التاريخ : الثلاثاء 19 مارس 2024 . القسم : مقالات وآراء

طوفان الأقصى وبناء صورة الإسلام : الجماهير تحتاج إلى خطاب جديد!


بقلم أ . د سليمان صالح

 أستاذ الصحافة جامعة القاهرة

تأثير طوفان الأقصى على اتجاهات الجماهير يحتاج إلي دراسات تستخدم مقاربات جديدة ؛ لتكشف الفرص التي يمكن أن تسهم في تحقيق تغيير حضاري وثقافي وسياسي علي مستوى العالم كله .

من أهم تلك الفرص :أن الجماهير أصبحت تحتاج إلي خطاب يعبر عن أشواقها للمجد والعزة والكرامة والحرية والتحرير ؛ فالجماهير تنتظر بشوق خطاب قادة المقاومة ؛ خاصة أبو عبيدة الملثم الذي يرفع أصبع الشهادة ؛ ليتحدى به قوة الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة .
تلك الصورة يمكن أن تفتح  مجالا واسعا للتخطيط الاستراتيجي؛ لبناء صورة الإسلام في أذهان الجماهير على مدي زمني طويل ، واستخدام تلك الصورة لبناء قوة الأمة الإسلامية ؛ كمقدمة لإعادة الحضارة الاسلامية التي تشتد حاجة العالم لها .. لماذا ؟!
صورة تحتاجها الأمة!
لكي نبني الصورة الجديدة للإسلام ، يجب أن نبحث عن تفسير علمي لإعجاب الجماهير بأبطال المقاومة الإسلامية في فلسطين، 

 

وقيادات حماس؛ مثل: يحيي السنوار، ومحمد الضيف، وأبي عبيدة .. فهذا يفتح المجال لتطوير علم القيادة ، وتأهيل نوعية جديدة من القادة ؛ الذين يمكن أن يثيروا خيال الناس؛ لتحقيق أهداف عظيمة، مثل: تحرير فلسطين .. فهؤلاء القادة هم الذين يمكن أن يبنوا صورة الإسلام في أذهان شعوب تتطلع للمجد والعزة والكرامة.

الخطاب الذي يبني صورة جديدة يتناسب مع احتياجات الجماهير في فترة زمنية معينة .. ويفسر ذلك إعجاب الجماهير بخطاب قادة حماس الذين يعبرون عن القوة والصمود والمقاومة والبطولة والشجاعة ، فالأمة تشتد حاجتها لهذا الخطاب بعد أن كرهت الواقع ، والخطاب الضعيف الذي يرتبط به .

خطاب يغير الواقع !
الصورة الجديدة التي يمكن أن نبنيها للإسلام ترتبط بخطاب جديد، يستجيب لحلم الأمة في تغيير الواقع البائس ؛ الذي يرتبط بالهزيمة النفسية، والتبعية لأمريكا ، والخضوع والخنوع والهرولة نحو التطبيع .. ومن يكافح لتغيير الواقع يكسب القلوب والعقول .
والأمة يمكن أن تشكل الآن صورة ايجابية لمن يكافح لتحقيق الحرية والكرامة ، لذلك بدأت سمة الإرهاب التي تم استخدامها طوال السنوات السابقة في تشويه صورة الإسلام والحركة الإسلامية تواجه بالسخرية والاستهزاء من جماهير أصبحت تدرك زيف هذه الاتهامات .
كان من أهم نتائج العدوان الإسرائيلي علي غزة : أنه أوضح أن الإرهاب الحقيقي ؛ هو استخدام القوة الغاشمة في الإبادة والقتل والتدمير ، وبذلك يكون الاحتلال الإسرائيلي هو الإرهاب بعينه ، ولا يجوز استخدام هذا المصطلح إلا في وصف العدوان الإسرائيلي ، وكل الدول التي تؤيده .
الإرهاب وسقوط الزيف
هذا يعني أن العدوان الإسرائيلي على غزة شكل نهاية لمرحلة تعرضت فيها الأمة لعملية دعاية وتضليل وحملات ترويج للأكاذيب ؛ التي تربط الإرهاب بالإسلام ، ويتم به تبرير الظلم العام الذي يتعرض له المسلمون خاصة الإخوان المسلمون .. فبهذه  الاتهامات الباطلة تم الحكم علي عشرات الآلاف من العلماء والدعاة والشباب بأحكام قاسية من أهمها الاعدام والسجن لفترات طويلة ومصادرة الأموال والنفي والمطاردة والفصل من الوظائف .
لذلك يجب أن نبدأ مرحلة جديدة من الكفاح لبناء وعي الأمة بأن المقاومة ضد الاحتلال ليست ارهابا ، وأن المقاومة هي حركة تحرر وطني ، وأن كل من يقاتل من أجل الحرية والتحرير يستحق المجد والشرف ، وأن أبطال حماس هم أجمل وأنبل مقاتلين من أجل الحرية ، وأن كل من يربط بين الاسلام والارهاب يضلل الجماهير ويزيف وعيها ، لكي لا تعرف عدوها الحقيقي .
الأحرار يدافعون عن الحق !
الدفاع عن الحق من أهم سمات الصورة الجديدة التي تحتاجها الأمة، فهي سمة تثير الفخر والاعتزاز بالدور الحضاري والتاريخي للأمة ، في عالم يخاف فيه الناس من قوة السلطات الغاشمة 
وأبطال حماس قدموا لنا نموذجا جديرا بالإعجاب ؛ للتضحية بالنفس دفاعا عن الحق ، وأثبتوا أن الفارس المسلم الشجاع يتحدى القوة الغاشمة من أجل الحق ، وذلك يستدعي من تجاربنا التاريخية صورة الفارس الذي واجه الامبراطوريتين الفارسية والرومانية بقوة ايمانه ، وانتصر وغير العالم وبني حضارة عظيمة تمتع في ظلها الناس بالحرية والعدل والمعرفة ، فازدهرت في ظلها الصناعة والتجارة وتحقق للناس حياة طيبة كريمة .


الاستقرار لا يجلب سوي الفقر
كان من أهم المقولات التي تم استخدامها أن الدول يجب أن تحرص علي تحقيق الاستقرار ، فالتغيير يحمل المخاطر والتهديدات ، وبعد عشر سنوات تكتشف الشعوب أن ذلك الاستقرار لم يحمل لها سوي القهر والذل والفقر والتبعية والغرق في الديون ، وأن الدول التي تدعي الاستقرار معرضة للانهيار بسبب التبعية والخضوع للغرب .
إن التغيير يحمل الأمل ، وفرص التحرير والاستقلال الشامل، وبناء القوة وتحقيق الانتصارات والمجد .. لذلك لم تفلح قنوات السلطات العربية التابعة لأمريكا في توجيه اللوم لحماس لقيامها بعملياتها الفدائية البطولية ضد الاحتلال الاسرائيلي في 7 اكتوبر ، وواجهت الجماهير تلك القنوات بالاحتقار .
الحلم وبناء الصورة الايجابية !
ترتبط الصورة الايجابية بالحلم ؛ فمن يريد أن يبني صورته في أذهان الجماهير يجب أن يعبر عن حلمها ، والحلم لا يرتبط أبدا بالواقع .. لذلك يحتاج إلي خيال سياسي وأدبي لصياغته والعمل على توحيد الأمة لتحقيقه .
وتحرير المسجد الأقصى يحتل مكانته في حلم الأمة ، ولذلك كان اختيار اسم “ طوفان الأقصى “ من أهم تجليات العبقرية القيادية لحركة حماس ، وهو يعني الاستعداد لتقديم التضحيات من أجل تحقيق الحلم ، فتحرير الأقصى يعني تحرير الأمة كلها من كل أشكال الاستعمار .
لكن هناك الكثير من جوانب الحلم الذي يمكن أن تجتهد القيادات الإسلامية في صياغته والتعبير عنه والكفاح لتحقيقه وإثارة خيال الشباب به .
تحرير الأقصى من أهم أركان حلم الأمة الإسلامية ؛ لذلك تتطلع الأمة بشوق لرؤية قيادات حماس التي تعبر عنه ، وتتطلع أيضا إلى قيادات إسلامية في كل دول العالم الإسلامي تقدم خطابا قويا يعبر عن أشواقها للانتصارات ، وهذا الخطاب يبني صورة جديدة تشكل أساسا لقوة الأمة والحركة الاسلامية التي تعبر عن حلمها .
لذلك؛ يجب أن نطلق لخيالنا العنان لنفكر ونخطط ونتقدم لقيادة كفاح الأحرار؛ لتحرير الوطن الإسلامي من كل أشكال الاستعمار والاستبداد، وبذلك سنبني صورتنا كمقاتلين من أجل الحرية .