التاريخ : الاثنين 08 يوليو 2024 . القسم : مقالات وآراء
ماذا خسرت الأمة بغياب الإخوان المسلمين؟
الحرب على جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا؛ بدأت منذ اللحظة الأولى لنشأتها في فبراير 1928، ولا تزال الحرب مستمرة حتى يومنا هذا. هذه الحرب لها هدف استراتيجي واحد وأهداف مرحلية متعددة ووسائل متنوعة وأشكال مختلفة ومواقيت متغيرة وعلى نطاق واسع وبمختلف اللكنات والألسنة، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ كل هذا على عظم شأنه قليل التأثير رغم كلفته المالية والسياسية المرتفعة.
الحرب بدأت على الإخوان حين عرف الجميع، شعوباً وحكومات أن الإخوان تدعو إلى التغيير، هنا قامت الدنيا ولم تقعد؛ فالتغيير له كلفة وله ثمن وله نتيجة أيضا، لكن القوم لا يريدون دفع الثمن مقدما في انتظار النتيجة.
الحكومات رأت أن دعوة الإخوان غرضها إبعادهم عن السلطة، والأمر لم يكن كذلك؛ فالإخوان تدعو الحكومات لتحسين أداء السلطة، وتلحُّ على ذلك وتنصح وتشتبك؛ لأن هذا هو دور الشعوب: أن تأخذ بيد من يحكمها أو تأخذ على يديه، لا أن تجلس مكانه لتدير شئون البلاد، لكن الحكومات صدَّرت لشعوبها رواية أخرى وقالت: إن الإخوان يريدون عزل الحكام ونقض بيعة الشعوب لهم؛ وبالتالي فهم خوارج يجب قتالهم ونفيهم وسجنهم وإبعادهم.
الشعوب هي الأخرى ترى أن كلفة التغيير عالية، وبخاصة أن المطلوب من هذه الشعوب أن تنهض بالأمة وتتقدم إلى الأمام، لا أن تركن إلى الدعة والنوم والكسل. رأت الشعوب أن استفزازها وقضّ مضاجعها مؤلم، وأن نتائج التغيير قد لا تلمس بين ليلة وضحاها، فربما آثرت تلك الشعوب أن تبقى كما هي وتتهم الإخوان بأنهم متمردون ومتعجلون ويسعون لتسخير الناس لخدمة مشروعهم.
كل ذلك لم يدفع الإخوان إلى اليأس؛ فحاولوا مرات ومرات، نجحوا أحياناً ولم يحالفهم التوفيق مرات أخرى، اقتربوا من الحكومات لتقديم بالنصح، ولتوصيل صوت الشعب، وإبداء حكم الشرع ورأي الدين والعلم وخبرات السابقين. وابتعدوا أو أبعدوا عن البعض الآخر الذي توجس منهم خيفة، واعتبروهم منافسين يجب الفوز عليهم، ثم حولوهم إلى أعداء يجب سحقهم.
تفاعلت بعض الحكومات إيجابيا مع دعوة الإخوان، وتركت لهم مساحة من العمل تحت رقابة الأجهزة وتحت سمع وبصر المخالفين والمؤيدين وحتى المحايدين، ولم تستطع أي حكومة محترمة إدانة ما يقوم به الإخوان، بل إن بعض الحكومات وبعض الرؤساء كالوا المديح للإخوان ودورهم في المجتمع.
معظم الشعوب مع دعوة الإخوان. وانتشرت الدعوة بفضل الله بين الناس، فارتفع منسوب الغيظ والحنق عند أعداء الأمة الذين يفضلونها (أي الأمة) نائمة مسترخية لاهية لا تدري ما يفعل بها.
حين وقع انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر، لم يكن الهدف هو تغيير النظام فحسب؛ بل شن حرب على الإخوان المسلمين كفكرة إسلامية، وهذا ما قاله «مدبر الانقلاب» مرارا بهجومه على الفكرة، وتبعه في ذلك زمرة من الإعلاميين والليبراليين والعلمانيين الذين كانوا ولا يزالون يرون في الإخوان كفكرة حائط صد يحول بينهم وبين هدم المجتمع وتفكيك أوصاله والنيل من أصول الإسلام الراسخة في مصر والمنطقة.
ولو تتبعنا الخطوات التي اتخذت بعد الانقلاب على مستوى مصر وبعص الدول العربية سوف نكتشف أن حقيقة الأمر لا يتعلق بالإخوان والسلطة، ولا بالإخوان والدولة؛ بل يتعلق بالإخوان كفكرة إسلامية يراد انتزاعها من جذورها تماما؛ وإلا فلماذا كان كلُّ ذلك؟
تغيير المناهج التعليمية لخدمة مفهوم فصل الدين عن المجتمع وعن السياسة .
محو كل الآيات التي تتحدث عن اليهود وعن الجهاد.
استبدال مادة التربية الوطنية بالدين الإسلام في المقررات التعليمية.
السيطرة على وزارة الأوقاف؛ بحيث تتم إدارتها من جانب مؤسسات أمنية مثل أمن الدولة والأمن الوطني.
تغيير ثقافة الأئمة والخطباء من خلال توحيد خطبة الجمعة التي تكتب مركزيا، ويُنصُّ على موضوعات تخدم النظام لا الدين، والسلطة لا الناس والمجتمع.
مجازاة كل إمام أو خطيب يدعو على الظالمين والمفسدين والطغاة والبغاة، ومعاقبة من يخالف ذلك بالفصل أو الحرمان من اعتلاء المنابر.
الدفاع عن الإلحاد والملحدين. وقد تبنى «قائد الانقلاب» هذا النهج ودافع عن حق الملحدين في الجهر بما يعتقدونه.
تصدير الشيخ «علي جمعة» والشيخ «سعد الدين الهلالي» إعلاميا كمرجعية دينية للشعب؛ بدلا عن مراجع الأمة وشيوخها المعروفين أمثال الغزالي والقرضاوي.
السماح بتشكيل مؤسسات تهاجم الإسلام والمراجع الإسلامية، وتنال من الصحابة والتابعين ورواة الحديث على غرار مؤسسة (تكوين) التي تشكلت من أنصاف مثقفين، وأشباه مفكرين مثل: زيدان، وإسلام البحيري، وفاطمة ناعوت. والحمد لله؛ فقد ظهرت بوادر الانقسام والتفكك من داخل هذه المؤسسات التي تشبه المساجد الضرار.
استبدال مشايخ السلطان بالشيوخ والواعظين المخلصين.
ظهور دعوات تبرئ الحاكم من كل عيب كما لو كان نبيًّا، وقد وصل الأمر ببعضهم أن أفتى بوجوب اتباع ولاة الأمر وإن دعوا إلى الكفر والعياذ بالله ـ وأفتى آخر بترك العلاقت الدولية وما يجري في العالم لولاة الأمر، وحذّر من التحدث فيما يجري في غزة لأنه يثير الفتنة.
تحت شعار التجديد تم النيل من أئمة الأمة وفقائها مثل: ابن تيمية، وأبي هريرة، والبخاري، ومسلم، وحتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
13- تصريح «قائد الانقلاب» أنه ليس من المعقول أن يهدد ٢ مليار مسلم ٨ مليار إنسان.
الدفع بالفنانات والراقصات للحديث عن الدين وأهمية تغيير الخطاب الديني.
استضافة المخنثين والسحاقيات تحت شعار المساواة والحق في العيش والتقدم ومواكبة العصر.
هذا غيض من فيض في استهداف الفكرة الإسلامية والطعن في الدين والنيل من الشريعة، فيما يسمى تغيير الخطاب الديني. ولو كان الإخوان في مواقعهم دون حرب معلنة عليهم لحشدوا الأمة وأيقظوها لمواجهة كل تلك الأمور بقوة وحسم على أرض الواقع كما فعلوا سابقا، ولتصدوا مع المخلصين لهذه الانحرافات والاختراقات التي طالت الدين والعقيدة ولا تزال.
أما في مسألة السياسة العامة والعمل النقابي فحدِّث ولا حرج؛ فقد كان الإخوان أساس كل تحرك لرفع وعي المواطنين عموما وأعضاء النقابات خصوصا تجاه قضايا الوطن والمواطنين. وقد حولوا النقابات إلى خلايا نحل لصالح أعضائها بعد أن كانت دورا مهجورة ومكانا للعب الطاولة وتناول وجبة العشاء من محلات الكباب الملاصقة لبعضها كما حدثني شخصيا الدكتور أحمد فهيم محافظ القليوبية الأسبق ونقيب الأطباء الذي قال لي في يوم انتخابي جميل في تسعينيات القرن الماضي: (يا بني أنتم أي الإخوان عملتم حاجة حلوة وغيرتم النقابات وخليتم شكلها حلو ونجحتم إنكم تقنعوا الناس ييجوا يشاركوا في الانتخابات، إحنا زمان كنا بنيجي النقابة كل أسبوع علشان نلعب طاولة(النرد) ونأكل كباب ونروَّح).
تحولت النقابات إلى معارض للسلع والمنتجات لصالح صغار المهنيين؛ فمكنت شباب الأطباء من فتح عيادات وتجهيز بيت الزوجية بأقساط مريحة، وقدمت لهم عروضا لشراء السيارات والذهاب إلى الحج والعمرة، والعلاج الاقتصادي عبر مشروع هو الأضخم في تاريخ نقابة الأطباء.
ونجح الإخوان في تعبئة الشارع المهني، ورفع درجة وعيه بقضايا الأمة؛ فأقامت المؤتمرات لمناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية من فلسطين إلى أفغانستان إلى الصومال إلى البوسنة والهرسك وكوسوفو، وانهالت التبرعات لإغاثة هذه الشعوب ونصرتها. كما أرسلت الوفود الطبية إلى أفغانستان والصومال وألبانيا والبوسنة وكوسوفو من خلال النقابات التي كانت تمثل بلادها حق تمثيل وخصوصا في مصر.
وتحولت المساجد في وجود الإخوان إلى مدارس للتربية وحفظ القرآن ومجالس للصلح الاجتماعي ودور لتأهيل المرأة المعيلة ومستوصفات لعلاج الفقراء والبسطاء.
كل ذلك اختفى بسبب الحرب العالمية على الاخوان المسلمين. والسؤال هو كم خسرت غزة وفلسطين في حربها الراهنة بسبب غياب الإخوان عن الشارع المصري والعربي؟ أو هل كان وجود الإخوان سيغير من الأمر شيئا؟ يعني هل كان سيمنع الحرب مثلا؟
الإجابة هي أن تحرك الإخوان بحرية ولو محدودة في البلاد العربية كما كان الحال قبل انقلاب 3 يوليو 2013 المشئوم كان سيحدث فارقا كبيرا في المشهد الممتد لما يزيد على تسعة أشهر من الحرب الضروس على أهلنا في فلسطين، وتحديدا في غزة. وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر:
المظاهرات العارمة التي بكل تأكيد تمثل عامل ضغط على متخذ القرار في العالم العربي والإسلامي.
إقامة المؤتمرات وجمع التبرعات المليونية.
ارسال الوفود الشعبية إلى قطاع غزة.
إرسال الإغاثة الطبية والمعيشية.
الضغط على السفارات الأجنبية الموجودة في بلادنا.
إطلاق المتحدثين باسم الإخوان لدعم الشعب الفلسطيني عبر المنافذ الإعلامية المتاحة.
تقديم الأسئلة البرلمانية واستجواب وزراء الخارجية والدفاع وغيرهم للتحرك من أجل وقف الحرب.
تظاهر البرلمانيين أمام السفارات والممثليات الأجنبية، وطلب عقد اجتماعات معهم لشرح خطورة الموقف والذهاب إلى الحدود ودخول غزة وكسر الحصار.
المطالبة بسحب السفير وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
تشجيع الشباب على الكتابة وعرض وجهات النظر لنصرة القضية.
استقبال واستضافة متحدثين من غزة وفلسطين في النقابات العامة والفرعية.
فتوى واحدة من علماء الإخوان ومن علماء المسلمين كانت كفيلة بأن ترهب العدو ومن يناصروه، وتحرك المياه الراكدة في الوطن العربي والأمة الإسلامية.
كل ما ذكرته حدث سابقا قبل الانقلاب، وكان سيحدث مثله وربما أضعافا مضاعفة لو ترك المجال للإخوان ولو جزئيا، ولكن إبعاد الإخوان كان عملا مقصودا للفصل بينهم وبين قضايا أمتهم، بل فصل الشعوب نفسها. وبالتالي الانقضاض على قضايا الأمة ومقدساتها والانفراد بها واحدة تلو الأخرى بدعم من حكام لم يراعوا في الإسلام والمسلمين إلًّا ولا ذمة.
لو ترك الإخوان يعملون دون حظر ولا مطاردات أو اعتقالات أو حملات تخوين لتوقفت الحرب بعد أسابيع قليلة، ولوجد العدو نفسه يحارب الأمة، ولن يستطيع تجاهها سبيلاً. ولكنهم عزلوا غزة عن أهلها ومناصريها وانفردوا بها على مدار تسعة أشهر ولا يزالون، ومع ذلك لم ولن يستطيعوا هزيمتها أو إخضاعها بإذن الله.
أما لو كانوا في السلطة، أو لو أن أحدا من رموزها اعتلاها لقال كلمة الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي (لن نترك غزة وحدها) وقد وصل صدى كلماته للبيت الأبيض؛ فبعث برسالة للتفاوض من أجل وقف الحرب قبل أن يجف مداد كلماته عليه رحمة الله. وهو- أيضا- الذي أرسل رئيس وزرائه إلى غزة مناصرا وداعما لشعب فلسطين.
لم يتأخر الإخوان يوما عن قضايا أمتهم، وكانوا دوماً في الموعد. ورغم أنهم كانوا يعانون الحصار في داخل أوطانهم؛ فإنهم لم ينسوا أبدا قضايا الإسلام والمسلمين.
د. حمزة زوبع
المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة