
التاريخ : الثلاثاء 11 مارس 2025 . القسم : مقالات وآراء
هل تفعلها يا فضيلة الإمام؟
ما من مرةٍ وجَّهتُ فيها نداءً لفضيلة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، إلا ونالني الشيء الكثير من غضب أبناء التيار الإسلامي، وذلك بسبب ظهوره في مشهد الانقلاب على الرئيس الشرعي الشهيد محمد مرسي (رضي الله عنه)، خلف زعيم عصابة الانقلاب!
أما لماذا هذا الموقف (المستغرب) من الشيخ الطيب، فإليكم التعليل...
بعد بيان شيخ الأزهر عن مجزرة رابعة، وذهابه مغاضبًا إلى قريته، ومكوثه شهورًا هناك، وُلِدَ "شيء" بداخلي، جعلني أشطب الشيخ الطيب من قائمة الانقلابيين، سواء الذين ظهروا في مشهد إعلان الانقلاب يوم 3 يوليو 2013 المشؤوم، أو الذين لم يظهروا. هذا "الشيء" دفعني دفعًا إلى الاعتقاد بأن الشيخ الطيب تم توريطه، إذ وضعه الانقلابيون في صورةٍ معينةٍ جعلته يقبل بالانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، باعتباره "أخف الضررين"، ولم يكن يدري أن الذي ظنه "أخف الضررين" لم يكن سوى مقدمةٍ لارتكاب "أشد الضررين"، ألا وهو إهراق دماء المعتصمين السلميين المعصومة بلا حساب، واعتقال الآلاف من خيرة أبناء مصر، في ظروفٍ غير آدمية، لأكثر من اثنتي عشرة سنة، وتخريب مصر، وتفريق أهلها شيعًا، ثم المشاركة بفاعليةٍ في حصار غزة وإبادة أهلها خلال حرب "طوفان الأقصى"!
سبحان الله العظيم الذي قذف "هذا الشيء" في قلبي!
لعلها "خبيئة" بين الشيخ الطيب وبين الله تعالى، جعلتني لا أرى، على يديه، دماء ابنتي حبيبة، إحدى ضحايا مجزرة رابعة، ومنعتني من اعتباره شريكًا في سفك دمها! وقد أثبتت التاليات من الأحداث موضوعية هذا "الشيء"، وموافقته الصواب. فقد رأينا في أكثر من مناسبةٍ حنق السيسي وغضبه على الشيخ الطيب، حتى إنه قال له ذات مرة، على الهواء، في غيظٍ بالغٍ حاول تغليفه بابتسامةٍ صفراء: "تعبتني أوي يا فضيلة الإمام!" وماذا يُتعب المستبدَّ المتفرعن المحاربَ لله ولرسوله أكثر من أن تقول له: لا؟ وألا تطيعه في منكر؟
ما الذي يجعلني أكرر النداء؟
في 20 أكتوبر 2019، وجهت رسالةً إلى فضيلة الإمام، عبر صفحتي على فيسبوك، وأعاد نشرها موقع "عربي بوست"، بدأتها بقولي:
"ورغم اختلافي مع فضيلتك في كثير من القضايا، فقد اخترت أن أوجّه رسالتي إليك، ليس باعتبارك شيخ الأزهر الموظف، ولكن باعتبارك الإمام الأكبر... إمام المسلمين، كما يعتقد المسلمون في مصر، وربما في العالم [...]. ومن أبسط حقوق المسلم على إمامه أن يحفظ عليه دينه وآدميته، فلا يُسْلمه لظالمٍ يمارس عليه أحطَّ وأبشع صنوف العذاب، فيفتنه في دينه، أو يُفقِده عقله، أو يحيله جثةً هامدة. فما بال فضيلتك إذا كان المُضَار والمظلوم امرأة؟!"
وفي صُلب الرسالة، عرضتُ جانبًا من تقرير منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، تناول أشكال الانتهاكات التي تعرضت، وتتعرض لها النساء الأسيرات في سجون الانقلاب. ثم ختمتُ رسالتي بقولي:
"إن بناتك وحفيداتك (يا فضيلة الإمام) يتعرضن لكل ما نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه، من حَطٍّ، وإهانةٍ، وكسرٍ، وإذلالٍ، لا لشيء سوى أنهن عبَّرن (بسلميةٍ مطلقة) عن رفضهن للوضع المزري في مصر، ولا أظن أن فضيلتك راضيٌ عنه.. أدرك قواريرك يا فضيلة الإمام، فكثيرٌ منهن أصبحن حُطامًا."
ولم يُخيّب شيخ الأزهر ظني، فجاءت كلمته التي ألقاها، بعد أقل من شهر، أمام المجرم المنقلب، بمناسبة المولد النبوي الشريف، قويةً، ملأى بالإشارات التأنيبية لهذا المتفرعن، الذي خالف كل ما جاء في وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) للبشرية في حجة الوداع، والتي اقتبس الشيخ الطيب فقراتٍ منها في كلمته، على سبيل التعريض، لإدانة الانتهاكات الجسيمة التي تجري في مصر، بحق النساء المعتقلات.
نداء اليوم!
خلال عامٍ ونصف، أصدر الشيخ الطيب عددًا لا بأس به من التصريحات والبيانات، دان في بعضها العدوان الصهيوني على غزة المحاصرة. ذلك العدوان الغاشم المدعوم دوليًا من ست قوى عظمى على الأقل، وأربع دولٍ تقول إنها "عربية"، وأشاد في بعضها بالمقاومة، ودعا لها بالخير، وحثَّ المسلمين في بعضها على مساندة غزة ودعمها.
بارك الله فيك، فضيلة الإمام، فهذا "أقل واجب" تجاه إخواننا في الدين، وجيراننا في الأرض، وقبل كل ذلك وبعده، فهم المرابطون في بيت المقدس وأكنافه، حائط الدفاع الأول والأخير عن أولى القبلتين، ومسرى النبي (صلى الله عليه وسلم)... نعم، حائط الدفاع الأول والأخير!
فـ**"الزعماء العرب"** ينتظرون، على أحرِّ من الجمر، إبادة المرابطين، ضاربين مثلًا في الخذلان لم يسبقهم إليه أحدٌ من العالمين! وأما جيوشهم، فمهمتها الوحيدة حماية كراسيهم وعروشهم، وليس الدفاع عن مقدسات الأمة، وأعراض المسلمين!
البيانات لا تكفي يا فضيلة الإمام، فأنتم أول من يعلم أنها ليست سوى حبر على ورق، وأنها مجرد مواقف ليس إلا، أما الفعل فشيء آخر! وهذا ما ننتظره منك، وقد أحسنا الظن بك، وها هي فرصتك التي هيأها الله تعالى لك؛ لتنصر الإسلام أمام هذه الهجمة الصهيوصليبية التي تهدد العالم بأسره (والمسلمين خاصة) بالويل والثبور وعظائم الأمور!
فلستَ – يا فضيلة الإمام – أقلَّ من ابن حنبل، وابن تيمية، وابن عبد السلام، وغيرهم من أعلام الأمة وأئمتها. فأنت في مكانهم ومكانتهم عمليًا، فهلا جعلتَ رأسك برؤوسهم؟
من يبايعني على الموت؟
جملةٌ من أربع كلماتٍ، تقولها، يا فضيلة الإمام، في بيانٍ متلفز، تخبر فيه الأمة بعزمك على التوجه إلى معبر رفح، ساعة كذا، يوم كذا، لتتقدَّم شاحنات الإغاثة نحو غزة، من معبر رفح (المصري الفلسطيني)، حاملًا كفنك على يديك...
إن فعلتها، يا فضيلة الإمام، تكون قد أحييت الأمة، وكسرت الحصار عن مليوني مسلمٍ في غزة، لا يجدون شربة الماء ولا كسرة الخبز، في هذا الشهر الكريم...
وكن على ثقةٍ ويقين، أن العالم سيقف على ساق، وسيتبدل الحال، ولن يستطيع السيسي فعل أي شيء، وسترى آيات الله تترى...
فهل تفعلها، يا فضيلة الإمام؟