التاريخ : الثلاثاء 19 مارس 2024 . القسم : مقالات وآراء

المقاومة والتحرر.. ومستقبل العالم


بقلم د. حمزة زوبع 

كاتب وإعلامي مصري


قد يبدو العنوان صادما أو حالما أو نوعاً من التفكير التأملي أو الرغائبي، ولكن المتأمل لما جرى ويجري منذ عملية طوفان الأقصى المظفرة في السابع من أكتوبر 2023 الماضي، وحتى اليوم يدرك أن ثمة أمورا تغيرت، وأخرى تتغير، وثالثة ستتغير بمرور الوقت وصمود المقاومة وتوسع جبهات الدعم والتأييد الشعبي غير الحكومي للمقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة. 

الناظر إلى العالم اليوم ، وقد تكالبت قوى الشر الاستعمارية واصطفت إلى جانب العدو الصهيوني في حربه الإجرامية النازية على الشعب الفلسطيني الأعزل؛ يرى أنه في المقابل قد حدث ويحدث وسيحدث اصطفاف شعبي غير حكومي على المستوى العربي والدولي. وهو اصطفاف جماهيري شعبي في جوهره، وهو اصطفاف واحتشاد سياسي في مخبره كذلك، فالخروج في كبريات العواصم الغربية الداعمة لدولة الكيان، والتنديد بحرب غزة ودعم الكيان، -رغم كل المعوقات بل والعقوبات على من يؤيد حق الشعب الفلسطيني- والزخم الكبير داخل كبريات الجامعات الأمريكية مثل هارفارد، كل ذلك يعطيك فكرة عن حجم التحدي الإنساني الذي يواجهه الغرب المنحاز ودولة الاحتلال المعتدية. 

الصورة يجب أن تكون أكثر وضوحا ؛ فالشارع العربي المكبل والمقيد والممنوع من الحركة يواجهه شارعا غربيا غير مسلم ولا عربي ينفجر في وجه الكيان وداعميه؛ وكأننا في مشهد تبادل الأدوار. فقد اعتاد العالم أن يتظاهر العالم العربي وينتفض، تضامنا وتفاعلا مع فلسطين، ولكن اليوم نرى الشارع الغربي ينتفض وبإرادة حرة دفاعا عن حق الفلسطينيين وهجوما على عدوان الصهاينة والدول المؤيدة لهم. 

تبادل الأدوار هذا يعطيك فكرة عن شكل العالم (تسونامي الشعوب)  الذي بدأ في التشكل والتبلور مع مرور الوقت، وثبات المقاومة الفلسطينية ، وصمود الشعب الفلسطيني المحاصر على مدار أربعة أشهر على التوالي. 

في المشهد العسكري والقتالي تبدو الصورة أكثر وضوحا؛ فلدينا جيوش تعداد جندها يفوق الملايين، وعتادها بمليارات الدولارات، وتدريباتها المشتركة مع أقوى جيوش العالم، ومناوراتها في كافة البحار والمحيطات والسماوات. ورغم ذلك فمن يتصدى للعدوان الصهيوني العالمي؟ ليس أي من تلك الجيوش الكبيرة -العاطلة عن العمل في مواجهة العدو والجاهزة للضرب في المليان في مواجهة الشعوب- بل هي المقاومة الشعبية التي انتفضت، وتجاوزت الجيوش التقليدية دفاعاً عن أرضها، وأنشأت عالمها الخاص وقوانينها الخاصة التي تحتكم إلى الواجب والضمير وليس المصالح.  ولو دققت النظر فستجد أن جيوش مصر والأردن وسوريا وهي ما كانت تعرف بدول المواجهة سابقا لم تتحرك! اللهم إلا باصدار بيانات تحذر وأخرى تتحدث عن خطوط حمر يجب على العدو ألا يتجاوزها، رغم اختراقها بالفعل عدة مرات. 

في غزة تواجه المقاومة الإسلامية جيش العدو مدعوما بطائرات التجسس البريطانية وحاملات الطائرات الأمريكية، وبمدد يومي من البيت الأبيض والكونجرس ووزارة الدفاع ومستشاري الأمن القومي الأمريكي؛ ولا يكاد يمر يوم حتى ترى متحدثا عن تلك الجهات يهاجم المقاومة، ويمدح إنسانية الكيان الصهيوني، وهو يذبح الأطفال ويقتل الشيوخ، ورغم ذلك لا تزال المقاومة صامدة، كما أن جيوش العرب لاتزال صامتة . 

في غزة يواجه جيش شعبي اسمه المقاومة ؛ ليس فيه رتب عسكرية، ولا صفقات فاسدة، ولا مناورات مع العدو. وكما تداعت دول غربية لدعم الكيان فقد تداعت قوى شعبية عربية ذات هوى ومرجعية إسلامية للدفاع عن فلسطين، ورغم أن هذه القوى الشعبية المقاومة هي جزء من دول لها علاقات مميزة بالأمريكي و البريطاني و الغربي عموما ؛ فإن المقاومة الشعبية قررت أن تخوض التجربة معبرة عن الشارع العربي لا عن مؤسسات الحكم التابعة للغرب. 

خرجت المقاومة من العراق، فأصابت القواعد الأمريكية ذاتها في سرية. وكذلك حدث في الأردن الذي يقدم سلات الطماطم( البندورة) لجيش العدو يوميا. وتخرج من اليمن العريق المحاصر والمحارب أيضا ، وتخرج من جنوب لبنان ، وبغض النظر عن الغايات العظمى لكل فريق فإننا نرى ونسمع التصريحات وردات الفعل التي تؤكد أن هذه المقاومة هي نصرة للمظلومين والمحاصرين في غزة وفلسطين. 

توسع تأييد المقاومة في الإقليم وفي العالم، وخرجت ولا تزال تخرج الملايين تهتف (فيفا بلاستينا) أي (تحيا فلسطين) وانتقل التأييد إلى قلب المعاهد والجامعات، بل إلى بعض الحكومات الغربية،  حتى انتقل إلى أبعد نقطة في جنوب العالم، فقامت دولة جنوب افريقيا برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم الاحتلال بممارسة الإبادة الجماعية في قطاع غزة وقبلتها المحكمة، وأصدرت قرارات من شأنها تعزيز الموقف الفلسطيني. وعلى إثرها قررت دول عربية مثل الجزائر، ودول لاتينية مثل بوليفيا رفع دعوات ضد الكيان في محكمة الجنايات الدولية لمحاصرة الكيان الغاصب. 

العالم يتحرك في اتجاه المقاومة بشكل عام، وفي اتجاه نصرة قضية فلسطين بشكل خاص، والكيان الصهيوني يعاني وسيعاني من حصار دولي بعد انتهاء عدوانه على غزة، وسيكتشف أن كل هذا العدوان والإجرام والإبادة لن تمحو عار هزيمته في عملية طوفان الأقصى. 

بقيت نقطة جديرة بالبحث والمتابعة خلال العقد القادم ؛ وهي التحول الكبير في نمط الحرب؛ فقد أثبتت المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان واليمن أن الجيوش النظامية لا مستقبل لها ولا ظيفة سوى إرهاب الشعوب، وإحداث الدمار؛ وأن المقاومة الشعبية هي المعبر عن الشعوب في مناطق النزاعات. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فما جرى في إفريقيا في ستينيات القرن الماضي حين خرجت حركات التحرر لتطهر القارة السمراء من رجس الاحتلال الأوربي الأبيض، وقاومت أنظمة الفصل العنصري حتى نالت حريتها.