التاريخ : الثلاثاء 08 أكتوبر 2024 . القسم : خلاصات الكتب

ذكرياتي مع الإمام يوسف القرضاوي.. ربع قرن دروسا تربوية ومواقف إنسانية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله صحبه ومن اتبع هداه وبعد:
هذه خلاصة مركزة عن كتاب (ذكرياتي مع الإمام يوسف القرضاوي.. ربع قرن دروسا تربوية ومواقف إنسانية) للدكتور وصفي عاشور أبو زيد. وهو أحد أبرز المقربين من تلاميذه والمطلعين على تراثه ومشروعه العلمي.
والكتاب يتناول سيرة ذاتية للمؤلف وذكريات مع الشيخ الإمام رحمه الله تعالى في جانب من الجوانب وهو الجانب الإنساني التربوي؛ إذ للمؤلف كتب أخرى تناولت شخصية الإمام من جوانب أخرى وزوايا متعددة؛ وصلت إلى هذه اللحظة ثمان كتب، منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
صدر هذا الكتاب عن دار إقدام للطباعة والنشر في تركيا – إسطنبول، ويقع في مائتين وثمان وثلاثين صفحة في طبعته الأولى، عام 2023م.
بدأ المؤلف كتابه بإهداء الجهد والعمل إلى أبطال معركة طوفان الأقصى وصناعها، وإلى شهدائها وجرحاها. وذكر أن هذا العمل هو تسجيل لذكريات شيخ من شيوخ قضية فلسطين والداعمين لها وأبرز المفتين والمناصرين لها في هذا العصر.
ومن محاسن القدر وعجائبه أن يكون تمام هذا الكتاب في يوم انطلاق هذه المعركة المباركة؛
صدَّر المؤلف كتابه بمدخل تحت عنوان (بين يدي الذكريات) ذكر فيه أهمية الحديث عن العلماء الربانيين وما يتركه من أثر وما يبعث فيه من روح. وميَّز دراسته وبحثه بالحديث عن الشيخ رحمه الله تعالى؛ حديث التلميذ عن أستاذه، وبوح المريد عن شيخه، مستحضرا الجوانب التي تميز فيها الشيخ والمجالات التي ترك فيها أثرا والميادين التي خاضها.
مشيرا إلى بداية شروعه في كتابة ذكرياته معه في فبراير من عام 2016، واكتمالها في 2023.
بدأ الكاتب الحديث عن بداية تعرُّفه على الشيخ رحمه الله تعالى تحت عنوان (قبل اللقاء) من خلال كتبه ومؤلفاته وأحاديثه في مرحلة مبكرة من العمر من المرحلة الثانوية والاطلاع عليها وقراءتها؛ وزاد نهمه للمزيد من الاطلاع والقراءة لكتب الشيخ -حسب تعبيره- حين انتقاله للمرحلة الجامعية وتأثره بها وسرد عناوين الكتب التي كان قد اطلع عليها حينها واقتناؤه لبعض الكتب كفقه الزكاة، وفتاوى معاصرة، وما تركت في نفسه من مشاعر السعادة والفرح.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى أول لقاء جمعه بالشيخ وبداية اتصاله المباشر به من صيف عام 1999 تحت عنوان (قصة أول لقاء) وكان في بداية مرحلة الماجستير.. في قصة لطيفة وبعد محاولات وعزم وإصرار وبعد اتصال بالشيخ رحمه الله معرفا بنفسه ومبديا رغبته في زيارته لعرض موضوع رسالته عليه. في حين أن الرغبة الحقيقية هي اللقاء بالشيخ والحديث معه والجلوس بين يديه. وبالفعل تم اللقاء ومشاعر غامرة بالفرحة والهيبة انتابت المؤلف. كان اللقاء حينها جملة من الأسئلة المتنوعة والاستفسارات المتعددة في مختلف المجالات العلمية والفكرية وغيرها؛ عرضها المؤلف على الشيخ ملتمسا الإجابة عنها والتعليق عليها.

تحدث المؤلف بعد ذلك عن مشروع رابطة وتجمع لتلاميذ القرضاوي تحت عنوان (في أسرة تلاميذ القرضاوي). وبداية نشأته؛ حلما وفكرة، وتحققه واقعا وتطبيقا بقيادة الدكتور عصام البشير، والمؤلف - حين كان يعمل باحثا في المركز العالمي للوسطية في الكويت - وآخرين؛ وكان أول ملتقى للتلاميذ والأصحاب في الدوحة عام 2007، ثم تبعه بعد ذلك ملتقيات أخرى. تناولوا من خلالها فكر الشيخ وجهوده عبر بحوث مقدمة وكلمات هادية بحضور الشيخ رحمه الله.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن بعض (النقاشات العلمية) والقضايا المتعددة على الساحة التي كان يطرحها، طالبا ومستفسرا عن رأي الشيخ رحمه الله تعالى فيها ؛ مثل:
- مخالفته لرأي الإمام حسن البنا في الأحزاب. 
- وحول رأيه في المفكر الكبير سيد قطب رحمه الله.
- ورأيه في الإمام المودودي رحمه الله.
- ورأيه في قتال المسلم الأمريكي للمسلمين في أفغانستان.
وأضاف الكاتب أن شخصية الشيخ رحمه الله تميل إلى الملاطفة والظرافة مع ضيوفه وإخوانه وتلاميذه. وذكر المحطات الطريفة والمواقف المضحكة التي يذكرها عن حياة الشيخ تحت عنوان (مواقف في الترفيه).
ومن هذه الطرائف: أنَّ الشيخ رحمه الله ذكر أنه كان مع الإخوان في المعتقل يأتون لهم بطعام لا يصلح للاستخدام الآدمي يطبخ بطريقة تزهِّد في تناوله، وكان من ضمن الطعام "أكلة الفاصوليا" التي أكثروا لهم منها، حتى ملُّوا. قال: فلما تزوجت قلت لزوجتي -يحكي بصوته الجهوري المعروف: إياك أن تطبخي لي من الفاصوليا هذه، فإن عندي منها مخزونا يكفيني بقية الحياة. وغيرها من المواقف والطرائف.
وأشار المؤلف أن علاقته بالشيخ رحمه الله تعالى لم تنقطع، ومراسلاته المكتوبة معه متواصلة في جميع المناسبات وبمختلف الموضوعات؛ من تهنئة بفوزه بجائزة الدولة التقديرية في الدراسات الإسلامية، ومن إشادة وتثبيت من موقفه من الشيعة، ومن تحية ومباركة في عيد ميلاده، وغيرها من المناسبات والموضوعات.
وأكد الكاتب أن له أسئلة واستفتاءات استفتى فيها الشيخ رحمه الله شخصيا؛ كما استفتاه ويستفتيه الآخرون من أفراد ومؤسسات حول العالم.  منها فتواه المباشرة بقتل القذافي، وكذلك استفتاؤه عن خروج الأسر في الرحلات المختلطة، وغيرها من الاستفسارات، وسماع إجابات الشيخ عنها وفتاويه فيها. مشيدا بها، وأنها تشكل نموذجا متميزا في تاريخ الإسلام.
وسرد المؤلف الكتب التي ألفها عن الشيخ رحمه الله؛ وافتتحها بكتابه الأول (رعاية المقاصد في منهج القرضاوي).
وبقية كتبه:(القرضاوي الإمام الثائر) و(القرضاوي وملحمة الانتربول الدولي) و(الفنون ومقاصدها عند القرضاوي.. الرؤية والتطبيق) و(أصول الفقه الحضاري عند الإمام القرضاوي فقه النص وفقه الواقع نموذجا) و(يوسف القرضاوي: مجالات التأليف وخصائص المنهج العلمي) و(خصائص الكتابة العلمية عند القرضاوي)، وكتابه الثامن الذي نتناول خلاصة عنه هنا (ذكرياتي مع الإمام القرضاوي).
وقد أفرد فصلا كاملا عن تعامله الإنساني الراقي، وذوقه العالي تحت عنوان (في ظلال الإنسانيات). ومن هذه المواقف والمحطات - تقديمه لكتاب المؤلف: المقاصد الجزئية - وهو في الأصل أطروحته لدرجة الدكتوراه - وإشادته به وثنائه عليه، وتزكيته الشخصية له، وتعزيته له بوفاة والده، واتصاله به وتطييب خاطره ودعوته له. ومنها إجازته العامة والخاصة في كتب الشيخ وتدريسه لها. وغيرها من المحطات والمواقف.
واستحضر المؤلف ذكرياته مع الشيخ إبَّان ثورة يناير، وشهوده لها، ومتابعته لأحداثها في مصر. وخطبة الشيخ رحمه الله في ميدان التحرير بعد تنحي مبارك.
وذكر المؤلف الزيارة التاريخية للشيخ، ووفد العلماء لغزة، وما تركت هذه الزيارة من أثر وما انطوت عليه من حفاوة وتقدير ومن رسائل إسناد ودعم وتثبيت لغزة وأهلها.
وأضاف المؤلف أن الشيخ رحمه الله طلب منه أن يراجع بعض كتبه قبل نشرها مثل كتاب (أسماء الله الحسنى)، وكتاب (مصادر التشريع)، وغيرها من الكتب.
كما أن المؤلف خصص مقالات له للدفاع الشيخ والذَّب عنه في غَيْبته؛ مثل: مقالته تحت عنوان (الطيب وإسقاط عضوية القرضاوي لخلطه الدعوة بالسياسة)، ومنها مقال بعنوان (أسئلة للسعودية والإمارات حول تصنيف القرضاوي إرهابيا)، وغيرها من المقالات.
كما نالت الحوارات المفتوحة مع الشيخ رحمه الله - نصيبا وافرا مع المؤلف في مناسبات متعددة من مؤتمرات وندوات واجتماعات وعلى هامش الأنشطة، بالإضافة للتقارير الصحفية عن ندواته، منها: (تقرير ندوة تجديد الخطاب الديني في نقابة الصحفيين بمصر) من صيف عام 2003، ومنها تقرير أولى جلسات الموسم الثقافي لصالون إحسان عبد القدوس، وقد حضره الشيخ رحمه الله تعالى في إحدى إجازاته الصيفية بمصر، وغيرها من التقارير
وفي المحطة ما قبل الأخيرة التي شارك فيها المؤلف بعدد من الكلمات في مناسبات بحضرة الشيخ رحمه الله. ومنها: كلمة للمؤلف بمناسبة بلوغ الشيخ التسعين من عمره، وكلمة الشيخ في الجمعية العامة لاتحاد علماء للمسلمين.
اختتم المؤلف كتابه بعنوان: (نهاية المطاف)؛ مسجلا اللحظات الأخيرة من رحلته الطويلة مع الشيخ، واتصاله الأخير به، وكأنه اتصال مودع.  وأرَّخ لحظة خبر وفاته، وتركه صدمة مؤلمة وحزنا عميقا في نفسه من 26 سبتمبر من 2022.
وأضاف أن مشاركاته بعد وفاة الشيخ رحمه الله مستمرة وحيَّة، بين ندوات وتسجيلات حول جهود الشيخ في خدمة الإسلام، وتدشين الأعمال الكاملة للشيخ الإمام رحمه الله وجزاه عن الأمة والإسلام خير الجزاء.
وعرض المؤلف لواقع العلماء والعلمائية بعد رحيل الإمام آفاقا واستشرافا، ومن يمكن أن يكون خلفا له ويملأ مكانه. 
وأشار في معرض الإجابة عن هذا السؤال بأنه يؤمن بأن الله لن يحرم الأمة من الخلف العدول الذين يحملون راية الأمة والملة في كل جيل؛ وشدَّد على مسؤولية مجتمع العلماء بتركيز اهتمامه بهذه القضية؛ قضية صناعة المرجعية العلمائية  ورمزيتها. 
ووثق المؤلف في الصفحات الأخيرة من الكتاب صورا له مع الإمام الشيخ في أول لقاء جمعه به في منزله بمصر؛ من صيف عام 1999، وأخرى في ندوات ومؤتمرات وملتقيات وزيارات للشيخ رحمه الله في بيته ومكتبه في العاصمة القطرية الدوحة.
في نهاية الكتاب؛ ختم المؤلف كتابه بخاتمة وجّه فيها الدعوة إلى الإقبال على تراث الشيخ الإمام رحمه الله والاستفادة من منهجه والانتفاع به في إصلاح دنيا الناس.  وقال: نسأل الله تعالى أن يتغمد شيخنا الإمام القرضاوي بواسع رحمته، وأن يكتب صحبته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وهكذا ظهر في هذا الكتاب تأريخٌ للشيخ الإمام رحمه الله بيراع أحد تلامذته الكبار ومن المقربين منه؛ تجلّى في ذكريات أخذت أشكالا مختلفة وأحوالا متعددة. وكأن الشيخ الذي كتب ذكرياته عن بعض مشايخه وأقرانه كالشيخ الغزالي والندوي وغيرهم رحمهم الله؛ شاءت إرادته تعالى أن يكتب تلامذته ذكرياتهم معه؛ فالوفاء يزرع وفاءً.
والحمد لله رب العالمين

عرض: محمد محيي الدين النشمي