التاريخ : الاثنين 07 أكتوبر 2024 . القسم : مقالات وآراء

استهداف حزب الله والمسارات المستقبلية لمحور المقاومة


منذ بداية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شهدت المنطقة العربية العديد من التحولات السياسية والأمنية والعسكرية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، التي شكلت مقدمات لتحولات استراتيجية كبيرة ستشهدها المنطقة والقوى الفاعلة فيها، من مختلف الأطراف التي تقوم عليها التفاعلات الأساسية فيها، سواء من الدول أو المنظمات أو الحركات أو الشركات أو الأفراد.

وفي إطار هذه التحولات برزت محاور فرعية في النسق الإقليمي للمنطقة، كان أحد أهم هذه المحاور ما عرف باسم "محور المقاومة" الذي يدور في الفلك الإيراني باعتبارها قوة فاعلة ومؤثرة في الإقليم، ومعها جاءت الفصائل والحركات المسلحة في العراق وسوريا، وحزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي، بجانب حركة أنصار الله الحوثي في اليمن.

وشكلت هذه الأطراف جبهة دعم وإسناد مباشر وغير مباشر للحركات الفلسطينية في مواجهتها مع الكيان الصهيوني، دفاعًا عن المسجد الأقصى الشريف، ودعمًا لحرية الشعب الفلسطيني، ورفعًا للحصار الجائر على قطاع غزة منذ عام 2006.

وتعددت العمليات التي قام بها هذا المحور بمكوناته المختلفة، وفي سياق هذه العملية كان الاستهداف الإيراني المباشر لأول مرة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني للأراضي المحتلة في عملية أطلقت عليها إيران "الوعد الصادق" في الرابع عشر من أبريل/ نيسان 2024.

وفي المقابل شن الكيان الصهيوني العديد من العمليات التي استهدفت أطراف هذه المحاور بما فيها إيران، وفي إطار الفعل ورد الفعل برزت مجموعة من المحطات الأساسية، كان أبرزها اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في مقره بالضاحية الجنوبية لبيروت اللبنانية، وهي المنطقة التي تقع في حماية حزب الله اللبناني، وكان الهدف توصيل رسالة للحزب بأنه ليس بعيدًا عن النيل من قادته ورموزه والمرتبطين به.

ثم جاءت عملية قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل 2024، ثم عملية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل في 27 يوليو/ تموز 2024، التي اتهمت فيها إسرائيل حزب الله اللبناني بالوقوف خلفها، وردًا عليها قامت باغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر في 30 يوليو/ تموز.

وفي 31 يوليو قامت إسرائيل باغتيال قائد المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وهو ما دفع كلًّا من حزب الله من ناحية وإيران من ناحية بالتوعد بالرد على الكيان الصهيوني بسبب هذه الاغتيالات.

وتصاعدت حدة المواجهات بين الحزب والكيان، حتى وصلت إلى ذروتها في عملية "تفجيرات البيجر" التي نفذتها إسرائيل واستهدفت خمسة آلاف شخص من كوادر الحزب في 18 سبتمبر/ أيلول 2024، ثم تفجيرات الأجهزة اللاسلكية لعدد من كوادر الحزب في 19 سبتمبر، ثم تبني سلسلة من الاغتيالات لقادة الحزب وصلت لدرجة اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في 27 سبتمبر، وبدء عملية للتوغل البري في لبنان، في محاولة للقضاء على البنية التحتية للحزب، وتدمير قواعده وقدراته العسكرية.

حتى قامت إيران باستهداف الكيان في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بنحو مائتي صاروخ باليستي، تم توجيهها ضد منشآت وقواعد عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في ظل هذه السياقات، وما تعرض له حزب الله من انتكاسة حقيقية، وهو كان بمثابة الرقم الصعب في محور المقاومة، والذراع الأقوى لإيران في المنطقة، وقد اعتمدت عليه في تنفيذ العديد من العمليات سواء لدعم المقاومة الفلسطينية أو حتى لدعم نظام بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية التي شهدتها سوريا في مارس 2011. 

وهنا يكون السؤال المهم: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه التحولات على مستقبل الحزب وعلى مستقبل محور المقاومة في المنطقة؟

يمكن الإجابة على هذا التساؤل على مستويين، الأول يرتبط بالعوامل الحاكمة، لهذه التحولات، والثاني المسارات المستقبلية لهذه التحولات.

الأول: فيما يتعلق بالعوامل الحاكمة؛ ويأتي في مقدمتها الظروف السياسية الراهنة في ظل استمرار الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا، واتساع دائرة الصراع في المنطقة، وحدود الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، واستمرار حكومة الكيان في سياساتها التوسعية، دون رادع، وحدود الرد الإيراني على الاعتداءات الصهيونية والاستفزازات الأمريكية.

الثاني: فيما يتعلق بالمسارات المستقبلية للتحولات؛ تبرز عدة سيناريوهات: أولها؛ استمرار التصعيد الإسرائيلي في مواجهة حزب الله، والتوغل البري وفرض منطقة أمنية على حساب الأراضي اللبنانية، وهو ما يعني استمرار النزيف البشري والمادي للحزب وقدراته، كما حدث في قطاع غزة في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية، وفي ظل اعتقاد حكومة الكيان أن الفرصة الآن مواتية لتحقيق طموحاتها وأهدافها في المنطقة، والحديث المستمر عن إعادة تغيير الشرق الأوسط.

ثاني السيناريوهات: التصعيد الإسرائيلي في مواجهة إيران رداً على هجومها على الكيان في الأول من أكتوبر، بما يدفع باتجاه حرب إقليمية شاملة، تستهدف منشآت الطاقة، النفط والغاز في الطرفين، وتستهدف المنشآت النووية والقطاعات الحيوية في الطرفين، مع تدخل أمريكي بريطاني فرنسي داعم للكيان في هذه المواجهة، وصمت يصل لدرجة التواطؤ من بعض النظم السياسية العربية التي تسعى للقضاء على محور المقاومة، وتتمنى توجيه ضربة للنظام في إيران، مهما كانت تداعيات ذلك على الأمن القومي لهذه الدول أو على الأمن والاستقرار في المنطقة، غير المستقرة بالأساس منذ تأسيس دولة الكيان.

ثالث السيناريوهات: رد محدود من الكيان على إيران في إطار قواعد اشتباك محددة، يستتبعه رد إيراني محدود، وبالتالي استمرار التوتر المُسيطر عليه من جانب الولايات المتحدة، انتظارًا لانتهاء الانتخابات الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وما قد يستتبعها من تداعيات في حال فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي يهدد ويتوعد بتوسيع مساحة الكيان الجغرافية، وباستهداف البرنامج النووي الإيراني.

رابع السيناريوهات: أن يستعيد حزب الله توازنه العسكري، ويجبر الكيان على التراجع، ويُلحق به هزيمة عسكرية، كتلك التي حدثت في يوليو/ تموز 2006، بما يفرض على حكومة الكيان بقبول تسوية مؤقتة تستعد فيها جميع الأطراف للمرحلة القادمة من الصراع.

وفي إطار هذه السيناريوهات، وهي كلها محتملة.  ويرتبط ترجيح أي منها بالعوامل الحاكمة والمحددات التي يتحرك في إطارها مختلف الأطراف، وكذلك احتمالية دخول روسيا الاتحادية على خط المواجهة لدعم إيران سعيًا لتوريط الولايات المتحدة في مستنقعات المنطقة، كما ورطتها في مستنقع أوكرانيا.

وهو ما يمكن القول معه: إن السنوات الخمس القادمة، هي سنوات عدم استقرار في الأوضاع على مختلف المستويات مع استمرار تأجيج الصراع، في ظل تعدد الأطراف وتنوع الأدوات وتداخل القضايا، وتنامي قوة الكيانات من دون الدولة، ودخول المنطقة في نفق مظلم لن تخرج منه دولها بعد الطوفان كما كان الوضع بعد الطوفان. وليس مستبعدًا -والحال هكذا - أن تكون هذه المرحلة بداية نهاية الكيان الصهيوني ذاته، في ظل تفاقم التحديات المجتمعية والهجرة العكسية، وتبديد الأساطير التي تأسس عليها منذ 1948.