
التاريخ : الثلاثاء 03 يونيو 2025 . القسم : رسالة التربية
الحج ووحدة الأمة الإسلامية
يقول الله تعالي: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾[الحج: 27-28].
الحجُّ يوحِّد الأمة
من الأهداف العظيمة التي شُرع لها الحج ؛ جمع هذا الحشد العظيم من أبناء أمة الإسلام، في زمان واحد، ومكان واحد، على عمل واحد، بلباس واحد، وبقصد واحد، وبنداء واحد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
يقول الشيخ القرضاوي- رحمه الله- إن هذا المنسك العظيم يصهر ما بين الأمة من فوارق العرق واللغة والإقليم والطبقة، ويوحدها مخبرا ومظهرا، حتي يشعر الجميع بأنهم (أمة واحدة) كما أراد الله لهم، لا أمم شتي كما أراد لهم أعداؤهم. أمة وحدتها العقيدة، ووحدتها العبادة، ووحدها التشريع، ووحدتها الأخلاق، ووحدتها الآداب، ووحدتها المفاهيم، ولاغرو أن سمي الله المسلمين في كتابه (أمة) فقال تعالي: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[الحج: 78].
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا﴾ [البقرة: 143]. وقال عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران: 110]. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 92].
ودعانا الإسلام إلى الاعتصام وعدم التفرق، فقال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾[آل عمران: 103].
ولقد عرف خصوم الإسلام قيمة الحج في توحيد الأمة، وإيقاظها، وتعريفها بذاتها، وتنبيهها من غفلاتها.
ومما يذكر في ذلك ما كتبه رئيس حملة التبشير التي اجتاحت مصر في أوائل القرن العشرين، وجندت لها إمكانات هائلة، بشرية ومادية، ولكنها باءت بالإخفاق والخيبة، فكان مما قاله رئيس هذه الحملة عبارات مهمة يجب أن يعيها المسلمون ويحفظوها.
قال: «سيظل الإسلام في مصر صخرة عاتية تتحطم عليها محاولات التبشير المسيحي، ما دام للإسلام هذه الدعائم الأربع: القرآن.. والأزهر.. واجتماع الجمعة الأسبوعي.. ومؤتمر الحج السنوي!»(الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي) .
فانظر كيف أدرك هذا المبشر ما يصنعه (مؤتمر الحج) الكبير بروحانيته وإيحاءاته وشعائره ومشاعره في أنفس المسلمين، وكيف يربطهم بأصولهم، ويذكرهم بهويتهم وتميزهم، ويعيد كلا منهم تائبا إلي ربه، طاهرا مغتسلا من خطاياه، كيوم ولدته أمه، فهو ميلاد جديد للمسلم. وأهم درس يتعلمه المسلم في الحج: أنه ينتمي إلي أمة كبيرة، أمة واحدة، أمة القبلة، وأمة التوحيد، أمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله .
درس لا ينبغي أن ننساه
ومن هنا كان علينا أن نتعلم من هذا المؤتمر الإسلامي العالمي، الذي لم يدع إليه ملك أو رئيس أو أمير، بل دعا إليه الله تبارك وتعالي، وفرضه علي المسلمين مرة في العمر، ليخرج المسلم من نطاق المحلية إلي أفق العالمية، وليرتبط شعوريا وعمليا بأبناء الإسلام حيثما كانوا في مشرق أو مغرب، وليستفيد أهل الحل والعقد في الأمة من هذا الموسم الرباني لجمع كلمة الأمة على الهدى، وقلوبها على التقي، وعزائمها على الخير المشترك للجميع.
وعلى أهل العلم والفكر والدعوة في الأمة مقاومة النزعات العصبية والدعوات العلمانية التي تفرق الأمة الواحدة، وتمزق كيانها، وتحولها إلي أمم شتي، يجافي بعضها بعضا.
لقد كان من آثار الغزو الفكري الاستعماري للعالم الإسلامي زحزحة المسلم عن الولاء لأمته المسلمة والاعتزاز بها، قبل الاعتزاز بالانتماء إلي القبائل والأمم، على نحو ما قال الشاعر المسلم (نهار بن توسعة)
أبي الإسلام لا أب لي سواه⸫ إذا افتخروا بقيس أو تميم
فأصبح في الناس من لا يعتز إلا بوطنه أو بقومه، لا بمعنى أن يحب وطنه ويهتم بأمره، ويسعى في رقيه، أو يحب قومه، ويعنى بأمرهم ونهوضهم ووحدتهم، فهذا لا حرج فيه، بل هو محمود ومطلوب شرعاً؛ ولكن بمعنى تغيير الولاء للإسلام وأمته الكبري، وتقديم الرابطة الطينية والعنصرية على الرابطة الإسلامية. وهذا تحول في موقف الإنسان المسلم والجماعة المسلمة، لم يعرف من قبل.
بين الأمس واليوم
لقد كان وطن المسلم من قبل، كلَّ أرضٍ تجري فيها أحكام الإسلام، وتقام شعائره، ويعلو سلطانه، ويرتفع فيها الأذان؛ هي وطن المسلم: يغار عليه، ويدافع عنه، كما يدافع عن مسقط رأسه. وكان العالم – آنذاك - ينقسم عند المسلم على هذا الأساس العقائدي: فهو إما دار إسلام، وإما دار كفر.
وكان قوم المسلم هم المسلمون أوالأمة الإسلامية، الذين جمعته بهم أخوة الإيمان، وعقيدة الإسلام ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
وكان أعداء المسلم هم أعداء الإسلام الذين يظهرون معاداتهم وكراهيتهم للمسلمين،قولا وفعلا ومكرا؛ ولو كانوا ألصق الناس به وأقربهم إليه. ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾[المجادلة:22 ]. أما المسالمون الوادعون المتعاونون؛ فينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9].
فالمسلم حين يقف في صلاته مناجيا ربه بهذا الدعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ بصيغة الجمع هذه، يستحضر في حسه وذهنه أمة الإسلام جمعاء.
وحدة الأمة الإسلامية
إن الحج بمناسكه المشتركة التي يؤديها المسلمون في مكان واحد وزمان واحد يبرز السمة الغالبة لهذه الأمة الإسلامية، ألا وهي أنها أمة التوحيد والوحدة. ومن الواضح عَبر مسيرة التاريخ أن هذه الأمة لا تصل إلى الوحدة الحقيقية إلا من خلال استمساكها بعقيدة التوحيد الحقِّ، وبقدر تفريطها في عقيدتها تصيبُها آفة التفرق والاحتراق الداخلي. ويربط القرآن الكريم بين التوحيد والوحدة في نصوص واضحة، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52].
ويسعى القرآن الكريم دائمًا إلى تذكير المسلمين بحقيقة أنهم أمة واحدة؛ فينهاهم أشد النهي عن التفرق والاختلاف ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105].
الأخوَّة شرط النصر والتمكين
إن تحقيق الأخوَّة بين المسلمين شرط لتحقيق النصر على أعدائهم: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4]. فإن فُقدت من معسكر الإيمان، أو تراجعت وضعُفت، حلَّت بهم الهزيمة: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 152].
درس التاريخ
لما كان المسلمون أمة واحدة؛ سادوا الدنيا بالعدل قرونًا من الزمان، ومن يراجع حالات الانتصار الإسلامي سيجدها جميعًا رهينةً بتحقق وحدة هذه الأمة؛ سواء في غزوات الرسول- صلى الله عليه وسلم- وفتوحات المسلمين التي شملت معظم أرجاء العالم المعروف آنذاك، أو في رد فعل المسلمين على هجوم أعدائهم في حالات ضعفهم الطارئ عليهم، فلما ضعف توحيد الأمة ضعفت وحدتها، وتكالبت عليها قوى الأرض.
وقد فطن أعداؤنا إلى أن سرَّ قوة المسلمين في توحدهم ووحدتهم، فأضعَفوا التزامَهم بدينهم، وزيَّنوا لهم شهوات الأرض، ثم ضربوا وحدتهم السياسية التي ظلت سياجًا للأمة الإسلامية حتى منتصف القرن الثالث عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، حين استشرى الاستعمار الغربي واحتل بلادنا، واستفحل الغزو الفكري، وتمت تنشئة أجيال من المسلمين على عين الغرب، جعلوهم صفوةَ مجتمعاتنا وروادَ نهضتنا، وهم في الحقيقة سرُّ نكبتنا، ورسل الغزاة فينا، وبدل الوحدة الإسلامية العامة تمَّ الترويج للوطنية الضيقة والقوميات العمياء، وجعلوا من هذه وتلك عدوًّا للفكرة الإسلامية، لا سبيلا إليها.
إن ما يتعرَّض له المسلمون في شتى بقاع الأرض من عدوان وعنت وتآمر وكيد لا سبيل لمواجهته إلا بالوحدة، وما كان ذلك العدوان ليحدث لو كان المسلمون أمةً واحدةً.. مَنْ للمسلمين المستضعفين في ربوع الأرض؟! ومَنْ لجُرحنا الدامي في فلسطين وغزة العزة؟! مَنْ لهم في ظل غياب وحدتنا وضياع هيبتنا؟!
فالمسلمون يدٌ على مَن سواهم؛ونصرة المستضعفين من المؤمنين فريضةٌ ما أمكن ذلك: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: 75]. وذلك استشعارًا بمبدأ الأخوَّة الإسلامية التي تسعى إلى إعزاز المسلمين جميعًا ورفع الضَّيم عنهم.
وقد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من خطورة الغثائية والتفرق، فقال: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل : يا رسولَ اللهِ؛ فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ).
الإخوان المسلمون والوحدة الإسلامية
يُعدُّ مشروع الوحدة الإسلامية من أسمى أهداف دعوة الإخوان المسلمين، ويمثل مكانة بارزة في مشروعها للنهضة، فالغاية الأسمى هي تحقيق الوحدة بين جموع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وإحياء الدولة الإسلامية الكبرى من (غانا) جنوبًا وحتى (فرغانة) في بلاد الأفغان شمالاً.
وكان من أبرز مؤشرات أسبقية مشروع الوحدة الإسلامية في فكر الإمام البنا وحراكه السياسي هو اهتمامه الكبير بقضية التقريب بين المذاهب الإسلامية في وقت مبكر جدًّا.
وفي رسالة المؤتمر الخامس وتحت عنوان "الإخوان والقومية والعروبة والإسلام" قال: "إن الإخوان المسلمين يحبون وطنهم، ويحرصون على وحدته القومية ".
وأشار إلى أن فكرة العروبة أو الجامعة العربية لها في دعوة الإخوان "مكانها البارز وحظها الوافر"، وذلك لأن العرب هم أمة الإسلام الأولى، ولن ينهض الإسلام بغير وحدة الأمة العربية واجتماع كلمة شعوبها، وقال: إن الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية التي اصطنعها الاستعمار الغربي لا قيمة لها في المساس بالوحدة العربية والإسلامية.
ما السبيل لتحقيق الوحدة الإسلامية؟
- العودة إلى الإسلام والعقيدة السليمة
إن الفترة التي مرَّت بها التجربة الإسلامية خلال البعثة النبوية والخلفاء الراشدين سجلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف. وما إن انتصرت كلمة الإسلام حتى خَلَقَ مجتمعًا رافضًا لكل تمييز عنصري (الأسود والأبيض) أو طبقي (السيد والعبد) أو قبلي (قريش وغيرها من القبائل) وساد الإخاء بين أفراده، وتآخى فيه المهاجرون مع الأنصار، وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية.
- بناء المؤسسات والكيانات القوية في كلِّ مناحي الحياة
فالعالم اليوم يعيش عصر الكيانات الكبيرة ممثلاً في دول كبرى وتكتلات اقتصادية وسياسية ضخمة، ابتداء من أمريكا الشمالية؛ وأوروبا ، وتكتل جنوب شرق آسيا، وإفريقيا أصبح لها منظمة اقتصادية تجمع دول غرب إفريقيا .
وفي وسط هذا الإطار المحيط بالعالم من الكيانات الكبيرة يوجد المسلمون متنازعين ومنقسمين. لقد أصبح من الضروري توحد المسلمين في كيانات كبرى، وتفعيل المؤسسات الموجودة حتى تؤدي دورها في وحدة الامة، ورفعة شأنها.
- الوعي بمخططات الأعداء
لقد أثبتت السنوات الماضية أن عدو الأمة الإسلامية يستهدف تفتيت المنطقة وتكريس حالة التجزئة للدول العربية والإسلامية وتعميقها؛ لتتحول إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، وذلك باستغلال مشاكل الأقليات المنتشرة في العالم الإسلامي، والتي تدعو إلى الانفصال والاستقلال.
إن التحدي الأكبر الذي يعوق حركتنا نحو التقدم ليس نابعا من أعداء الإسلام فحسب، وإنما ينبع من ضعف إيماننا بقدراتنا، وانتشارالفساد، وتغليب المصلحة الخاصة على الشأن العام، وانسداد الأفق السياسي في بعض بلاد المسلمين.
لابد - إذن- من فتح المجال العام أمام الجميع - دون إقصاء - لكي يشاركوا في نهضة أمتهم، ولن يتم ذلك إلا بالتصالح مع الشعوب، والسعي نحو نهضتها وتوفير الحياة الآمنة المطمئنة التي تقوِّي الانتماء، فيزداد العطاء، ويكثر الإنتاج، ويتوارى الفساد، ويتراجع الاستبداد الذي هو أسُّ البلاء ومصدر الشر أمام وحدة الأمة وانتظام عِقْدها.