التاريخ : الخميس 10 أكتوبر 2024 . القسم : مقالات وآراء
عام من الطوفان الحقائق الأربعة الأكثر أهمية
عام مضى منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى وما تلاها من غزو همجي لعصابات الصهاينة في فلسطين المحتلة، وبالرغم من كل ما جرى من دمار وتخريب وقتل على الهوية راح ضحيتها قرابة خمسين ألف نفس بشرية مسلمة من بينهم أطفال ونساء وشيوخ؛ فإنَّ التاريخ سيذكر بكل فخر أن طوفان الأقصى قد نتج عنه عدة حقائق ستغيِّر من طبيعة الصراع في المنطقة:
الحقيقة الأولى (صراع وجود وليس حدود)
الحقيقة الأولى: صراع وجود وليس حدود
هي حقيقة خالدة كانت الأجيال ترددها، وكانت بعض الحكومات تحاول طمسها وأن تستبدل بها شعار (صراع على الحدود)؛ وذلك لإعفاء نفسها من مسئولية تحرير كامل التراب الفلسطيني. اليوم عادت تلك الحقيقة إلى واجهة الأحداث من جديد؛ فقد أعادها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي شعر منذ الوهلة الأولى لانطلاق طوفان الأقصى أن ما يجري ليس صراعا على الحدود أو الموارد والموانئ؛ بل هو صراع وجودي بامتياز، وأن طوفان الأقصى هو أشد هجوم وقع على الصهاينة منذ المحرقة التي وقعت قبل إنشاء دولة الكيان.
في مايو 2024 قال نتنياهو (الحرب في غزة وجودية إما نحن أو وحوش حماس)، وفي يونيو 2024 قال نتنياهو -وهو يطالب أمريكا باستمرار ضخ السلاح- إن السلاح الأمريكي ضروري؛ لأن الكيان يخوض حربا وجودية. وقال بالحرف الواحد: (إسرائيل بحاجة إلى الأسلحة الأمريكية في حرب تخوضها من أجل وجودها).
وفي يوم 7 أكتوبر 2024، وفي الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى؛ أعاد التأكيد على أن (ما يجري الآن ليس عملية عسكرية ولا جولات قتالية؛ وإنما نحن في حرب وسنرد بحرب شعواء، هذه حرب على وجودنا، حرب القيامة).
لقد قضت عملية طوفان الأقصى على أكذوبة : الجيش الذي لا يقهر؛ للمرة الثانية، بعد أن فعلها الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 ، فرغم الاستعدادات والإمكانات والتجهيزات المتقدمة للاستطلاع والرصد وتحليل المعلومات والبيانات؛ فقد تمكنت المقاومة من مفاجأة، ليس العدو فحسب، بل حتى حلفاء المقاومة وداعميهم؛ ناهيك عن دول الجوار والمخابرات الأمريكية أيضا ، وأحدث الطوفان ثقبا هائلا في جدار الثقة العمياء التي يراهن عليها العدو وحلفاؤه في القضاء على أي تشكيل مسلح أو جيش منتظم في المنطقة بأسرها.
لم تكن علمية الطوفان وحدها هي التي فاجأت العدو وحلفاءه؛ بل إن المقاومة استمرت لمدة عام كامل، وما زالت مستمرة، دون أن يحقق العدو أهدافه المعلنة؛ وهي تحرير الأسرى والقضاء على المقاومة سياسيا وعسكريا، ومنع المقاومة من تهديد الكيان، على نفس وتيرة ما جرى في طوفان الأقصى فماالذي جرى؟ فالأسرى لايزالون في قبضة المقاومة، وحماس لا تزال في خدمة شعبها وفي الصفوف الأولى للمقاومة وصواريخها تدك تل أبيب عشية الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، وحماس هي التي ترفض وقف إطلاق النار ما لم يكن مصحوبا بانسحاب كامل، وتحرير كافة الأسرى الفلسطينيين؛ على الرغم من النداءات والبيانات التي تصدر من البيت الأبيض منفردا أو ضمن مجموعة من الدول العربية.
صحيح أن العدوان الصهيوني قام بعربدة لا نظير لها؛ إذ قام باستهداف آلاف المدنيين ومن بينهم أطفال رضع وشيوخ ركع ونساء لا حيلة لهم ، ودمر البيوت والمساكن والمستشفيات والمدارس والجامعات؛ لكنها كلها مكاسب تكتيكية كما عبر عن ذلك بوضوح شديد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيف سوليفان" التحدي الذي يواجه ( إسرائيل) الآن هو تحويل الانتصارات التكتيكية التي حققتها إلى استراتيجية تضمن بها مستقبل إسرائيل " ، أي أن حتى أقرب حلفاء الكيان يعترفون بأن كل مكاسب الكيان هي مكاسب تكتيكية لا تضمن استقرار أو بقاء الكيان، والمطلوب -حسب رأيه- استراتيجية للبقاء في ظل تحديات الوجود التي طرأت مع طوفان الأقصى.
لم تتوقع دول الجدار ( الجوار سابقا ) أم تستمر المقاومة لمدة عام كامل معلنة استمرار التحدي رغم فوارق القوة العسكرية عدة وعتادا ، فعلى سبيل المثال: وقف حاكم مصر العسكري في نوفمبر من العام 2023 في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني موجها النصيحة لقوات العدو بأن تقوم بتهجير أهالي غزة إلى صحراء النقب حتى تنهي عملياتها بالقضاء على حماس أو المقاومة ثم يتم إعادتهم ، وهذا تصور سطحي من رجل يفترض أنه عسكري؛ إذ تصور المسكين -من فرط ثقته في جيش العدو- أن الرد سيكون بعد بضعة أيام أو حتى أسابيع ؛ وأن قوات العدو ستنتصر وتسيطر بعد أن تقضي على المقاومة ، ياله من مسكين ! وياليت أحد يخبره بذكرى مرور عام على الصمود أمام أعتى الجيوش وأشرسها في المنطقة.
الحقيقة الثانية :( المقاومة الشعبية وليست الجيوش النظامية)
الحقيقة الثانية: المقاومة الشعبية وليست الجيوش النظامية
لقد أثبت طوفان الأقصى أن الجيوش العربية قد تُودِّع منها، وأنها لا تصلح للشأن العسكري، بل للشئون الاقتصادية والسياسية أو في مواجهة غضب الشعوب ورفضها للحكم الاستبدادي.
ومن ثَم ولأن الصراع وجودي سينتهي بانتصار المسلمين كما وعدنا الله، فلابد من أن تقوم فئة أو طائفة بواجب الدفاع عن المقدسات؛ فقد تشكلت المقاومة الإسلامية في فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ثم انخرطت تيارات أخرى بعضها صمد والبعض الاخر سقط في بئر التطبيع، ولا تزال طائفة من الناس، من الشعوب الحرة ترى بضرورة الاستمرار في مقاومة المشروع الصهيوني.
اعتمدت هذه المقاومة على إيمانها العميق بالله وبحتمية الفوز، النصر أو الشهادة؛ فقامت بواجب الدفاع عن المقدسات على قلة المال والعتاد والسلاح؛ مع شدة الحصار والتضييق. هذه المقاومة وبمرور الوقت تحولت إلى جيوش غير نظامية تعتمد الاستراتيجيات العسكرية التي تدرس في الجامعات والمعاهد العسكرية وفق الظروف المتاحة، بل إنها قاومت تلك الظروف وحولتها لصالحها؛ فاستطاعت تكبيد العدو خسائر ضخمة بإمكانات بسيطة، ولكن بعزيمة عظيمة.
كانت المقاومة في لبنان نموذجا يحتذى من حيث الجمع بين الحزب السياسي والجناح العسكري؛ والأخير مهمته القتال، والأول مهامه جهادية وإن كانت غير قتالية، وبرزت قوة أنصار الله في اليمن، وهي القوى التي تمكنت من تكبيد السعودية الكثير في حرب مستمرة منذ تسع سنوات متواصلة لم تستطع المملكة إعلان انتصارها تماما. كما فشل الكيان الصهيوني إعلان انتصاره في غزة أو في جنوب لبنان. واليوم نشهد مشاركة لبعض القوات العراقية غير النظامية في الحرب، وهذا سيحدث فروقا كبيرة في استراتيجيات الحرب والقتال في المنطقة لعقود قادمة.
الحقيقة الثالثة: تفوق إعلام المقاومة على إعلام البروباجندا
الحقيقة الثالثة: تفوق إعلام المقاومة على إعلام البروباجندا
لقد فشل الكيان الصهيوني في تسويق روايته لما جرى في السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب همجية بربرية شنعاء على الشعب الفلسطيني الأعزل، وبعد أن كان السؤال المحوري هو: هل أُدينت حماس اليوم ؟ تحولت الأمور بفضل إعلام المقاومة الذي قاده رجل ملثم وتبعه ملايين المؤمنين بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ؛ أصبح السؤال: وهل أدنتم إسرائيل على ارتكابها المجازر ؟ وهل أدنتموها لاحتلالها فلسطين؟ وسمعنا شعوب العالم وهي تغني بلغاتها المحلية عاشت فلسطين.. عاشت فلسطين (فيفا فلسطينا). وشاهدت كيف نجح إعلام المقاومة في تحريك الرأي العام العالمي في الميادين وأمام مقار الحكومات الغربية؛ وخصوصا البيت الأبيض، وفي الكونجرس، وفي الجامعات الكبرى في قلب الولايات المتحدة وبريطانيا.
الحقيقة الرابعة: تهافت المدخلية وإلجامية (سلفية السلطان)
الحقيقة الرابعة: تهافت المدخلية والجامية (سلفية السلطان)
وهو أمر كان متوقعا منذ سنوات؛ ولكن أراد الله أن يهتك سر هؤلاء في الوقت الذي يجاهد فيه المجاهدون عدوهم وعدو الأمة في فلسطين المحتلة. وهو جهاد لم ينكره أحد من العلماء في أي وقت؛ ولكن -أخيرا- تجرأت هذه المجموعات ورمت المقاومة بأبشع الصفات، ووصل الأمر ببعضم أن قام برمي المجاهدين بالنفاق تارة وبالابتداع تارة، وبالخروج على الحكام تارة، وبتفتيت الأمة تارة، وتارات كثيرة كانوا ولا يزالون يطالبونهم بالاستسلام لعدوهم؛ بدلا من مناصرتهم أو الدعاء لهم.
لقد كشف طوفان الأقصى عن هشاشة هذه التجمعات، وكيف أنها صنعت تحت أقبية أجهزة الاستخبارات من أجل استدراج البسطاء إليهم بمظهرهم وسمتهم الإسلامي الذي ما لبس أن أصبح هشيما تذروه الرياح.