامج "ثروات الأمم" مع 190 صحفياً و 25 غرفة أخبار من 36 دولة مما أدى تقديم تغييرات في السياسات.
وفي في يناير 2020، عندما فضحت وسائل الإعلام البريطانية علاقة رويترز السرية مع المخابرات البريطانية، والتي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ادّعى المتحدث باسم وكالة الأنباء بأن مثل هذا "الترتيب" "لم يكن فيما يخص مبادئ الثقة لدينا" وأننا "لن نفعل ذلك اليوم ... "
وأضاف أن "رويترز لا تتلقى أي تمويل حكومي، وتوفر أخباراً مستقلة وغير متحيزة في كل جزء من العالم".
ما فات المتحدث باسم رويترز الاعتراف به هو أنه قبل ثلاث سنوات فقط، كانت مؤسسته لا تزال تعمل لصالح وزارة الخارجية كقناة مالية لتمويل وسائل الإعلام المصرية التي حرّضت على الإطاحة بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد. أما بخصوص ما إذا كانت مؤسسة الإعلام العملاقة التي تتخذ من لندن مقراً لها متورطة حالياً في مكائد سرية مماثلة تدعمها الدولة، فهو متروك لتخمين الجميع.