التاريخ : الجمعة 07 مارس 2025 . القسم : مقالات وآراء

النظام "الفوضوي" العالمي الجديد


منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، والعالم يمرّ بفترة عدم توازن؛ فالرجل يدير العالم عبر كاميرات التلفزيون على الهواء مباشرةً، تارةً من مكتبه في البيت الأبيض، وتارةً أخرى من مقر منتجعه في مار-الاجو.

كل التقاليد والأعراف الدولية، وثوابت الدبلوماسية، يتم تدميرها تدريجيًا وبخطوات متلاحقة ومرسومة ومدروسة، تشعر معها وكأنه يقرأ من كتابٍ عنوانه: "الفوضى هي الحل".

يصف ترامب نفسه بأنه "الملك"، ويعرض صورةً له وهو يلبس تاج الملوك، ويصفه أتباعه المهووسون به بأنه "هبة الرب والمنقذ"، وقبل كل اجتماعٍ رسمي يحضر معه بعض القساوسة، الذين يدعون له على الطريقة العربية بطول العمر، بعد وصلة تمجيد ومديح، وكأننا نشاهد اجتماعًا عربيًا في قصرٍ أحدهم، المطلّ على البحر أو المحيط، أو في قلب الصحراء... ما هذا؟!

ترامب والفوضى في الدبلوماسية الدولية

انظر إلى ما جرى على الهواء مباشرة أثناء استقبال الرئيس ترامب ونائبه جي دي فانس، للرئيس الأوكراني (اليهودي) فلوديمير زيلينسكي؛ من تلاسن وتبادل للاتهامات، ولغة جسد وصلت إلى حد التلامس الجسدي، وتشعر المشاهد بأن القوم سيتعاركون على الملأ!

هل كنت تتخيل يومًا أن تشاهد مثل هذه المشاهد في بلدٍ هي الأكبر في العالم، وهي رائدة في مجال بروتوكولات الزيارات الرسمية؟

دولة بحجم أمريكا، يصل المستوى السياسي والدبلوماسي فيها إلى أن يتدخل نائب الرئيس في الحوار المفترض أن يكون حصريًا على الرئيس وضيفه، ثم تعلو الأصوات، ويتم طرد الضيف من البيت الأبيض، وإلغاء مراسم التوقيع على صفقة المعادن، التي تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار!

هل كنت تتخيل مثل هذه الفوضى أن تحدث في أمريكا؟

قبل فضيحة ترامب - زيلينسكي بأيام، شهد البيت الأبيض مناوشات بين ترامب والرئيس الفرنسي ماكرون، الذي صحّح معلومات ترامب، التي رددها بالخطأ عن الدعم الأوروبي لأوكرانيا.

وبعدها بيومٍ واحد، اشتبك ترامب مع رئيس وزراء بريطانيا، حين شكّك الأول في قدرة بلاد الثاني العسكرية على مواجهة روسيا، وإن قالها ترامب على شكل مزحة، لكنها كانت مزحة ثقيلة جدًا.

ترامب وتصعيد الأزمات الدولية

اشتد الصراع بين ترامب والمكسيك وكندا، وهدد برفع نسبة الجمارك على البضائع المستوردة، ولكنه كان حذرًا - ولا يزال - من فعل ذلك بقوة مع الصين، التي تستطيع أن تكبّد اقتصاد أمريكا خسائر لا قبل له بها.

أما على مستوى العلاقات مع روسيا، التي تراها الدولة العتيقة في أمريكا خطرًا ماحقًا، فقد حاول ترامب أثناء ولايته الأولى تخفيف حدة الصراع معها، لكنه في فترته الحالية يندفع بسرعة أذهلت الجميع نحو تطبيع كامل وغير مشروط معها.

وفي الوقت نفسه، يقدم لروسيا كل الدعم في حربها على أوكرانيا.

هذا التحول الكبير ليس - كما قد يتصور البعض - بسبب رغبة ترامب في إعادة تقديم نفسه كصانع للسلام من أجل الحصول على جائزة نوبل، بل هناك الكثير من الأمور التي بدأت تطفو على السطح، بخصوص الدور التخريبي الذي يقوم به ترامب على مستوى الداخل الأمريكي، وعبر الأطلسي، مع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

ترامب وتفكيك "الدولة العميقة"

نظرة وطريقة تعامل ترامب مع مؤسسات الدولة الأمريكية، من وزارة الخارجية إلى الدفاع والعدل، ثم إلى الصحة والتعليم وأجهزة الأمن والاستخبارات، توحي بأن ترامب يعيد هيكلة أو - لنقل - يرغب في تفكيك تلك الدولة العميقة أو العتيقة، التي تصدّت له وأسقطته في انتخابات 2020.

ويعتقد ترامب أن حان الوقت للانتقام من الجميع، وهذه رواية يمكن تصديقها أو التفاعل معها.

أما الرواية الأخطر والأهم - على مستوى أمريكا والعالم - فهي أن يكون الرئيس ترامب قد تم إخضاعه للمخابرات السوفيتية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، كما زعمت بعض المواقع الأجنبية، التي نشرت تصريحًا لرئيس مخابرات كازاخستان السابق (ألنور موساييف)، يزعم فيه أنه تم تجنيد ترامب لصالح المخابرات السوفيتية عام 1987، وكان اسمه الحركي (العميل كراسنوف).

ترامب وفضيحة "التجنيد الروسي"

تقول هذه الرواية إن المخابرات الروسية استطاعت، في ثمانينيات القرن الماضي، تصوير مادة فيلمية لترامب مع مجموعة من الفتيات سيئات السمعة في فندق ريتز-كارلتون بموسكو، أثناء الاستعدادات لحفل اختيار ملكة جمال العالم.

وكان وضع ترامب في الفيديو مخزيًا ومُحرجًا للغاية، مما دفعه لاحقًا للسماح للمخابرات الروسية بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، كما صرّح الحزب الديمقراطي، الذي لا يزال قادته يعتقدون ذلك إلى اليوم.

قام ترامب بتغيير جوهري في قيادة مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، التي تحتفظ بوثائق وأوراق التحقيق، الذي أجراه رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية سابقًا، روبرت مولر، مع ترامب، على مدار شهور، وانتهى التحقيق من دون تبرئة أو اتهام.

هذا يجعلني أميل إلى تصديق الرواية التي تقول: إن الدولة العميقة لم ترغب في فضح نفسها بإثبات تورط رئيس أمريكا في فضيحة تجسس لصالح روسيا.

نظام عالمي جديد أم "فوضوي"؟

الفوضى الحاصلة في البيت الأبيض، وفي مؤسسات الدولة الأمريكية، وفي علاقة أمريكا بدول الجوار، ودول الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، والصين، وروسيا، تنبئ بتغيير كبير قد يحوّل النظام العالمي(WORLD ORDER) إلى نظام فوضوي (WORLD DIS-ORDER).