
التاريخ : الأربعاء 25 يونيو 2025 . القسم : رسالة التربية
استنهاض الأمة المسلمة لتؤدي دورها في القيادة والشهادة
مفهوم الأمة:
الأمة: مصطلح ولد مع رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العالمين. وتعني في اللغة: الجماعة من الناس التي تؤم جهة معينة. وأما في الاصطلاح فقد تكررت الإشارة في القرآن والحديث ليدل على معان عديدة، من أهمها معنيان:
ورد مصطلح " الأمة " ليدل أن الأمة هـي: إنسان + رسالة. و" الرسالة " هـنا هـي " مثل أعلى " يقدم النموذج الأمثل للجوانب الخيرة في سلوك الفرد والجماعة، ليأتم به الناس ويسعدوا. ويشير القرآن الكريم إلى هـذه الرسالة في مواضع عديدة باسم " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". والمعنى الثاني لمصطلح "أمة": ورد ليعني(منهج حياة). كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف:23].
ونستطيع أن نقول: إن الأمة: "مجموعة من الناس تحمل رسالة حضارية نافعة للإنسانية، وتعيش طبقا لمبادئ هـذه الرسالة، وتظل تحمل صفة " الأمة " مادامت تحمل هـذه الصفات، أما حين تفقدها فقد يطلق عليها اسم " الأمة "؛ ولكنها لن تكون النموذج الإسلامي الكامل للأمة".
ففي المنظور الإسلامي: الأمة تفيد ذلك الكيان الجماعي الذي يرتكز في تماسكه على عقيدة إيمانية شاملة مصدرها رباني، ومجالها كافة أوجه الحياة من منظور أخروي، أو بعبارة أدق: من منظور ممتد يصل بين الحياة الدنيا والآخرة.
ورسالة العالم الإسلامي هي الدعوة إلى الله . وجائزته هي: الخروج من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الناس إلى عبادة الله وحده، والخروج من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
لقد استطاع الاستعمار ومشروعه الفكري تبديد "مفهوم الأمة" عبر المفاهيم الوافدة التي تلقتها فئة من أبناء الأمة وروجوا لها على أساس أنها المخلِّص لهم، وأنها ضامنة لطريق التقدم والنهضة، والخروج من حالة التراجع والانحطاط الحضاري. وكانت أبرز هذه المفاهيم وأخطرها على السواء مفهوم: العلمانية، والقومية، وما تبعهما من دعوات لإخراج الدين من معادلة الأمة والدولة الجديدة، ثم إخراج مفهوم الأمة ذاته من نظرية الاجتماع الإسلامي الجديدة في ظل الاستعمار وخططه لتقسيم العالم الإسلامي حسب نفوذه، وفقًا لأبعاد جغرافية تخدم مصالحه حالة وجوده، وحالة ارتحاله.
أهمية نهوض الأمة المسلمة
الأهمية الأولى: هـي ما تنبه إليه الآية ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾[الأنفال: 73].
وتتمثل الأضرار التي تنجم عن تأخر الأمة المسلمة عن القيام بدورها في ضررين رئيسيين هما:
الضرر الأول: هـيمنة (قيم الكفر) في الأرض، وإخراج (أمة الكفر) ، حيث لا يقتصر الكافرون على ممارسة كفرهم كأفراد متناثرين، وإنما يتجمعون في أمة يوالي بعضها بعضا. فإذا لم تقم "أمة الإيمان" فسوف تتولى "أمة الكفر" القيادة في الأرض، وتهيمن على مقاليد التوجيه والتخطيط والتنفيذ في كل ما يتعلق بشؤون السلم والحرب سواء.
والضرر الثاني: أن انتقال القيادة العالمية إلى " أمة الكافرين " سوف يؤدي إلى استغلال خزائن الله من المقدرات البشرية والمادية استغلالا سيئا، ثم يكون من نتائج هـذا الاستغلال السيئ ملء الأرض بالفتن والفساد الكبير، فتن في ميادين السياسة، وفساد في ميادين الاجتماع، وتشيع الصراعات والحروب الداخلية أو الإقليمية أو العالمية، وينتشر الفساد الكبير، الذي يتمثل في الانهيارات الأخلاقية، وشيوع التحلل والفواحش، وانتشار الفلسفات والأفكار الهدامة، وغير ذلك. كما نرى الآن.
صفات الأمة الإسلامية
1- قائدة الهداية
إن الإسلام لا يستطيع أن يعمل إلا أن تكون له القيادة؛ فهو عقيدة استعلاء ومنهج قيادة، عقيدة استعلاء من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن بها إحساس العزة من غير كبر، وروح الثقة في غير اغترار، وشعور الاطمئنان من غير تواكل. وأنها تشعر المسلمين بالتبعات الإنسانية الملقاة على كواهلهم ؛ تبعة الوصاية على البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتبعة القيادة في هذه الأرض وهداية الناس إلى الدين القيم، والطريق السوي، وإخراجها من الظلمات إلى النور بما آتاهم الله من نور الهدى والفرقان.
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ﴾[آل عمران: 110].
2- الوسطية والشهادة
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ﴾ [البقرة: 143].
والوسطية تعني: الصيانة والعزة والنفاسة. وأبرز ما يترتب على مفهوم الأمة"الوسط" أنه يؤكد الوظيفة القيادية التي أخرجت لها لتصير الأمة"إماما" للأمم.
والشهادة على الناس تحمل معاني: الحضور، والعلم، والبيان، والتبليغ. و"الجعل" الذي ورد في الآية للوسطية والشهادة على الناس هو" جعل" تكليفي. على معنى أن الأمة جُعلت مكلفة بالوسطية والشهادة؛ فإن هي وفَّت بذلك التكليف تحقق لها "الشهود الحضاري"، واستحقت المدح والتمجيد. ويلحقها من المؤاخذة بقدر ما تخل به من الشهود الحضاري. إنها منزلة الأستاذية العامة فى العالم كله، تعلم أهله وتقيم ميزان العدالة فيه وتحطم صروح الظلم والمنكرات؟ و القرآن يحفظ عليها مقوماتها وخواصها ومميزاتها كاملة غير منقوصة، ويحذرها أن تنتقص منها.
عوامل النهضة بالأمة
يقول الإمام البنا: لابد لكل أمة تريد النهوض من ثلاثة أمور:
أن تتعرف أعداءها لتحذرهم، وأن تهتدى إلى أحبابها لتستخلصهم، وأن تضع المنهج الحازم الحكيم للنهضة لتسير عليه، فلا تلتوى بها الطريق.
1- والأمة التى لا تعرف أعداءها، تقع فى خديعتهم وتقول بعد ضياع الفرصة: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
2- والأمة التى لا تعرف أحبابها تضعف قوتها بيدها وتندم حيث لا ينفع الندم.
3- والأمة التى لا تضع منهج نهضتها تتخبط فى سيرها، فلا تتقدم خطوة واحدة، وقد تتأخر خطوات كثيرة.
• المنهج الذى ينهض بأمة من الأمم يجب أن تتوفر فيه شروط عدة حتى يؤدى مهمته؛ ليكون أقرب الطرق للوصول إلى الغاية:
- لابد أن يكون واضحًا سهلاً محدود الغايات والمرامى، ولابد أن يكون عمليًا لا يعتمد على الخيال،
- ولابد أن يكون شاملاً يعبر عن أمانى الأمة وعواطفها، وخلجات نفسها، ويصور آمالها ومطالبها،
- ولابد أن يكون محوطًا بصفة من القداسة تدفع إلى المحافظة عليه والتضحية فى سبيله،
- ولابد أن يكون بعد ذلك معينًا على جمع كلمتها ومساعدًا على ضم صفوفها وتوحيد وجهتها.
إذا تمكنت أمة من وضع منهج تتوفر فيه هذه الشروط فهى واصلة لا محالة إلى ما تبتغى من أقرب الوسائل وأقصر السبل.
ومن فضل الله تبارك وتعالى على هذه الأمة المحبوبة أن منّ عليها بهذا المنهج تامًا كاملاً موفور الشروط مكتمل الوسائل والغايات، ذلك المنهج الإلهى هو "القرآن الكريم".
عماد بناء الأمة الإسلامية القائدة الشاهدة
يرتبط مفهوم النهضة في الإسلام بتحقيق شروط المنهج الرباني في: العقيدة والعمل، وتحقيق معالمه الأساسية في نفسية الفرد المسلم والجماعة المسلمة لتحصيل التأهل الحضاري، والقابلية للاستخلاف وعمارة الأرض.
هذه هي العناصر الرئيسة التي تحدد معالم المجتمع الناهض والأمة الشاهدة القائدة في الإسلام، والمجتمع الرباني الذي وعده الله بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
وقد نبه القرآن الكريم في الكثير من آياته على أن الأمم تقوم أو تسقط بناء على سنن ثابتة لا تتغير أو تتبدل، ووفق عوامل لا تُخرق أو تختزل، ومن أهم هذه العوامل ما يلي:
1- الفكرة:
إن أشد عوامل النهوض أهمية الفكرة التي تشكل تصور الأمم لحقيقة الوجود والكون والإنسان والحياة، والأمة المسلمة فكرتها الأساسية هي إقامة الإسلام. ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]. وتخليص العقل المسلم من التركيز على النظرة الجزئية للإسلام.
2- الإنسان:
إن المعيار الذي يمكن أن تقاس به الحضارات هو موقع الإنسان فيها، وتصورها عنه، وطبيعة القيم التي يلتزم بها ومدى احترامها لإنسانيته ومقوماتها. وقد كرّم الإسلام الإنسان﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
3- التجديد:
كسر الجمود الذي أصاب العقل المسلم من غلق باب الاجتهاد الذي قتل الإبداع والعطاء عند الإنسان وأوقعه في التقليد المذموم، وحرم المسلمين من الحلول الإسلامية لمشاكل العصر بتفكير إسلامي يستفيد من تقدم الغرب المادي، بعيدا عن عالم الأفكار التي تصطدم بثوابتنا وأصولنا.
4- العلم:
لا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا ريادتهم الحضارية إلا بالعلم الذي يرتكز على القيم الإسلامية، فيخرج لنا إنسان النهضة الصالح المصلح.
5- العقيدة الفاعلة:
إنَّ العقيدة الصحيحة هي الأساس المتين، والركن العظيم لدين الإسلام، والعقيدة الفاعلة يظهر أثرها في تكوين الإنسان المسلم، وبناء شخصيته، وسلوكه تجاه الآخرين، وبناء الحضارة.
6- الخلافة في الأرض(الاستخلاف):
إن هذه الخلافة في الأرض تتطلب تنفيذ مراد الله في إقامة الحياة على الأرض. والاستخلاف في هذا المقام هو استخلاف تشريف للخليفة. وفي منطق الإسلام الإنسان الخليفة هو المؤمن المجاهد في سبيل الله.
7- التزكية:
وذلك بالتوبة الدائمة، أفرادًا وجماعات، بحيث تتحول التوبة إلى شعار المجتمع المسلم الذي يعلن أنه في مراجعة مستمرة لأعماله وأقواله، تجديدًا لإيمانه، وصولًا إلى أقصى حالات الرضا الإلهي؛ ليحافظ على ربانية توجهه.
8- الشهود الحضاري:
ويقصد به وجود الأمة فكرًا أو علمًا وثقافة بكل ما تحتمله هذه المفاهيم من معاني في ساحة الحياة، فالإسلام لا يستعيد أمجاده الأولي إلا إذا استعادت أمته فقهها في علوم الأرض كما تستعيد فقهها في علوم السماء، وإلا إذا جودت شؤون العمران كما تجود التفسير والحديث، إن هذه المعارف الضرورية لبناء الأمم وإقامة الحضارات فرائض مؤكدة، أسبق في حياة المسلم من نوافل الأذكار، والقراءات فإن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة.
9- الوحدة والترابط:
الوحدة سبب من أسباب النصر، وعامل من العوامل التي تؤهل الأمة للازدهار، وهذه الأيام نحن أحوج ما نكون فيها إلى الوحدة والتواد. إن من أهداف الدين الإسلامي توحيد الأمة.
10- ناحية واحدة لا تكفي:
الأمة التى تجتاز دور انتقال خطير والتى تريد أن تركز حياتها المستقبلة على أساس متين من أسس الرقى والتقدم، وتنتفع ببوادر النهوض واليقظة -كأمتنا- الآن لا يكفيها أن تعالج ناحية واحدة من نواحى الإصلاح، بل لابد لها من أن تتناول كل النواحى بالتقويم والتجديد حتى يقوى بعضها بعضًا.
حال الأمة الإسلامية اليوم
إن الحالة التي عليها أمتنا اليوم لا تخفى على أحد، فمن بعد العز والقوة والمنعة، صارت إلى الذل والضعف والهوان، وبعد أن كانت قائدة لكل الأمم، ورائدة لكل الحضارات، وسائدة لكل العالم، صارت في ذيل الركب وتراجعت وتأخرت مكانتها؛ تكالبت عليها الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، فمزقت أوصالها، ونهبت خيراتها، وشردت وقتلت الكثير من أبنائها.
إن عناصر القوة في أمتنا مازالت حية فتية، وعوامل النهضة تنبض بالحياة في وجدانها، والأمة بدأت تستعيد وجودها وتستنهض عناصر السلامة بداخلها. وقد شاهدنا نماذج الصمود والثبات ومحاولات النهوض، ولكنها مازالت تحتاج إلى أيدٍ قوية تنطلق بها لتعود إلى سابق مجدها ؛ لتؤدي دورها في القيادة والشهادة.
فلتتحمل الحكومات مسؤوليتها، ولتتحمل الشعوب مسؤوليتها، وليتحمل قيادات الأمة ومفكريها وعلماؤها مسؤوليتهم، وليتحمل كل فرد من الأمة مسؤوليته. فالمنهاج واضح، والطريق بيِّن، ولكلٍّ دوره وعطاؤه. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21].