التاريخ : السبت 23 مارس 2024 . القسم :
بين السياسي والعسكري في حركات التحرر الوطني
بقلم: أحمد أمين
باحث متخصص فى العلاقات المدنية العسكرية
لاشك أن العلاقات المدنية العسكرية في الأساس كعلم قائم على الدول التي لديها نظام سياسي وجيش ومجتمع مدني وتوجد نظم وسياسات وأطر تحكم العلاقة بين الفواعل الثلاثة في الدولة بحيث لا يطغي أحدهما على الآخر حسب نظرية التوافق للباحثة ريبكا شيف (Rebecca Schiff) كنظرية من نظريات العلاقات المدنية العسكرية الحديثة.
وحسب المنظر الأول لعلم العلاقات المدنية العسكرية صامويل هنتنجتون (Huntington Samuel) ونظريته الاحتراف العسكري التى تعتبر الأساس لكل النظريات اللاحقة لها، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك علاقات مدنية عسكرية لحركات التحرر الوطني مشابهة لما يوجد في الدول؟ وكيف تكون العلاقة بين العناصر العسكرية والسياسية للحركة؟ وماذا يحدث إذا لم يكن هناك علاقة بينهم؟ في هذه المقال نحاول الإجابة على الأسئلة لما لها من أهمية في فهم عملية طوفان الأقصي من الداخل وكيف تكون العلاقة بين الجناح السياسي والعسكري للحركة.
في الحقيقة برغم أن مصطلح العلاقات المدنية العسكرية لحركات التحرر الوطني غير مذكور في الكتب أو في أبحاث سابقة، ولكن العلاقة بين السياسي والعسكري حتماً موجودة داخل الحركة الواحدة حتي لو اختلف اسمها ووصفها. حيث الأصل في حركات التحرر الوطني أن يكون لها جناحان سياسي وعسكري، لتستطيع أن تنجز أهدافها السياسية والعسكرية. وبرغم أوجه التشابه في العلاقة بين نماذج العلاقة سواء في الدول أو الحركات ، إلا أن الموضوع يثير تساؤلات جادة حول. فلو افترضنا عدم وجود تنسيق بين السياسي والعسكري سيؤدى الأمر بلا شك إلى التضارب في القرارات، وفشل كليهما. وتحقيق التنسيق والتناغم بينهما يتطلب أسس وقوانين صارمة بين الطرفين لعدم الخلط والتنازع في الاختصاصات والصلاحيات، هذا التنسيق وتلك الأسس والسياسات التي تحكم العلاقة بين الطرفين هي ما يسمي بنظريات العلاقات المدنية العسكرية. فما هي تلك النظريات؟ وكيف تكون العلاقة بين العسكري والسياسي؟
وبالرجوع إلى نظريات العلاقات المدنية العسكرية وحاولنا إسقاطها على واقع حركات التحرر إلى كنموذج “هنتنجتون” ورؤيته لدور العسكريين في النظم الديمقراطية ودوره في النظام السياسي القائم على مبدأ “الاحتراف العسكري” وعدم التدخل في الحياة السياسية، حيث يضع السياسيين الاستراتيجيات العسكرية والسياسات الدفاعية، ويكون دور المؤسسة العسكرية هي تنفيذ وإنفاذ السياسة الدفاعية، مع إضفاء طابع الاحتراف العسكري على المؤسسة العسكرية.
أو حسب “نظرية التوافق” هناك توافق على الأهداف الاستراتيجية بينهما وتتولي المؤسسة العسكرية تنفيذ هذه السياسات وفي نظرية التوافق تكون المؤسسة العسكرية جزء من صانعي القرار، ولكن ليس لها الأغلبية في اتخاذه، بالإضافة إلى أن التوافق يشجع على التعاون المشترك بينهما. وبالتالي أمامنا خياران إما أن يضع الجناح السياسي السياسات والاستراتيجيات الدفاعية ويتولي الجناح العسكري الجزء الاحترافي والتكتيكي، وبذلك فإن كل تفاصيل العمليات العسكرية هي من اختصاص الجناح العسكري، فلا ضير في وجود عملية عسكرية تقام من الجناح العسكري في ظل عدم معرفة السياسي بتوقيتها أو تفاصيلها الدقيقة، طالما لم تتخط السياسات المرسومة بينهما،
والخيار الآخر هو التنسيق في السياسات الدفاعية بين الطرفين مع معرفة بعض ملامح العملية وتوقيتاتها بينهم، وبذلك يعملوا بنظرية التوافق. ومثال لذلك تشكيل مجلس أعلى كمجلس الأمن القومي يتخذ فيه القرارات والاستراتيجيات العسكرية مشابه لما في الدول يمثل فيه السياسي بأغلبية مطلقة ويمثل فيه العسكري بنسبة أقل ويناقش فيه الاستراتيجيات والأهداف والسياسات العسكرية والدفاعية تطبيقاً لمبدأ التوافق.
أما في حالة عدم وجود تنسيق بين السياسي والعسكري في حركات التحرر، فلن تستطيع الحركة أن تحقق أهدافها العسكرية أو السياسية، وستكون عرضة للتخبط في القرارات، نظراً لأهمية احتياج كل منهما إلى الآخر في تحقيق أهداف الحركة. ونأخذ مثالاً على دولة خسرت الحرب عندما لم يكن هناك علاقات بين المدنيين والعسكريين وليس هناك تنسيق دقيق بينهم في الأدوار والمهام وهي أمريكا في حرب فيتنام حيث تضجر العسكري من دخول السياسي في رسم إستراتيجيات الحرب وتضجر السياسي من عدم تنفيذ العسكري لسياساته، وتفشت ظاهرة المكارثية -تخوين كل منهما الآخر-التي جعلت الفيتناميين ينتصرون في الحرب على الأمريكان وطردهم من البلاد.
أخيراً، بعد العرض السابق لبعض نظريات العلاقات المدنية العسكرية وبعض التفصيلات الدقيقة في هذه النماذج وكيف تكون العلاقة بين النظام السياسي والمؤسسة العسكرية، فإنه ليس هناك فرق بين حركات التحرر والدول في التنسيق بين الجناح العسكري والسياسي لحركة التحرر الوطني. والسؤال الذي نطرحه هل يمكن وضع نظريات لإدارة العلاقة بين الجناح السياسي والعسكري لحركات التحرر الوطني مستقبلاً؟.