التاريخ : الجمعة 11 أكتوبر 2024 . القسم : مقالات وآراء
السودان وفرص تحقيق السلام
يمر السودان منذ عقود بأزمات متواصلة من النزاعات المسلحة، وآخرها الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023. ورغم الحديث المتواصل عن ضرورة تحقيق السلام بين الأطراف المتنازعة، فإن الحلول العملية لتحقيق هذا الهدف تبدو غائبة حتى الآن. الحرب الأخيرة، التي تعتبر من بين أسوأ الصراعات التي شهدها السودان، أثرت بشكل كبير على المواطنين، وهو ما تسبب في كارثة إنسانية نادرة في هذا القرن، بحسب تقارير الأمم المتحدة من حيث حجم النزوح واللجوء.
السودان لديه تاريخ طويل من التمردات المسلحة التي تعود إلى ما قبل الاستقلال في يناير 1956. كانت أولى هذه التمردات في عام 1955. وعلى الرغم من فترات السلام التي شهدها السودان، فإن تلك الفترات لم تكن دائمة. أطول فترة سلام كانت بين عامي 1972 و1983، لكنها انتهت بتجدد الصراع بقيادة قوات كاربينو.
التجربة الرواندية
إذا نظرنا إلى رواندا، نجد أن هذه الدولة نجحت في التعافي من حرب أهلية مدمرة. الحرب في رواندا بدأت في أكتوبر 1990 واستمرت حتى يوليو 1994، حيث قُتل حوالي مليون شخص خلال ثلاثة أشهر في مجازر وصفت بأنها إبادة جماعية ارتكبتها الأغلبية الهوتو ضد أقلية التوتسي.
أوجه الشبه والاختلاف بين الحرب في رواندا والحرب في السودان
1. طبيعة الحرب:
بينما كانت الحرب في رواندا ذات طابع قبلي واضح، فإن الصراع في السودان يتمثل في تمرد قوات ضد الدولة بغرض السيطرة عليها. رغم أن غالبية أفراد الدعم السريع ينتمون إلى قبائل معينة، فإنهم لم يستهدفوا قبيلة بعينها بل استهدفوا الجميع في المناطق التي سيطروا عليها.
2. أهداف الحرب:
في رواندا كان الهدف الرئيسي الإبادة الجماعية، بينما في السودان كان الهدف السيطرة السياسية والعسكرية.
3. القوات المسلحة:
الجيش السوداني يتميز بتنوع أفراده من مختلف القبائل، بخلاف الحرب في رواندا التي كانت قبائلية تمامًا.
4. التدخل الخارجي:
في كلتا الحربين، كان التدخل الأجنبي له تأثير سلبي. في رواندا، التخلص من التبعية لفرنسا كان جزءًا من الحل. أما في السودان، فالتدخلات الخارجية لعبت دورًا في تأجيج الصراع.
5. الخسائر البشرية والمادية:
على الرغم من أن عدد القتلى في رواندا كان أكبر بكثير، فإن السودان يواجه تحديات كبيرة على صعيد البنية التحتية التي تعرضت للدمار وسرقة ثروات المواطنين.
6. استخدام سلاح الاغتصاب:
في كلتا الحربين، تم استخدام الاغتصاب وسيلة للإذلال وكسر إرادة الطرف الآخر، مما أدى إلى الهجرة الجماعية.
- • كيفية انتهاء الحرب في رواندا والاستفادة من دروسها في حالة السودان:
1. الحسم العسكري:
الحرب في رواندا لم تتوقف عبر المفاوضات، بل عبر الانتصار العسكري لجبهة رواندا الوطنية. هرب قادة الإبادة الجماعية إلى خارج البلاد، مما سمح بفرض سيطرة جديدة وإطلاق مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة.
2. إصلاح المؤسسات:
بعد انتهاء الحرب، قامت رواندا بإصلاح المؤسسات عبر إنشاء مفوضيات للعدالة والمصالحة، التي كانت جزءًا أساسيًا في محاكمة المتورطين في الجرائم.
3. التخلص من الانتماءات القبلية:
واحدة من الخطوات الجريئة التي اتخذتها رواندا كانت تجريم الانتماء القبلي، وهو ما أسهم في تعزيز الهوية الوطنية.
4. الاستقرار السياسي:
الحكومة الرواندية التي انتصرت في الحرب ظلت في الحكم عبر انتخابات شعبية، مما منح البلاد استقرارًا سياسيًا نادرًا بعد الحرب.
تطبيق الدروس الرواندية على السودان
إذا أراد السودان الاستفادة من تجربة رواندا، فهناك عدة خطوات يمكن أن يسير عليها لتحقيق السلام المستدام:
1. الحسم العسكري بحذر:
بينما قد يكون الحسم العسكري خيارًا، فإن الحلول السياسية والدبلوماسية يجب أن تكون جزءًا من الاستراتيجية السودانية لتجنب تكرار النزاعات.
2. إصلاح المؤسسات القضائية والاجتماعية:
يجب على السودان أن يتبع نموذج رواندا في إنشاء مفوضيات للعدالة الانتقالية والمصالحة، لضمان محاسبة جميع المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
3. تعزيز الهوية الوطنية:
تعزيز الهوية الوطنية يجب أن يكون أولوية للسودان، لأنه يسهم في تقليل الانقسامات القبلية والإقليمية، ويدفع نحو بناء مجتمع موحد.
4. الحد من التدخلات الخارجية:
يجب أن يعمل السودان على تقليل التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد الأزمة، والعمل على تقوية مؤسسات الدولة لتكون أكثر استقلالية.
5. إعادة بناء البنية التحتية ودعم التنمية:
التنمية الاقتصادية وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب يجب أن تكون من أولويات الحكومة السودانية بعد انتهاء النزاع.
6. الاستثمار في التعليم:
يجب على السودان التركيز على تطوير التعليم باعتباره حجر الأساس للتنمية والاستقرار، ويجب أن يكون التعليم أداة لتعزيز التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوداني.
7- الاستفادة من التجارب الاقتصادية الناجحة:
كما ورد في مقال بالجزيرة نت للكاتب محمد زكريا فضل، يمكن أن تمثل هذه التجارب مصدر إلهام للسودان في سعيه لتحقيق السلام والتنمية:
- - تحويل النفايات إلى ثروة في دول أفريقية:
تقدم شركة سيستيما بيو (Sistema.bio) التي تعمل في دول أفريقية متعددة، نموذجًا ناجحًا لقدرة الحلول المحلية على المعالجة الفعالة لتحديات متنوعة، مثل: إدارة النفايات، والأمن الغذائي، والطاقة بأسعار معقولة. تقوم الشركة بتثبيت وحدات هضم حيوي معيارية تعمل على تحويل النفايات العضوية إلى غاز حيوي للطهي، وأسمدة حيوية للمحاصيل. إذْ تعمل هذه الوظيفة المزدوجة على تقليل الاعتماد على وقود الخشب، والحدّ من قطع الأشجار وإزالة الغابات، بالإضافة إلى تقليل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري على المستويين: الإقليمي والعالمي، مع تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاجية الزراعية. إن ما يميز نهج "سيستيما بيو" هو قدرتها على التكيف مع السياقات المحلية. فمن خلال تقديم التكنولوجيا بأسعار معقولة وتصميم نموذج أعمال وفقًا للاحتياجات المحلية، تعمل الشركة على تمكين المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، وتمنحهم القدرة على إدارة نفاياتهم وتحقيق استقلالية أكبر في الحصول على الطاقة النظيفة.
2. "مجمع نور ورزازات" لتسخير طاقة الشمس في المغرب:
يعد مشروعًا بارزًا في المغرب، يوضح إمكانات مبادرات الطاقة المتجددة المحلية. فبصفته أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة (CSP) في العالم، بسعة إجمالية تبلغ 580 ميغاوات، صُمّم نور ورزازات استراتيجيًّا؛ لتسخير موارد الشمس الوفيرة في المغرب؛ لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، والإسهام في أهداف المناخ العالمية. وعلى نقيض العديد من مشاريع الطاقة الممولة خارجيًا بشكل كلي، والتي تخدم في المقام الأول الأسواق الأجنبية، طُوِّر مجمع نور من خلال مزيج من التمويل الميسر، والشراكات بين القطاعين: العام والخاص والحوكمة المحلية. وأدّى هذا النهج إلى تقليل ملف مخاطر المشروع، وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين مع ضمان توافقه مع الأولويات الوطنية وإفادة المجتمعات. نجح المشروع في خفض تكاليف الطاقة، وخلق فرص عمل، وتعزيز استقلال المغرب في مجال الطاقة، ليكون بمثابة نموذج للدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى تطوير مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق، المستدامة والموجهة نحو تحقيق رفاهية المجتمع.
3. مشروع إمداد المياه في كيغالي:
يُقدَّم مشروع إمداد المياه بالجملة في كيغالي، عاصمة رواندا؛ نموذجا فعّالا لحلولٍ محليةٍ تستجيب لاحتياجات المجتمع من خلال تطوير نظام موثوق لإمدادات المياه عبر شراكة بين القطاعين: العام والخاص، مما عزز من كفاءة واستدامة البنية التحتية للمياه في المدينة. ويُعْزَى نجاح هذا المشروع إلى إطاره المؤسسي المرِن الذي يتيح تكراره بشكل واسع، وتوافقه مع سياسات الحكومة، ونهج التخطيط القائم على النتائج، الذي يُسَهِّل الرصد والإدارة الفعالة. كما يُبْرِز المشروع إمكانات الشراكات بين القطاعين: العام والخاص في تقديم حلول بنية تحتية مستدامة تلبّي الاحتياجات المحلية، وتقديم بدائل قابلة للتطبيق للحلول التقليدية التي يقودها المانحون، والتي غالبًا ما تفتقر إلى الملكية والمساءلة المحلية.
أمية يوسف حسن أبوفداية
باحث في شؤون القرن الإفريقي