التاريخ : الاثنين 08 يوليو 2024 . القسم : مقالات وآراء

فِريَة «أخونة الدولة» من موقع شاهد العيان


أحمد عبد العزيز
رئيس رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج
تمر على كل ذي ضمير حي أيام ثقيلة في كل عام، تتجدد فيها الأحزان التي لا يمكن فصل الشخصي فيها عن العام، فضلا عن أن هذه الأيام تزداد عددا بمرور الوقت، في ظل سلطة الانقلاب، إذ لا يمر شهر إلا وترتكب هذه السلطة جريمة، أو تصنع كارثة، عن سابق قصد وتصميم، تزيد من غوص مصر في وحل التخلف، والتبعيَّة، وفقدان الحضور والتأثير، وكل ذلك يفضي إلى «تحلل الدولة» في نهاية المطاف!

من بين هذه الأيام التي تظلنا سحابة ذكراها القاتمة؛ اغتيال الرئيس الشهيد محمد مرسي (18 يونيو 2019)، وخروج الغوغاء في 30 يونيو 2013، كغطاء لانقلاب وشيك بعد ثلاثة أيام (3 يوليو).. أما الحديث عن الحال الذي وصلت إليه مصر فلا ينقطع، وأما مخرجات هذا الحديث فهي صفر كبير..

فِرية «أخونة الدولة»
“إنقاذ مصر من الأخونة”.. واحدة من الحملات متعددة الأذرع التي أطلقتها الثورة المضادة، ضد السلطة الشرعية المنتخبة من الشعب بحق، وكان الذراع الأبرز في هذه الحملة ذلك الكيان الذي أطلق على نفسه “جبهة الإنقاذ” الذين ابتلعت رؤوسُهم ألسنتهم، رغم حاجة مصر الماسَّة (منذ سنوات) لإنقاذ حقيقي من تلك الهاوية التي دفعها إليها العسكر المتغلغلين في كل مفاصل الدولة.. إذ لا تخلوا منهم مؤسسة فيها؛ فهم إما على رأسها، أو عناصر رئيسة في إدارتها، بل يستحدثون (كل يوم) المزيد من المؤسسات والإدارات؛ لاستيعاب المتقاعدين الجدد من العسكر!

لقد قامت هذه الحملة «أخونة الدولة» على الافتراءات والأكاذيب التي يدحضها الواقع.. فالوزراء «الإخوان» في وزارة الدكتور هشام قنديل (مستقل وليس من الإخوان) كانوا 9 وزراء، من بين 36 وزيرا، أي أن نسبة الإخوان في الوزارة كانت 25%.. فأين هي «الأخونة» المزعومة؟!

لقد حدث في مصر، في عهد الرئيس المنتخب (بحق) محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة الذي أسسه الإخوان المسلمون؛ أن «الأغلبية» التي أفرزها صندوق الانتخاب كانت «أقلية» في الوزارة! ونِعم «الأخونة» إذا كانت هذه هي «الأخونة»!

أما عدد المعينين في رئاسة الجمهورية فكانوا 18 شخصا فقط، من بين نحو 4,000 موظف.. أي نسبة لا تذكر.. هذا العدد المحدود كان حول الرئيس، بين مساعد وسكرتير، ولم يكونوا في مفاصل مؤسسة الرئاسة.. (تحت يدي كشف بأسماء هؤلاء «الإخوان» الثمانية عشر الذين تم نقلهم من الرئاسة إلى وزارت مختلفة بُعيد الانقلاب، كل حسب شهادته العلمية، ذلك لأني كنت واحدا منهم).. ونِعم «الأخونة» إذا كانت هذه هي «الأخونة»!


السلطة عند الإخوان وعند غيرهم

السلطة (في العموم وواقع الحال) صلاحيات، وامتيازات، ونفوذ، ومنافع في نهاية المطاف؛ لذا يتقاتل عليها الناس.. أما السلطة (عند الإخوان) فتكليف لا تشريف، وجهد مُضْنٍ، وبذل وعطاء، بل لا أبالغ إذا قلت: إنها غُرم لا غُنم!

قطعا ستتفق معي (عزيزي القارئ) في الشق الأول باعتباره حقيقة ملموسة لا تحتاج إلى إثبات، وستخالفني في الشق الثاني (المتعلق بمفهوم السلطة عند الإخوان) وستطالبني بالدليل..حسنا.. إليك ثلاثة أدلة فقط، أذكرها من موقع «شاهد العيان»..

العيسوي يؤسس وحدة الرصد من جيبه الخاص!
كي يمكن تصويب ما يجب تصويبه، بعيداً عن بيروقراطية وزارة الإعلام ولوائحها، وتعقيدات إجراءاتها البالية المُهدِرة للوقت والجهد، كان لا بد لنا من تكوين «فريق رصد» خاص بالرئاسة.

تشاور المعنيون بملف الإعلام في الرئاسة، وعلى إثر المشورة، قمت وزميلي الدكتور سامح العيسوي، مسؤول «ملف الإعلام الخاص» بجولة في مبنى متعدد الطوابق بأرض الحرس الجمهوري.. وجدنا هناك عدداً كبيراً من الحواسيب كان يستعملها فريق جمال مبارك، لكنها بحاجة إلى «كروت» خاصة؛ لالتقاط البثَّين الفضائي والإذاعي.

سأل زميلي الدكتور سامح؛ العقيدَ (ش) قائد أرض الحرس: كم ثمن هذه الكروت، وكم يلزم من وقت؛ كي تكون هذه الحواسيب جاهزة للاستخدام؟ فأجاب العقيد: «شهر ونصف إلى شهرين على الأكثر»! فبدت هذه المدة دهراً، في نظر شخص مثلي لم ينخرط من قبل في أي عمل حكومي، وانزعجت كثيراً.

حاول العقيد (ش) تبديد انزعاجي، فأخذ يشرح الإجراءات الواجب اتباعها، بدءاً من تحرير طلب الشراء، وانتهاءً بالتركيب، وفق إجراءات أمنية معينة، فسأله زميلي مجدداً: كم تستغرق هذه العملية إذا كانت النقود اللازمة لشراء الكروت بين يديك الآن؟ فأجابه العقيد: «أسبوع على الأكثر».

مدَّ زميلي الدكتور سامح العيسوي (شفاه الله) يده في حقيبته، فأخرج رُزمة مالية كبيرة، وأعطى العقيد (ش) المبلغ الذي طلبه، نحو عشرة آلاف جنيه أو يزيد (كان سعر الدولار أقل من 7 جنيهات وقتذاك).. وبعد أسبوع، كانت الحواسيب جاهزة للاستخدام. لقد كان الدكتور سامح موسرا، ورث عن والده شركة مقاولات..

بعد أسبوع، بدأت وحدة الرصد عملها، ولأسباب بيروقراطية غبية، لم نتمكن من «توظيف» فريق الرصد، ومن ثم، لم تكن هناك رواتب له، وكان لا بد للعمل أن يستمر، فبادر الدكتور العيسوي مجدداً، بدفع مكافآت فريق الرصد، من جيبه الخاص، وظل الحال كذلك إلى قيام الانقلاب.. وللأسباب البيروقراطية الغبية نفسها، ووقوع الانقلاب على الرئيس المنتخب - لم يتمكن الدكتور سامح من استرداد جنيه واحد من هذه المبالغ التي «أقرضها» لرئاسة الجمهورية من ماله الخاص.

ومن المضحكات المبكيات أن رئاسة الجمهورية (بعد الانقلاب) أقامت دعوى قضائية ضد الدكتور سامح، تتهمه فيها بتبديد «العُهدة الحكومية» وتطالبه بإعادتها، أو تسديد ثمنها! ولم تكن هذه «العهدة» سوى حاسوبين محمولين، من أرخص الأنواع، أحدهما له، والآخر لي، غير أنه هو الذي وقَّعَ باستلامهما. وللعلم، فإن حاسوبي تعطَّل فجأة واستحال تشغيله، فرميته.

لم يجد وقتا لملء نموذج التوظيف!

زميل عزيز آخر لعله لا يحب ذِكر اسمه.. كلما ترددتُ عليه وجدتُ على طرف مكتبه نموذج التوظيف بالرئاسة، ذلك لأنه لم يجد وقتا لملئه، وقد كان محقا.. فتجربتي مع هذا النموذج كانت سخيفة ومملة؛ بسبب كثرة البيانات والمعلومات المطلوبة، لذا ملأته على مراحل.. أما إذا سألت عن سبب الانشغال الدائم لهذا الزميل فإليك الإجابة..

لقد كان هذا الزميل حاضرا على مدار الساعة حرفيا؛ جاهزا للإجابة عن أي استفسار، والرد على أي اتصال في الليل أو النهار.. وكنت أسأل نفسي: متى ينام هذا الرجل؟! وكنت أجيب على نفسي في نفسي: هذا سؤال لا يُسأل.. فهؤلاء هم الإخوان! 

مزايا لم أسمع بها!
يوم ذهبت إلى قصر عابدين؛ لإخلاء طرفي من الرئاسة، سألني الموظف المكلف بإنهاء الإجراءات بعد أن ذكر لي عددا من المزايا والامتيازات: هل استفدت من هذه المزايا والامتيازات؟ وكانت إجابتي: كلا؛ لأني لم أسمع بها إلا الآن!

لقد دخل الإخوان الرئاسة خدما للشعب الذي وثق بهم، ولم يدخلوا للبحث عن مزايا وامتيازات، أو للسلب والنهب كما يفعل العسكر وغير العسكر، وكم كنا نرجو أن نتم تجربتنا؛ لنقدم للشعب نموذجا لم يعهد مثله في الحكم، في هذا العصر، لا همَّ للسلطة فيه سوى تحقيق الرفاه للمواطن، واستعادة كرامته المُهدرة، وأمنه المفقود، ونؤسس لدولة يكون المواطن فيها هو السيد، غير أن الله شاء غير ذلك؛ لحكمة لا يعلمها إلا هو، وفي كل أقدار الله حكمة وخير، أدركنا ذلك أم لم ندركه.. والحمد لله رب العالمين.